TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
الأبعاد المنسية.... والعنف الجامعي
24/05/2015 - 12:15pm

طلبة نيوز-الدكتور سلامه طناش

أستاذ التعليم العالي - الجامعة الأردنية

شُغِل الأكاديميون والسياسيون وكتاب الرأي العام، لا بل شُغِل عامة الناس، والأهل بقضايا العنف الجامعي بمختلف صوره وأشكاله، ومستوياته وذلك منذ سنوات ليست ببعيدة. وأنبرى للكتابة حول الموضوع المهتمون بشؤون التعليم العالي، وغيرهم كثير. وقدم كلٌّ رأيه سواء بعلم أم بغير علم. فكانت الرؤية في مجملها ضبابية، لم تتمكن من التعامل بشمولية وعمق مع هذه الظاهرة الغريبة. وبالتالي تباينت الحلول لهذا المشهد الاجتماعي الممزوج بالألم الأخلاقي وبخاصة لمن يدرك حقيقة الأبعاد لهذا العنف الطارئ، والدخيل على جامعاتنا في زمن العولمة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، لا بل وبالتأكيد السياسية. لقد، قرأت ومنذ ثلاث سنين، الكثير مما كتب عن الموضوع. وتبارت الأقلام وكل يدعي الحل، وامتلاكه لناصية المعرفة بمكنون الأمور.

والعنف الجامعي برأيي يمارس في حرم الجامعات...... في مكاتبها وقاعات التدريس فيها وفي ممراتها ومختبراتها، ومطاعمها... ويأخذ أشكالا ومستويات عديدة. وقد يكون مصدره أو من أسبابه الأستاذ الجامعي، أو الطالب، أو الموظف، وباتجاهات متعاكسة. وقد يكون من النوع اللفظي، أو الحركي، أو السلوكي، أو الاحتماعي، أو الإداري. وقد توظف فيه قيما اجتماعية يتباين فهمها، وذات مؤشرات ثقافية، ومكنونات بعيدة، تتجذر في أصل البناء الفكري للفرد.

 

ويمكن النظر إلى العنف الجامعي، وفقا للأبعاد الفكرية التالية:

أولا: البعد الاجتماعي: وهو ما تشكل للفرد الموظف أو الطالب من قيم سلوكية ومنذ نشأته في اسرته، أو عمله. إذ منه وبها تتشكل مجموعة القيم الاساسية التي يعيشها. لذا فإن فهم طبيعة المجتمع ودرجة توافق قيمه أمر في غاية الأهمية لمؤسسات التعليم العالي للتعامل وفق هذه المفاهيم، والعمل على تطويرها وتعزيز ايجابياتها، والأخذ بيد هؤلاء الشباب وبما يعزز المفاهيم الايجابية لديهم نحو مجتمعهم، وقيمهم الموروثة، والمعاشة. لأن العيش باتجاهات متنوعة، وقيم متنافرة، في عصر التقنات التكنولوجية، والعولمة، ودون تكيف اجتماعي،وبشكل متناغم قد يخلق ردات فعل سلبية نحو المجتمع بشكل عام، والمجتمع الجامعي، وبصيغ خاصة، مما يؤدي للتنافر ، والانزلاق في عمل غير مقبول ومؤذ، فرديا وجماعيا، وهو مدرك لذلك، ولكنه يندفع لفعله في لحظة لا يتم الاحتكام فيها للعقل، الذي غيبته العاطفة، وفقا لقيم معاشة أصلا. فليس من المنطق أن نطلب منه، أو منهم أن يتخلوا عن قيمهم المتأصلة عبر السنين في يوم أو آخر. إذ يتوجب على مؤسسات التعليم العالي أن تأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، وأن تعمل على ايجاد صيغ للتوافق بين الاختلافات، والسلوكيات المستجدة في بيئة الجامعة. وأن تعمل من خلال فهم العاملين فيها للقيام بأدوارهم التربوية بكفاءة عالية، وأطر علمية صحيحة، للوصول إلى التكيف الانساني المعاش مع بيئة جديدة.

ثانيا: البعد الاقتصادي: وهو البعد الذي يتناول الاختلافات الاقتصادية للافراد من الطلبة أو العاملين في مؤسسات التعليم العالي. إذ تضم الجامعة عادة كل فئات المجتمع الاقتصادية، مما ينتج عنه تفاعلا في أنماط الحياة ورفاهيتها، وتشكيل أنواع من النظرة الطبقية، والتي تنتج عنفا قد يتمثل باشكال متنوعة. لذا فإن على الجامعة أن تدرك هذه المكونات الاقتصادية، وأن تعمل على تلطيفها وتخفيف حدتها، ولتأخذ بيد أولائك الذين يأتون من طيقات اقتصادية بسيطة. وأن توفر لهم الدعم المعنوي، والمادي.

ثالثا: البعد الثقافي: وهو البعد الذي يتناول مستويات البيئة الاسرية، ومصادر الثقافة التي تعرض لها هؤلاء الطلبة. إذ قد تتباين ثقافاتهم وبدرجات لتبدو باتجاهات متنافرة.  فمصادر الثقافة في عصر العولمة متنوع، ودرجة الانسجام الوظيفي لها في المجتمع قد تبدو محيرية للكثيرين. وهنا يجب أن تدرك هذه المؤسسات التعليمية العليا دورها في تعزيز ثقافات توحد العوامل المشتركة، وتحترم خصوصيات التباين الثقافي لدى الآخرين لتكون نكهة المؤسسة مقبولة للجميع.

رابعا البعد السياسي: إذ  يبدو ذلك من خلال الافكار التي تنعكس على سلوكيات الافراد، ونهج حياتهم. وهذا البعد في غاية الاهمية بالنسبة لمؤسسات التعليم العالي. إذ يبدأ الأفراد والطلبة وفي عمر يكون فيه مهيئا للدخول في مرحلة تشكل إطاره الفكري. ويتعرض الطلبة في هذه المرحلة للعديد من الاتجاهات التي يمكن أن تكون متباينة. إذ قد يدخل الطلبة فيها ضمن صراعات فكرية تمثل أيدولوجيات غير معروفه لديه. وبالتالي، فإن على مؤسسات التعليم العالي أن تضع خطوطها في تربية الأفراد للاتجاه بهم بما يخدم مصلحة المجتمع، ومؤسساته المختلفة، وتعزيز قيم المواطنه الصالحة. وهي في كل جامعات العالم عادة تكون ممنهجة، وملزمة لمن يعمل فيها، من أعضاء هيئة تدريس، أو موظفين وضمن سلوكياتهم الوظيفية، وعقود عملهم.

خامسا البعد التعليمي: وأقصد به عطاء وسلوكيات أعضاء هيئة التدريس، وممارساتهم التربوية. فهم القدوة في كل شيئ. والطالب عادة هو مستقبل وناقد، وهو حساس لسلوكيات من يقوم بتعليمة. إذ هم من يعمل على تعزيز قيم الفضيلة،والعدالة، والاحترام، والتقدير لقدرات الأفراد المتباينة. إذ قد ينتج عضو هيئة تدريس غير معد إعدادا جيدا للتدريس الجامعي عنفا، بغير قصد. مما يتطلب من مؤسسات التعليم العالي أن تعد وتتابع من يعمل فيها لأداء عمله بكفاءة عالية، وللوصول بالطلبة إلى تحقيق أهداف النجاح.

سادسا: البيئة الجامعية: وهي المناخات الجامعية التي يعيشها الطالب أو العامل، او الفرد الانسان أي كان في الجامعة.  كالبيئة المادية، والتجهيزات، وقاعات التدريس، والأنشطة، والمختبرات، والمساحات الخضراء، وأماكن الخدمات المختلفة. فقد تكون القاعات التدريسية مكتظة بالطلبة، مما قد يؤدي ذلك للاحتكاك، أو تشكيل ضغوط نفسية لدى بعض الطلبة. أو  أن هناك تذمرا من الخدمات بأنواعها، أو نوع منها. وقد يؤدي ذلك إلى قلق لديهم، لعدم تمكنهم من الحصول على خدمة مناسبة. وهنا على مؤسسات التعليم العالي أن تدرك هذه الحقيقة، ,ان تعمل على توفير مناخات مناسبة.

سابعا: البعد التشريعي: ويتمثل هذا البعد في القوانين والانظمة والتعليمات. إذ إن العمل في اطار تشريعي مرجعي يؤمن سلاسة في العمل، ويخلق أجواءً من الثقة والاحترام للمؤسسة، وبالتالي تلقى الدعم الاجتماعي. و يكون العاملين فيها ( الموظفين والطلبة )  قادرين على تمثيلها بشكل لائق. لأن التشريع المتكامل والشمولي لا يترك مجالا للاجتهادات الشخصية، والتي قد تؤدي لاختلافات مؤذية لفئات دون أخرى، مما قد ينتج عنفا غير مقبول.

وهكذا، فليس سبب العنف الجامعي أولئك القلة من الطلبة الذين يأتون من بيئات اجتماعية فقيرة. وليسوا أولئك الذين يأتون من بيئات اجتماعية ذات قيم راسخة في التقدير القيمي الاجتماعي الموروث. وهم كذلك لم يأتو من فراغ، إنهم ابناء المجتمع بكل ابعاده وأطيافه. ومؤسسات التعليم العالي ملتقى واسعا للمجتمع، ومركزا لتجمع الشباب المملوء بالحيوية. إنهم روحها وقلبها النابض. وبالتالي فإن المسؤولية لكل هذا العنف الذي نشاهده يرجع في مجمله إلى مقدرة مؤسسات التعليم العالي في تناول كل هذه الأبعاد بحكمة وفهم دقيق، وايجاد السبل للتعامل معها بفاعلية، وتوظيف كل الامكانات لعلاجها وتلطيفها.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)