بقلم : الشيخ سعيد نواصره آل عبادي " حفظه الله "

خريف الأوراق ..

بريقُ النجوم يحتفي له النسيان ..
يوقظ حُزنَه الأسرارُ ..
وكلُّ أوراق الخريف تملأ المكان ..
فتعانَقَ الليلُ والنهارُ ..
تُلْهِثُ العيونَ فتُرْهِق به الأجفان ..
ويصيرُ دمعَها الغبارُ ..

يا مَن صحِبتَ السُّهْدَ غَصْباً هل تحمّلت الغيوم ..
أم شرِبتَ عطرَ الجنون ..
وهل أتاك مِن الربيع كِسَفٌ فملأتَ فيها النّجوم ..
لِمَ سَكَنَ فيك همّ الظنون ..
نَثَرْتَ الرّمالَ فوق الجروح لتُخفي بها السّموم ..
لقد ازددت من الشجون ..

هي مرّة !
تعصفُ بداخلك الرّياحُ ..
ينكسرُ بدُخانِها الجناحُ ..
فتغدو أزهارُ الرّبيع شيئاً من الخيالِ ..
وتسقط الطيور من سما أدنى الجبالِ ..

فلا تمدَّ السطورَ لتعبر إلى ساحات الفِرار ..
لن تصبرَ على ثقلِ الأوهام ولهجة الأموات ..
أو يغُرُّها خداعُ الكلمات ..
ستكشفُ وهَجَنا الغدّار ..
وتقرأ فينا أقبحَ السّمات ..
ثمّ تُغرِقُنا ..
لا تتعجّل سخافة القرار !
فالآن يا صاحُ لو تعلم كأنّ الخريفَ أوراقُنا ..

هذا الخريف ..
يغتالُ كلّ ما فينا قد استفاق ..
قصائد الحقول والبحر ..
وجدائل النور والفجر ..
لهفة المشيب لتلك الأغنيات ..
ورحلة الأنفاس بين حكايات الرّفاق ..
هو غُصّة الحروف في بساتين الصبا ..
وخُرافة الأشواق ..!

يا صاحبي !
لو رأيتَ لجّةَ الخريف خلف أشعار الغروب ..
أو لمستَ أشواكَ الحنين ..
وكيف يرقدُ السّواد تحت أمنيات الصّغار ..!
نحنُ ضيّعنا النهارَ وكلّ أوصاف الدروب ..
وتلَوْنا البؤس لحناً ..
يكتبُ سنابلَ الشّتاء ويرسم الأشجار ..

وحين لا يبقى في الطريق سوى الهروب ..
سيفرحُ الخريف بالغياب ..
ويسرقُ الأوراق أمام عتمة الأبصار ..

هذا الخريف ..
يخطف البهاء ويرجُمُ البحار ..
وتحت أصداء القمر يهدم الأمواج ..
ويحرم الميناء براءة الأنوار ..
بالغرور والعَجَاج ..
فتدمعُ الشُطآن لحُرقة الطيور والمَحار ..
ترفض الخريف ..
لكن لا ضجيج ينفعُها أو احتجاج ..

لا ضجيج ينفعنا أو احتجاج !

يا صاحبي !
كان مِسكُ الخِصام يلوّن الأوراق بأقلام الوهم ..
يكتب الفراق حيناً ..
وحيناً يُلهِبُ الفؤاد ..
وإذا ما الجرحُ غنّى واستلّ الحروف بِنَهَم ..
تطاير الرّبيع ..
وحطّ الورْدُ على جسر البِعاد ..
فلِمَ نقطُفُ غيبَ أحلامنا من سِلال العدم ..
ثم نزرعُ المستحيل بأيدي العناد ..!

لستُ أدري كيف صار العمرُ جسداً يشتكي جمْرَ الحياة ..
ولِمَ يشتهي العصفور في البرايا ذبْحَهُ ..