الصَّقرُ في ذكراه
الأستاذ الدكتور سلامه يوسف طناش

واقفٌ، شامخٌ،
السنديانةُ لا تَخبو ولا تَميل للرياحْ، ولا تَرجعُ للوراءْ
كالصّقرِ في عينيه بريقٌ للصباحْ
يحرثُ الأرضَ ويُبقي حبّةَ القمحِ بَخوراً للمساءْ
والعطرُ من يومه، من جنباته، يهتزُّ فخراً بالعطاءْ
ويُنشِدُ الأرض، أهزوجةً بالروح، والقلبُ مليءٌ بالسماحْ
والطِّيبُ يُبقيهِ حيًّا، والأرضُ بعِطرها العَبِقُ الفواحْ
شَهمٌ، رضيعُ الكرامة، لم ينحني للريح،
وينحني بلطف للأم، للوطن الكبير،
ولا سيما للشيخ يحدوا خلف محراثه النطاحْ
وللطفل الصغير يرى فيه غدا مليئا بالفلاح.
صقرٌ يطيرُ ويعلو ولا تراه إلا زرقاء اليمامة، وقت ما بعد الصياح
صقرٌ لا يأكل إلا الطيب، والسخن من الخبز،
قمحا أردنيا صلبا، منبت حوران،
لا يميز بين أهل البطين والشفا.
أسدٌ زمهريرٌ في ساحات الوغى،
تخشاه الثعالب، والضباع، وكل ما يخزي الثرى
ويترك لغيره ما لا يباح ويستراح في الورا
بكت الرجال، وأي الرجال ما بكوه ، صباح مساء
أنظر إلى عينيه وقل هذا الصقر قانص للحق،
لا يدنو الرذايل ولا يشرب إلا الماء
نظيف الوجه مهيوب،
يداه كالسيف لا يشر بهما الا لصدقٍ وخير الارض لم تكن يوما بحضنه جدباءْ
والنسر يعلو ويعلو ويعلو وجناحية تخفق في ركن السماءْ
وعيون الناس ترنوا إلى الأعلى صوبه،
وهو يعلو ويعلو ويعلو حتى سال منها الكحل،
كل الكحل سال منها، ولم يبق فيها أي ماءْ
وأصبح الناس ليسَ كُلٌّهُمُ بدونِ وجهٍ ولا ماءْ
وبيعتْ الارضُ كما بيعَ ما يشير إلى الوفاءْ
وسمعتُ قولاً أيُّ قولٍ بغيضٍ ولا كبرياءْ
وغدت ملابسَ القومِ لا تُغني، ولا هي بالكِساءْ
وسمعتُ هرجاً يناوبُ كلَّ هرجٍ حتى أضحت المواعز عجفاءْ
وغَمغمةٌ ، تِلْوَ غمغمةٍ، ولا تدري أكان ذلك بالغناءْ
وشممت ما كان يُعيبُ القومَ،
لكنَّ خشومهم أصبحت والله فطساءْ
لم، ولن يُعْرَفَ العلوَّ بعدك يا كبيراً
ولم تزل كبيراً رغم كل قولٍ أتى به الجُهلاءْ
شمسٌ تُطِلُّ بالذكرى،
ونشمخ فيك في ذكراك،
فكيف هو الحال لو كنت متكأ لنا يا صاحب العنقاء
أَوَ تدري لوكنت فينا اليوم لقلت: ما بال عكرمة الجُهلاء؟
ولا أصبحوا وما أمسو إلا في متاهات "الخُلند"
خوفاً على رقص السفهاءْ
أو تدري لو كنت فينا اليوم يا حبيب الحق والصدق والرجوله،
لقلت: ما بالكم ضعفاء؟
ما بالهم يسرقون خبز اليتامى، وماءُ الوجهِ لم يَعدْ له ذكرٌ،
فأين أنتم أيُّها الطُلقاء؟