TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
أما آن للجامعات تبنّي التقويم منهجاً لتحسين أداء الأستاذ الجامعي
29/09/2014 - 9:45pm

طلبة نيوز-

د. نواف سماره
باحث أكاديمي/ جامعة مؤتة
من الواضح أن الأداء لا يمكن أن يرقى إلى المستوى المطلوب في غياب الكفاءة التي يُفترض أنها تحتوي على رصيد معرفي نظري، فالأداء عند الفرد يشكّل صورة من صور الملكة وانعكاس جزئي لها، ويعني الإنجاز الفعلي المتمثل في السلوك الموجود أساساً والقابل للملاحظة والقياس. كما إن الحديث عن الآثار الإيجابية للتقويم المنظم المستمر في تحسين الأداء بشكل عام وتطوير العملية التدريسية المرتبطة بالمدرس الجامعي باعتباره سيد الموقف التعليمي، وبأداء الطالب الجامعي لجهة رفع مستواه التعليمي، كل ذلك مرهون بتحسين كفاءة الأستاذ الجامعي أولاً.
إن التقويم عنصر رئيس وأساسي لقياس مستوى الكفاءة والتأكد من درجة الأداء، وهو ضروري لكل تقدم فهو يساعد على توليد الطاقات، وخلق المهارات، وتحسين جودة النواتج، ورفع المردود في جميع شؤون حياتنا. أما في ميدان التربية والتعليم فلا جدال أنه لا تطوير ولا تجديد ولا إصلاح في المناهج والبرامج والمساقات الدراسية والأساليب والإجراءات وغير ذلك دون تقييم وتقويم.
نتفق جميعاً على أن التقويم ركن مهم في العملية التعليمية التعلمية وحلقة من حلقاتها لا يمكن فصله عن النشاط الأكاديمي للمدرس، لكن إطاره النظري غائب عن أذهان كثير ممّن يمارسون التدريس، ويبدو لنا واضحاً أن غالبيتهم يعتقد أن التقويم عملية يجريها المدرّس الجامعي على الطلاب فحسب. أما تقويم المدرّس لنفسه، وتقويم بقية المدرسين له، وتقويمه من قبل طلابه هو موضوع محظور والسبب عند بعضهم "مَن يقوِّم مَن ؟ !".
إن الملاحظات حول هذه الإشكالية أفضى بها الواقع الحالي في جامعاتنا ومن خلال التجربة المتواضعة في مجال تقويم الأداء في التدريس الجامعي. والإشكالية الأساسية التي ينطلق منها الحديث عن التقويم وأثره في تحسين أداء الأستاذ الجامعي ورفع مردوده العلمي تتمثل في تحليل الواقع الذي أدى إلى تدني في مستويات بعض أساتذة الجامعات وتدهور ميكانيكية التدريس الجامعي إلى ما هي عليه الآن.
إشكالية الموضوع تقودنا إلى الحديث عن القصور المتمثل في ضعف تأهيل الأساتذة الجامعيين وسوء إعدادهم علمياً ومنهجياً في عصر العولمة الذي نحتاج فيه إلى مدرّس جامعي من طراز فريد. وقد أدى ذلك إلى عقم في طرائق التدريس الجامعي وقتل الرغبة في التعلّم لدى الطالب. فالطريقة الشائعة لدى كثير من أساتذة الجامعات لا تخرج في الغالب عن إطار الإلقاء والإملاء والتحفيظ والتلقين، الأمر الذي أدى إلى تعطيل ملكة التحليل والإبداع عند طلبة الجامعات وتكريس للفكر التخزيني والاجتراري لديهم.
ثم إن هؤلاء الأساتذة الذين يمارسون العمل التدريسي بالجامعة تشكلوا بطريقة تقليدية تعرفها جامعاتنا منذ نشأتها، ومما لاشك فيه أن الحاصل على شهادة الدكتوراه أو الماجستير ليست دليلا على التدريس الجيد، فهناك الكثير ممن يشهد لهم بالكفاءة في البحث والتأليف ولكنهم يبدون عجزا واضحا في مواقف التدريس قد يصل إلى درجة الفشل. وتفتقر بعض جامعاتنا إلى آلية واضحة لتطوير المهارات التدريسية والتربوية للمدرس الجامعي علما أنّ الجامعات الغربية تنبهت إلى أهمية هذه المسألة المتمثلة في إعادة تجديد معلومات الأساتذة وخبراتهم التربوية من حين لآخر وتحسين طرائق أدائهم.
إنّ إشكالية هذا الموضوع تقودنا إلى البحث في التقويم وتحسين الأداء فمن يرجع إلى بعض الكتب المتخصصة في التقويم التربوي يلاحظ أن أصحابها يذكرون للتقويم وظائف عديدة تتعلق بالجوانب التي ترتبط بالمتعلم ونادرا ما يتم الإشارة إلى أن تحسين أداء المدرّس والمعلم ورفع مردودهم التعليمي كوظيفة أساسية يحققها التقويم المستمر. إذ يُعزى الضعف في مستويات خريجي بعض جامعاتنا، إلى المدرسين أنفسهم، فهناك لا مبالاة واضحة على مستوى التدريس الجامعي من جهة والتقويم من جهة أخرى، وكأن الجميع رضي عن القول "دعه يمر" و"كلكم ناجح إلا من أبى"، وهنا نتساءل: كيف يمكن تحسين أداء المدرس الجامعي باعتباره أحد العناصر الأكثر أهمية في الوسط الأكاديمي ؟. هذا السؤال يسير بنا إلى إجابات عديدة.
أولاً: تقويم الأستاذ الجامعي لنفسه. إن جامعاتنا بحاجة ماسة إلى فئة من الأساتذة الذين يبادرون ويجددون باستمرار ويحملون فكرا إبداعيا، فلا ينبغي أن يتخذ المدرس في مواقف التدريسية طريقة لا تتغير، وإيقاعا واحدا مفروضا على الجميع، ودروسا تتميز بالبباغائية تفتقر إلى التعديل والإضافة والتحسين والتجديد المستمر. فالضرورة تحتم على الأستاذ الجامعي أن يضع نفسه عقلا ووجدانا موضع الطالب الذي يميّز في كثير من الأحيان بين المعرفة الغثة التي تُعرض عليه وبين المعرفة الدسمة وبين المعلومات التي أكل عليها الدهر وشرب والمعلومات التي تمتاز بالجدة والأصالة، وبين الطريقة المشوقة في التعلم، وبين الطريقة المملة التي تميت ذهن الطالب.
ولعل أهم أساليب النقد الذاتي هو المراجعة الدورية للدروس والمحاضرات التي نلقيها فصلاً بعد فصل وسنة بعد أخرى بهدف إثرائها وتعديلها أو تعديل بعض أفكارها وحتى لا يصاب الأستاذ الجامعي بالجمود والتحجر والانزواء في تخصص ضيق لابد أن ينوع في تدريس المواد بعد فترة زمنية محددة، شريطة أن تكون قريبة أو لها علاقة بتخصصه.
ثانياً: تقويم الأستاذ الجامعي من قبل زملائه الآخرين. قد يرفض بعضهم هذا النوع من التقويم، وقد يتعالى عليه بحجة "مَن يقوِّم مَن؟" والواقع أن الهدف منه هو العمل الجماعي المنظم الذي يقوِّم الأساتذة من خلاله بعضهم بعضا. فيستفيد الأستاذ الجامعي الحديث التخرج من صاحب الخبرة الطويلة وينتفع من المتخصص غير المتخصص، لأن البحث في تحسين أداء (المدرّس والطالب) ورفع المردود المعرفي والتربوي والمنهجي لديهم كالبحث في أي قطاع من مجالات العلم والمعرفة لا يرقى إلى المستوى المطلوب إلا إذا تحول الجهد الفردي إلى مستوى الجهد الجماعي المنظم.
ويمكن إجراء هذا النوع من التقويم في جامعاتنا عن طريق تقارير الأساتذة الذين يشرفون على تدريس مادة مشتركة في القسم الأكاديمي، فتكون هذه التقارير بمثابة المحطات التي يتدرب من خلالها الأساتذة على تعرف المشكلات واقتراح الحلول وتبادل الخبرات وسيسهم هذا، دون شك، في معرفة أكثر عمقاً للمادة الدراسية فتظهر أهميتها ودورها وغاياتها التعليمية.
ثالثاً: تقويم الأستاذ الجامعي من قبل الإدارة أو لجنة علمية متخصصة. قد نتساءل عن الطريقة المثلى التي تتبعها الإدارة الجامعية أو اللجنة العلمية وتقوم من خلالها الأستاذ !؟ طبعا لن يكون ذلك عن طريق الامتحان والاختبار، ولكن الجامعة التي تدفع للمدرس الجامعي راتباً شهرياً إضافة إلى الامتيازات والحوافز مقابل إنجازه لمهام معينة، من حقها أن تشترط فيه المواصفات الضرورية للقيام بتلك الواجبات، والمسؤولية هنا مسؤولية إدارية أو علمية، فالجامعة من حقها فرض "شبه رقابة" أو"متابعة"، فيكلف الأستاذ الجامعي بعد إنهاء سلسلة محاضراته في مادته الدراسية بإعداد توصيف المادة الدراسية وتقديم تقرير عنها بنهاية الفصل الدراسي، وتقديمها في شكل محاضرات منظمة ومطبوعة تتولى لجنة علمية متخصصة تحكيمها ونقدها ويكلف الأستاذ بتعديلها وتنقيحها ثانية، وقد تُصبح بعد ذلك مطبوعة أو كتاباً ورقياً أو إلكترونياً يستفاد منه ويعد هذا الجهد إنجازاً علمياً للأستاذ الجامعي.
رابعاً: تقويم الطالب للأستاذ الجامعي. يتبادر إلى مسامعنا في أروقة الجامعات أن تقويم المدرس لزميله المدرس أمر مرفوض عند كثير من الأساتذة، فما بالنا بتقويمهم من قبل طلابهم! فعلى الرغم من اتباع الغالبية العظمى من جامعاتنا لهذا النوع من التقويم تقليدياً، إلاً أن الجامعات الغربية تأخذ بنتائجه بشكل جديّ نظراً لنتائجه الإيجابية على مستوى الطالب وعلى مستوى الأستاذ الجامعي. وعلى الرغم مما يقال عن مستوى الطالب الجامعي لغويا ومعرفيا ومنهجيا إلا أن فيهم من يمتلك حدسا يؤهله للتمييز الموضوعي بين المعرفة الغثة التي تعرض عليه وبين المعرفة الدسمة، وبين المعلومات البالية القديمة والمعلومات الحديثة والأصيلة، وبين الطريقة المشوِّقة والمرغِّبة في التعلُّم، وبين الطريقة المرهِّبة التي تميت الذهن وتطمس الفكر.
ويجرى عادة هذا التقويم عن طريق ملء الطالب لاستمارة تقدمها له إدارة الجامعة قبل الانتهاء من الفصل الدراسي الجامعي، وتشتمل هذه الاستمارة فقرات تتضمن معلومات متنوعة تخص الجوانب الأكاديمية والمنهجية لأستاذ المادة، ثم يكلف الطالب باختيار علامات رقمية أو ملاحظات تتعلق بالكفاءات التعليمية لأداء المدرس. ويفضي هذا النوع من التقويم إلى اكتشاف المدرّس لنفسه من خلال ملاحظات طلابه، ولا ننسى أن المتفرج، دائما، لاعب بارع.
والنتيجة التي نخلص إليها، أن التعليم بشكل عام والتدريس الجامعي خصوصا بحاجة ماسة إلى تكوين أساتذة جامعيين من طراز خاص يُطلق عليهم "الأساتذة الباحثين"، وللأسف الشديد إذا عثرنا على الأستاذ الجامعي غاب الباحث وإذا عثرنا على الباحث غاب الأستاذ، ونادرا ما نعثر عليهما معا؛ فالمقصود هو الأستاذ المبادر والمجدد الذي يطور باستمرار. كما أنه ينبغي على جامعاتنا الاهتمام عملياً بتطوير أداء المدرّس الجامعي ليمتلك مهارات كيف يجب أن يدرّس ويتواصل مع طلابه، وكيف يقيِّم ويقوّم.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)