TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
أساتذة الجامعات
30/08/2014 - 5:15am

طلبة نيوز- ياسين الجيلاني

للعلماء منزلة خاصة في ديننا الحنيف، فالله سبحانه وتعالى – قد خصهم بالخشية، لأنهم الأكثر إدراكاً لعظمة الخالق ودقائق مخلوقاته، حين يقول في محكم كتابه:(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ( سورة فاطر: آية 28. وكذلك لهم منزلة رفيعة في الأحاديث النبوية. إذ يقول رسولنا محمد عليه السلام: «العلماء أمناء الله على خلقه»، ويقول: «العلماء مصابيح الأرض وخلفاء الأنبياء، وورثتي وورثة الأنبياء». أما إذا نظرنا إلى هذا الحديث، وكيف يحدد خصيصته، من أهم ما يميز العالم حين يقول: «لا يزال الرجل عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم، فقد جهل» وهو قول يقطع بأن العلم، طريق يسار عليه، وليس نهاية يوصل إليها.
وهنا نسأل: هل يسير أساتذة جامعاتنا، على تحصيل العلم من منابعه الأصيلة، بعد حصولهم على شهادة الدكتوراه، أم يكتفون بما حصلوا عليه من علم؟ في الحق؛ أن معظمهم لا يسيرون... فهنالك منهم من يفعل قليلاً، لكنه يخلع على نفسه وقاراً، يوهم بأنه ذو علم غزير وذو حكمة وكفاية!؟ وأنه لمما يدعو إلى الضحك، أن ننظر إلى الحيل التي يركن إليها أمثال هؤلاء «السطحيون» ليكسبوا «سطحيتهم» هذه تجسيماً وعمقاً، فمنهم من يلجأ إلى الصمت والتحفظ، عند السؤال، كأنما هم يحرصون على ألا يظهروا بضاعتهم النفسية إلا في جنح الظلام، وهم إذا تكلموا، فإنما يحرصون على إيهامك، بأنهم لم يقولوا كل ما في صدورهم، وقد يعلمون في داخل أنفسهم، أنهم قليلو المعرفة بما يحدثونك عنه، لكنهم عندئذٍ يظهرون، كما لو كان القصور في التعبير عما يريدون التعبير عنه!.
ومنهم طائفة تلجأ إلى ملامح وجوههم وقسماتها، فيجعلون من أنفسهم حكماء بالإشارات الجسدية، لا بالحصيلة العلمية، وطائفة أخرى منهم، تستخف بما لا تستطيع الوصول إليه، فيقلبون جهلهم مقدرة على الحكم؟
في أغلب جامعاتنا... قلما يكون الأستاذ الدكتور، من أصحاب البحثية العلمية، بالصورة الجامعية الحقة، وأن يكون في الوقت نفسه، من المفكرين بالمعنى المقصود لهذه الكلمة... وقد يخطئ من يعتقد أن في جامعاتنا من يأخذ الأمور مأخذاً علمياً جاداً، يتعقبها إلى جذورها، ولكنهم يصدرون أحكامهم جزافاً، في خواطر تعن لهم بحكم تجاربهم الخاصة في الحياة اليومية الجارية.
من المؤسف حقاً، أن يعتقد أمثال هؤلاء الأساتذة، أن الصيت بالعلم، أفضل عند الطلبة من العلم نفسه، وأمثال هؤلاء، لا يسهمون بفاعلية في حل مشكلاتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والخلقية والتربوية، لأن معظم معرفتهم الأكاديمية تستقصي معلوماتها الجاهزة والمحنطة، من شبكة «الانترنت» دون اعتمادها على البحث العلمي، الذي يحتاج من صاحبه، كداً وكدحاً ودراسة وتحليلاً... ناهيك أن معظم محاضراتهم للطلبة. ما زال يغلب عليها طابع التلقين والتجريد النظري، الذي يتعذر تحليله، هذه المحاضرات التي تحولت صفحاتها إلى مواقف غامضة، متباينة، جافة ومنفرة!؟
هذا هو حال معظم أساتذة جامعاتنا، فكيف هي المعرفة التي يصدرونها للطلبة؟ وهنا نسأل: هل نخطئ إذا ظننا أن الكثير جداً من أساتذة جامعاتنا – الرسمية والخاصة- ليسوا من طائفة «المفكرين» أمثال: ابن الهيثم وابن خلدون وابن تيمية، وابن سينا، والبيروني، والرازي، والخوارزمي ومحمد إقبال، وأحمد زويل، وهيجل، وجون ديوي، وفرنسيس بيكون، وجون ستيوارت ملْ وأسنشتاين، وجاليليو وغيرهم؟
في الحقيقة؛ إن الأستاذ الجامعي، لا يعدُ من «المفكرين» لمجرد أنه اختص بدراسة الفيزياء أو الكيمياء أو الأحياء أو تكنولوجيا المعلومات، أو علم الاقتصاد وإدارة الأعمال، أو التربية واللغة العربية والتاريخ...الخ، ولا لمجرد أنه ذو مهنة تقوم على أسس علمية وفنية وصناعية، كالمهندس والطبيب والصيدلي والجيولوجي وغيرهم، بل لابد لطائفة المفكرين من صفات أخرى، تتجاوز حدود إختصاصهم الدراسي، وتجعلهم قادرين على النظر في أمور الحياة نظرة واقعية عميقة – إلى جانب اعتمادها على العقل واستدلالاته –على الإدراك الحدسي واستنباطاته، وبمقتضى هذه النظرة، تجيء المعرفة الموضوعية، نابعة من فكر صاحبها وخبرته الخاصة، لا من جهود الآخرين، عندئذٍ؛ يكون لها أصداؤها في شعور الدراسيين ويقينهم.
في بعض جامعاتنا... لا يحس الأساتذة أنهم المسؤولون قبل غيرهم، عن استبدال القيم القديمة البالية، بقيم جديدة، تدفع المجتمع إلى السير في ركب الحياة الحضارية والإنسانية المعاصرة، فالأستاذ منهم مشغول بأموره الخاصة، غير ملتزم نحو المجتمع والطلبة إلتزاماً جاداً، لا يكلف نفسه بمعالجة المشكلات المتفاقمة، فهو يكتفي بالنقد دون وضع الحلول المناسبة للمشكلات، بل يكتفي بتسجيل الواقع دون تعديله!؟ وغالبيتهم يحصرون ذهنهم الشديد، في الإعداد للامتحانات، ورصد نتائجها طوال العام الدراسي، ويشغلون بالهم بكل ما يحقق لهم المنفعة في العيش الرغد، فنراهم يكثرون من المؤلفات المترجمة وإعداد الملازم وبيعها للطلبة، دون أن يلقوا بالاً إلى نوعية هذا الانتاج، أو مستواه... ينشرون الكتب التي تحتوي على معلومات عفى عليها الزمن دون تصويبها، ففكرهم مشغول إما بالترقية، أو في النظر لتولي مناصب إدارية او سياسية، وهاجسهم يتمحور حول البحث عن الامتيازات أو الفوز بالبعثات والمكافآت وغيرها من المكاسب المادية، ملقين وراء ظهورالعلم والفكر!!.
أما في بعض جامعاتنا الرسمية – محراب العلم والثقافة والفكر – فالحديث فيها ذو شجون، ولست أقارن قولي فيها مع قولي في الجامعات الخاصة، فقولي هنا عقل هادئ، وأما قولي هناك فوجدان ثائر. أننا هنا بصدد المهارات والطرائق التي يسلكها أصحاب العلم والثقافة والفكر، فبالمهارة والشطارة، قد يظفر الواحد منهم بمنصب رفيع، وعن المنصب تأتيه الشهرة بالعلم الغزير، أو قل أن قدراته العلمية والثقافية، تتفاوت في الدرجة، بتفاوت إرتفاع المنصب في راتبه ونفوذه.
وفي الجامعات الرسمية، يفترض أن يكون العميد أقل علماً وخبرة من الرئيس، والباحث أقل علماً من العميد أو مساعده وهلم جراء... والمنطق يفرض –مثلاً- إذا رشح أستاذ باحث لجوائز الدولة العلمية أو الأدبية أو اللغوية، أن يسمح له بالتنافس مع العميد أو المساعد، لكن يبدو أن قواعد الاختيار في بعض الجامعات، باتت مقررة كقواعد الجمع والطرح في علم الحساب، وهي أن يكون الاعتراف بالعلم على قدر المنصب، وهي قواعد يعرفها العاجزون في مسالك العلم والمعرفة، الذين يريدون أن يروا في العنب –بمنظار عجزهم – حصرماً، ولكن العنب الحصرم نفسه، يتحول عندهم بالواسطة والمحسوبية، إلى عنب حلو أو إلى خمرة مسكرة!.
ولو اعترض فيها معترض، لأفحموه بالباطل، بأن الترقية الحق، إنما تغترف من المنصب، لا من العلم وأبحاثه، وهي في الحق حجة لا أدري كيف أدحضها!؟ والسؤال: متى نغير معيار التقويم في جامعاتنا الرسمية، والتي نقيس بها اعتبارات الترقية؟ فإذا غيرنا المعيار الحالي، تغيرت الصورة الجامعية بكل تفصيلاتها، وليتحول تحصيل العلم عند الترقية، إلى مرجع حاسم وعادل عند الموازنة بين الأساتذة أو العلماء، دون أصحاب الباطل والأدعياء.
لئن كان هذا حال الخطاب الجامعي عامة، فإن من المؤكد أن التعليم العالي في خطر علمي وتربوي، وليس كما يقال وينشر في الصحف المحلية... وهذا من شأنه أن يؤثر سلباً في الحركة العلمية الجادة، ويحول دون الارتقاء بالتعليم الجامعي، وأخيراً نسأل: «أين يسير تعليمنا الجامعي حيث نجد حملة الدكتوراه في الجامعات يعدون بالألوف، ولا تكاد أعيننا تقع على العالم، الذي أشرب بتراث السلف، بحيث يزن قيمته العلمية، بميزان متابعته لطلب العلم، لا بالقليل الذي حصله، ومحال أن يكون قد حصّل إلا القليل؟!
وهنا نورد قولاً لأبي عمروابن العلا، حين سأله سائل: هل يحسن بالشيخ أن يتعلم؟ فأجاب قائلاً: إذا كان يحسن به أن يعيش، فإنه يحسن به أن يتعلم.
 

التعليقات

أكاديمي (.) السبت, 08/30/2014 - 06:47

الأستاذ الجيلاني المحترم

لقد عرضت الصورة بإبداع وعمق وأمتعتنا بما كتبت وأفدتنا كثيراً و "فشّيت قليلاً من الحنق" على واقعنا المرير. جزاك الله خيراً كثيرا وبرأيي المتواضع فأنت من تلك الفئة التي تسعى للوصول إلى جوهر رسالة العلم من خلال متعة التعلم والتعليم كطريقة حياة وليس كحالة طارئة قد تقود إلى منفعة. إذا لم تكن من تلك الفئة "الضالة"، إذا صح التعبير، فالسلامة وبكل أسف قد تتطلب التقوقع وأن يلزم الشخص منّا مكتبه وبيته. تحياتي وشكراً مرةً أخرى

استاذ جامعي مطلع (.) السبت, 08/30/2014 - 08:08

مقالة واقعية وذات قيمة عميقة وآمل ان يطلع عليها اصحاب القرار الذين هم مهتمين حقيقة في تطوير التعليم العالي في الأردن

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)