TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
تركيا وأوربا والصراع على الكفاءات العلمية العربية
24/05/2016 - 9:15pm

طلبة نيوز-  د. معن مقابلة

كشفت تقارير صحافية في ألمانيا عن غضب مجموعة من دول الاتحاد الأوروبي من تركيا لأنها لا تسمح لسوريين متعلمين تعليما جيدا بالسفر إلى دول التكتل. وذكرت مجلة «دير شبيجل» الألمانيّة، الصادرة أول أمس واستنادًا إلى جلسة داخليّة للتكتّل في بروكسل، أنّ تركيا بدلًا من ذلك ترسل الكثير من «الحالات المرضيّة الصّعبة أو اللاجئين الحائزين على قدر متدنّ للغاية من التّعليم». وتابعت المجلّة أن وكيل وزارة الداخلية الألمانية، أوليه شرودر، أدلى بأقوال مشابهة للجنة الشؤون الداخلية في البرلمان (بوندستاج). وذكرت المجلة أن بيانات متوافقة صادرة من كل من ألمانيا وهولندا ولوكسمبورج لفتت إلى أن تركيا سحبت بصورة متكررة تصاريح خروج لأسر سورية في اللحظات الأخيرة لأن أرباب هذه الأسر من أصحاب المؤهلات العليا كمهندسين وأطباء أو فنيين متخصص
أثناء قراءتي هذا الخبر عادات بي الذاكرة للعام 1517م/923هـ عندما انتصر السلطان العثماني سليم الأول على المماليك في معركتي مرج دابق في سوريا والريدانية قي مصر منهياً بذلك حكم المماليك لمصر وبلاد الشام والذي دام زُهاء الثلاثة قرون ، ليدخل المشرق العربي تحت الحكم العثماني. يروي ابن إياس في كتابه القيم "بدائع الزهور في وقائع الدهور" أن السلطان العثماني سليم الأول عندما دخل مصر بعد انتصاره على المماليك وإعدام أخر سلاطينها طومان باي اخذ معه أثناء عودته للأستانة عاصمة العثمانيين آنذاك كميات كبيرة من الكنوز والأموال ، كما ويروي انه نقل معه من القاهرة أمهر فنانيها وحرفييها. فما أشبه اليوم بالبارحة ، فهاهي تركيا والعواصم الغربية تتسابق وبخاصة ألمانيا للحصول على الكفاءات السورية المتعلمة والمدربة من أكاديميين وحرفيين وعمال ، وهذا أيضا يذكرنا بمأساة العراق بعد سقوطها على يد الأمريكيين عام 2003 وكيف أن كفاءاته من علماء وأكاديميين ممن تخرجوا من أعرق الجامعات العالمية قد تقاسمتهم الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وكذلك إيران. كما أن الفساد والاستبداد والظلم قد اضطر كثير من الكفاءات العربية المؤهلة للهجرة للبلدان الغربية . وهذا ما تؤكده الإحصائيات التي نشرتها الجامعة العربية مؤخرا أن31% من مجموع الأشخاص الذين يغادرون بلدانهم للهجرة إلى بلد أجنبي هم من العالم العربي ، إضافة إلى ذلك فإن 54% من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم.
فعلى الرغم من أن الدولة القُطرية في العالم العربي لم تحقق آمال الشعوب العربية في الوحدة ، كما وأخفقت في بناء الدولة الحديثة على مختلف الصُعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية ، فلا تزال أنظمتها السياسية أنظمة مستبدة ، واقتصادها اقتصاداً ريعياً ، وبناها الاجتماعية بُنى قبلية ، ابعد ما تكون عن الدولة المدنية. كما وفشلت في بناء دولة الرفاه ، فالفقر يكاد يكون السمة التي تشترك بها الدول العربية ، إذا استثنينا طبعاً دول النفط. إلا أن الدولة القُطرية حققت نجاحات لا بأس بها في الجانب العلمي واقصد هنا بالجانب العلمي التوسع في التعليم العام والتعليم العالي ، فالعالم العربي خرج من حقبتي الحكم العثماني والاستعمار بأمية تكاد تصل إلى 95% من سكانه ، بيمنا لم يكن هناك جامعات إلا في بعض الحواضر كالقاهرة وبيروت ولم تتجاوز أصابع اليد الواحدة. فكانت إحدى التحديات التي واجهت هذه الدول القضاء على الأمية ، ونجحت وان لم يكن هذا النجاح بالمستوى المطلوب. فحسب تقديرات منظمة اليونسكو بلغت نسبة الأمية في العالم العربي 20% وهذه النسبة تتفاوت من دولة إلى أخرى ، فالدول التي رفعت هذه النسبة هي موريتانيا 48% واليمن30% والمغرب28% والسودان24% ومصر25% و 20% كل من العراق والجزائر لظروف الحرب في هاتين البلدين ، بينما نجد هذه النسبة تتراجع بشكل كبير في دول الخليج بحيث لا تتجاوز 5% ودول بلاد الشام لا تتجاوز 6% الأردن 3% الأراضي الفلسطينية 3% لبنان 6% باستثناء سوريا 14% ولظروف الحرب فيها أيضا. 
وإذا نظرنا إلى التوسع بالتعليم العالي نجد إن أعداد الطلبة المسجلين في التعليم العالي قد تزايدت في جميع البلدان العربية في العقود الأربعة الماضية، ولكن بنسب تتفاوت من بلد إلى آخر إذ ارتفع عدد الطلبة من 895 ألف طالب عام 1975، كما جاء في تقرير التنمية الثقافية الأول الذي أصدرته مؤسسة الفكر العربي بالتعاون مع المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا ومركز دراسات الخليج في نوفمبر 2008 ليصل إلي سبعة ملايين و164 ألف طالب وطالبة عام 2006 بزيادة نسبتها 800%. وارتفع عدد الجامعات العربية من 230 جامعة عام 2003 ليصل إلى 395 جامعة عام 2008. وارتفعت نسبة الإناث في التعليم العالي من 4ر28% من مجموع الطلاب المسجلين لتصل إلى 8ر47% عام 2006.
هذا التطور النوعي في التعليم في العالم العربي ، والأعداد الكبيرة من الطلاب العرب الملتحقين في الجامعات العالمية وخاصة أوروبا وأمريكيا الشمالية جعلتهم محط أنظار كبرى الجامعات والمعاهد العلمية والمؤسسات البحثية وتكنولوجيا المعلومات العالمية. ونحن هنا لا نلوم هذه الكفاءات العلمية عندما تهاجر لدول الغرب والشرق فهذا الاستنزاف لهذه العقول والكفاءات تحكمه عدة عوامل ، في مقدمتها الفساد وعدم تكافئ الفرص في ظل نظم سياسية مستبدة ومتخلفة عن الركب العالمي ، فهذه الأنظمة السياسية لم تدرك التحولات الاجتماعية والثقافية في المجتمعات العربية نتيجة التطور في نُظم التعليم وتغير وسائل الإنتاج ، فأصبح هناك فجوة كبيرة بين هذه النُخب المتعلمة والمثقفة ثقافة عالية ، وبين أساليب الحكم السياسية التي لا زالت تحكم هذه البلدان ، وكأنها لا تزال تعيش في العصور الوسطى ، والتي انعكست سلباً على مختلف نواحي الحياة في هذه البلدان ، وفي اعتقادي كان هذا العامل احد أسباب تفجر ما يُعرف بالربيع العربي .
أخيراً وليس آخراً ، هذا الصراع على هذه الكفاءات العلمية العربية بين تركيا وأوروبا يبن مدى الخسارة الفادحة التي لحقت وتلحق في العالم العربي ، فقد أنفقت الدول العربية مليارات الدولارات لتعليم أبنائها وابتعاثهم لكبرى الجامعات العالمية لتأتي دول الغرب والشرق لتستفيد من هذه الكفاءات دون أن تخسر في إعدادهم فلسا واحداًً ، ويا لها من خسارة مفجعة.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)