طلبة نيوز- د. صلاح جرّار

ما زال الناس شعوباً وأفراداً منذ نشأت الخليقة إلى اليوم يتحدثون عن الحرية بوصفها مطلباً رئيسياً للإنسان لا يستطيع العيش بدونه، فالحرية مثل الهواء والماء والطعام لا غنى عنها للبقاء على قيد الحياة، والحرية في أبسط معانيها تعني أن يتغلب الإنسان على المصاعب والعقبات والقيود والموانع التي تعترض طريقه ما استطاع إلى ذلك سبيلا، سواءً أكان مصدر هذه الموانع بشرياً أم من الطبيعة، ولا بدّ من أجل تجاوز هذه الموانع والعقبات أن يكون المرء على دراية بكيفية التعامل معها، وأن يتعلم ويعرف ما يخلصه من موانع الحرية التي هي من صنع البشر ومن موانعها التي ترافق الطبيعة منذ تشكلها.
وفي مقابل ذلك فإن الجهل يحيط الناس أفراداً وجماعات بكثير من القيود والعقبات ويحبس عنهم هواء الحرية والعيش الكريم ويطمع بهم الأعداء ويفتح عليهم أبواباً للمستعمرين والطغاة ويفسد معيشتهم ويجعلهم عرضةً للفقر والجوع والمرض والزوال.
ولذلك فإن المعرفة هي الحل السحري للمشكلات التي تواجه الشعوب، فإنها توفر لهم وسائل التحرر والعيش الكريم والتطور وتحصين الذات في وجه الأعداء والطامعين.
فبالمعرفة يستطيع الناس اكتشاف الأمراض وأسبابها وعلاجاتها والتحرر من تلك الأمراض وتقوية أجسامهم ومنحهم القدرة على مزيد من الإنتاج والعطاء، وبالمعرفة تستطيع الشعوب اكتشاف الوسائل التي تمكنها من حماية بلدانها وتحصين حدودها ومنع عدوها من الاقتراب منها والتحرر من أيّ طامع أو غازٍ أو محتل، وبالمعرفة تستطيع الشعوب التخلص من اعتمادها التامّ على الآخرين والتحرر من إملاءات هؤلاء الآخرين التي تقيد إرادات تلك الشعوب، وبالمعرفة يستطيع كل فرد أن يتعلم كيف يتعامل مع كل من حوله فيجتنب أي إضرار بهم وأي ضرر قد يلحق به، وقد استطاع الإنسان عن طريق المعرفة أن يخترق الجبال الشوامخ وأن يشق الفضاء ويطير في الهواء ويواجه الحر والبرد والصقيع والفيضانات والزلازل والأمراض وغير ذلك ممّا لا يحصى، واستطاع بكبسة زر واحدة أن يحول جبلاً شاهقاً إلى ركام، وأصبح قادراً على أن يرى الأشياء ويسمعها مهما بعدت عنه.
إن المعرفة هي بحق السبيل إلى كل حريّة وكل تحرر، ولا سبيل أمام الشعوب التي تعاني من الاستعمار والاستبداد والأمراض والفقر وسائر أنواع الشقاء إلاّ أن تتوجه إلى المعرفة، فهناك تجد كل الحلول لمشكلاتها، وهناك تجد حريتها وكرامتها وشفاءها وبداية انطلاقها نحو واقعٍ أجمل وأفضل.