TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
إنها أزمة الثقة يا سادة!
03/05/2015 - 4:30am

طلبة نيوز- جمانة غنيمات

مع كل زيادة في أسعار المحروقات، تخرج المواقف المشككة في مبررات الرفع. ويرتكز الرفض على عدم صدقية الحكومة في تسعير المشتقات النفطية.
القصة تتكرر شهرياً، حتى في حالات تخفيض الأسعار؛ بدعوى أن نسبة التخفيض المحلية لا تنسجم ومعدلات الأسعار العالمية. ما يعني أن حالة التشكيك قائمة مع كل السيناريوهات.
الشكوى من عدم دقة الأسعار لم تحلّها الخطوة المهمة لوزارة الطاقة والثروة المعدنية، بإعلان التسعيرة الشهرية بتفاصيل أوسع من تلك التي كانت قد نُشرت قبل ذلك بسنوات، في عهد وزير الطاقة الأسبق علاء البطاينة.
فإعلان معادلة التسعير، بكل تعقيداتها وبعض بنودها غير المقنعة، لم يغيّر المزاج العام، ولم يساعد في بناء جسور الثقة المحطمة بين الحكومة والمواطن. وهو ما يُقرأ بشكل أعمق؛ باعتباره يعكس فجوة الثقة بين المستهلك ومتخذ القرار، وبين المواطنين والحكومات بشكل عام؛ فالقاعدة هي الريبة وعدم الثقة بين الطرفين.
فقدان الثقة حالة تجذرت على مدى عقود. عمّقها عدم صدق الحكومات في بعض قضايا من هذا النوع. من ذلك، صدمة المراقبين بوجود صندوق تحوط للمحروقات منذ سنوات، احتوى عشرات ملايين الدنانير. إذ لم يكن هذا الأمر معلوما إلا لقلة لا تذكر من الأشخاص، حتى جاءت حكومة سمير الرفاعي الأولى وكشفت عنه، لتبرير زيادتها الكبيرة للضرائب المفروضة على المشتقات النفطية في ذلك الوقت؛ إذ ارتفعت الضريبة على بنزين "أوكتان 95" لتبلغ
40 %، فيما زادت لتصل 22 % على بنزين "أوكتان 90"، وبما أدى إلى رفع تكاليف وأسعار جميع السلع والخدمات.
بصراحة، قرار الزيادة الكبيرة في نسبة الضرائب على المحروقات، لعب دورا في عدم فهم الناس لتسعيرة المحروقات، وعدم الإيمان بها حتى اللحظة. ذلك أنّ أساس القياس لديهم يتمثل في أسعار النفط عالمياً، وما قبل ضرائب "الرفاعي". وليبدو منطقياً ما نسمعه، عادة، من قول البعض إن أسعار المحروقات محلياً لم تصل للأسعار الحالية عندما كان سعر برميل النفط عالمياً 130 دولاراً! فهذا صحيح، لأن الضرائب الخاصة يومها لم تكن قد فُرضت بعد.
قد يبدو غريباً أن كثيراً من المعلقين على تسعير البنزين وسواه، لم يقرأوا، في كثير من الحالات، آلية التسعير؛ فلا يملكون بالتالي ملاحظات موضوعية حولها. لكنها فجوة الثقة التي لم تستطع كل الحكومات ردمها أو تقليصها، عبر بناء معايير جديدة واضحة للقرارات والإجراءات الرسمية.
وغياب الثقة لم يعد يتوقف عند تسعير المحروقات، بل هو يتسع ليطال مختلف التوجهات الرسمية، وبما يؤدي بالتالي لإضعاف الرواية الرسمية حدّ عدم قبولها أحيانا. الأمر الذي يضيّع النتائج المرجوة من كثير من القرارات المتخذة.
من جديد، لا بد من بحث وتفكير رسميين، على مختلف الصعد، في أسباب الظاهرة وعلاجها. وأغلب الظن أن الأسباب كلها موجودة في برامج الحكومات المتعاقبة، التي طالما أمطرت المجتمعات بالوعود البراقة، من دون أن تعمل حقيقة على تنفيذها.
استعادة الثقة، أو إعادة بنائها تدريجيا، ليست مهمة سهلة، لكنها أيضاً غير مستحيلة. وحتى يصدّق المواطن تسعيرة المحروقات ويثق بها، فإنه يحتاج التيقن من أن كل جهة حكومية معنية فعلاً بتأمين غذاء ودواء، وكل سلعة أخرى، تصلح للاستهلاك البشري.
فعندما تتوقف القصص عن محاولات مسؤولين، من مختلف السلطات والمؤسسات، إدخال سلع فاسدة، أو حتى غير مطابقة للمواصفات، إلى السوق المحلية، ستبدأ الرحلة الطويلة لاستعادة الأمل والثقة. وعندما تتوقف قصص التنفيعات والتعيينات المصلحية في الحكومة، وتنتهي عملية تجيير المواقع العامة لمنافع ذوي القربى، يصبح ممكناً إقناع الناس بجدوى تجديد عقد الثقة بالحكومات.
القضية لا ترتبط بسعر "تنكة البنزين" أو المحروقات عموماً، بل هي أكبر من ذلك بكثير؛ إنها أزمة ثقة أيها السادة! والتي يبدأ حلها من أصغر موظف، وصولا إلى الوزراء ورئيسهم، وأعضاء السلطة التشريعية. واستعادة الثقة هي أولى خطوات تمتين الجبهة الداخلية، حتى يستقر الشعور الجمعي ويطمئن إلى أن الوطن للجميع، وليس فقط للمسؤولين وأصحاب النفوذ.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)