TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
رئيس جامعة العلوم والتكنولوجيا يكتب : ربط مخرجات التعليم باحتياجات سوق العمل
26/11/2014 - 3:45am

طلبة نيوز-

للتعليم دور فاعل في نهضة الأمم على مر العصور. لقد أدرك هذا الأمر أجدادنا الأوائل الذين عاصروا حقباً من الزمن كان فيها الإنسان يحيا حياة شبه بدائية حيث سعى كل منهم في تجسيد ما تغنى به فلاسفة العصور والشعراء في أوقاتهم عن دور التعلم وأهمية نشر ثقافة المعرفة، فكان همهم الشاغل تعليم أبنائهم والحث على تعليم الأحفاد ما استطاعوا إليه سبيلاً...
لقد حثنا رب العزة على التعلم في بدء خلق آدم إذ قال: «وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة....»، وعلم نوحاً كيف يصنع الفلك التي تجري في البحر بإذنه، وفي ذلك فإن لنا عبرة في لقاء موسى بالخضر عليهما السلام، إذ قال الله تعالى: «قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا»، إلى أن توطد هذا الأمر وتمأسس في أول أية تنزلت على رسول الهدى محمد، «إقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم...» فبهذه السورة أمر الله نبيه بالقراءة وكشف له عن سر خلق الإنسان، وأخبره بأن التعلم إنما يبتدىء بالقراءة والكتابة، فالرسالات السماوية جلها تحض على التعلم فهي بماهيتها وكتبها السماوية إنما تضم في طياتها علوماً ومعرفة أراد الله نقلها للإنسان.
إن الحضارات الإنسانية على أنواعها واختلاف أوقاتها إنما بُنيت على معرفة من الأمر، فكل حضارة كانت تبنى على لغة من اللغات، سواءً فهمناها أم لم نفهمها، فكل لغة تُقرأ وتُسمع وتُكتب، ويُبنى عليها كل ما هو متعلق بتلك الحضارة من ثقافة ومعرفة وعلوم... إن الحضارات الإنسانية المعاصرة إنما بنيت على حضارات سبقتها ابتداءً من العصور الحجرية إلى العصور الوسطى إلى عصورنا التي بتنا نعيشها وما ينطوي عليها من رفاهية وتقدم علمي وتطور صناعي بما حققته لنا من يسر في السعي وراحة في العيش وضمان للأمن. وقد أسهمت حضارتنا الإسلامية بدورها في تطوير الكثير من الحضارات اللاحقة فما كان لعلوم الرياضيات والفيزياء والكيمياء والفلك والحرب أن تتطور دون أن تستفيد مما قدمته الحضارة الإسلامية للبشرية، وما كانت دول آوروبا لتخرج من عصورها المظلمة لولا استفادتها مما وجدته من الحضارة الإسلامية، وهذا طبعاً باعتراف الآوروبيين أنفسهم.
إن الحضارة العربية القديمة إنما نهضت بنزول هذا الدين عليها، بعد طول امتداد العصور الجاهلية وتناحر القبائل وتقاتلها، فخرجت به من الظلمات إلى النور بإذنه، وما كان لها أن تنهض على هذا النحو دون أن يكون لهذا الكتاب السماوي الدور الأكبر الذي أشار إلى علامات كثيرة وكشف النقاب عن أمور ما إن تبعها الإنسان كانت له الفائدة الكبيرة وتحقق له تسخير هذا الكون لراحته!

الحضارة العربية
في عصر العلوم والتكنولوجيا
إن الحضارة العربية المعاصرة والتي تعرضت في ماضيها إلى الكثير من الزلازل والمحن وجور المستعمر وصلت إلى وضع باتت لا تحسد عليه، فقد أصابها الوهن وزلزل كيانها التعليمي والعلمي زلزالاً شديداً، وتأخر تقدمها الصناعي بل تقهقر، وباتت حضارة تعتمد في معاشها على تقدم الغير وتغنى منتموها كثيراً بأمجاد الماضي ونسوا ضرورة تطوير حاضرهم انتقالاً بهم إلى مستقبل مشرق!
إن أنظمة التعليم تحت الثقافة العربية المعاصرة إنما باتت أنظمة تجتر ما توصلت له الثقافات والحضارات الأخرى التي ظهرت وبزغت في عصور متأخرة عن الحضارة العربية، ولم يعد للحضارة العربية أية إسهامات تذكر إلاّ اللهم تلك التي يشير لها المواطن العربي بالبنان من إنجازات العلماء والمخترعين العرب في دول الشتات، مع أن آولئك العلماء والمخترعين قلماً يبيّنون أو يشيرون إلى انتماءاتهم أو أوطانهم العربية الأصلية! كل هذا حصل تحت أعيننا ونحن لا نفعل شيئاً للخروج من هذا المأزق الثقافي ولا حتى نقدم شيئاً لاستقطاب علماء الأمة من دول الشتات ونوفر لهم أقل المطلوب لنغرس فيهم من العناصر ما يجعلهم يشعرون ببعض الفخر في انتمائهم المتأخر لهذه الأمة التي باتت تعيش في حال من الضياع في عصر فيه ضياء كثير مصدره أمم أخرى!

أنظمة التعليم العالي العربية
في عصر العلوم والتكنولوجيا
مع تعدد الجامعات وتكاثرها على امتداد الرقعة العربية بأنواعها وتخصصيتها فأن المرء قلما يجد في بلادنا منارات علمية يشار إليها بالبنان على غرار جامعات مثل (MIT، وOxford، وCambridge، وStanford، وBerkeley، وHarvard)، وجامعات أخرى في بلدان أخرى كثيرة على امتداد المعمورة، وفي بلدان أخرى كانت إلى عهد قريب لا تمت للحضارة المعاصرة بشيء. هذا مع أن الحضارة الإسلامية القديمة كانت تزخر بالكثير من المنارات العلمية الرائدة في بلدان آسيا الوسطى وبلاد المشرق والمغرب العربيين، وبلاد الأندلس وغيرها يقصدها الكثير من طالبي العلم من أرجاء العالم قاطبة بحثاً عن التميز وطلباً للمعرفة واستشرافاً للبحث العلمي والأدبي، وأن الكثير ممن يسمون أنفسهم بالمستشرقين إنما استمدوا معرفتهم نقلاً عن أناس كانت لهم حظوة الإلتحاق بالمعاهد العلمية الطبية والأدبية والفلكية والقدوم إلى دول الحضارة الإسلامية القديمة، فكانت لهم إسهامات بارزة في حقول الطب والفلك والرياضيات والفيزياء والكيمياء مما تناقلوه عن عصر النهضة العربية والإسلامية.
إن أنظمة التعليم العالي العربية باتت تجتر تلك العلوم التي تقرها منارات علمية شرقية وغربية في دول متقدمة أملاً في أن ذلك ربما يحقق لها نوعاً من أنواع النهضة، غير مخطط له، بل لم يُعَرّف لها. إن أنظمة التعليم العالي في دول العالم العربي لم تعد تعي بأن النهضة العلمية الحقيقية إنما هي ما يحقق أنواع النهضات الأخرى بما في ذلك النهضة الصناعية بألوانها. لقد نجحت أنظمة التعليم العالي العربية في القذف بمئات بل ربما آلاف الخريجين من حملة الشهادات الجامعية الذين باتوا يشكلون عبئاً كبيراً على حكوماتهم ومجتمعاتهم من الذين باتوا يلقون الكثير من اللوم على مؤسساتهم التعليمية التي خرجتهم وبطبيعة الحال على حكومات بلدانهم. بل إن فئة العاطلين عن العمل من البطالة المقنعة باتت هي الفئة التي تستهدف من قبل الجماعات التي يشار إليها بالإرهابية ويتم تجنيدها للقيام بأعمال هدامة على امتداد المعمورة. إن هذه البطالة المقنعة قد لعبت دوراً بارزاً في عصر الأزمنة التي نعيش في ازدياد نسب الفقر والركود الإقتصادي بأنواعها وأشكالها، الأمر الذي يدفع شباب العصر العربي الحديث للبحث عن بدائل يعاقبون من خلالها مجتمعاتهم بالمزيد من المآسي والمحن اعتقاداً منهم بأنهم إنما يعاقبون بذلك التأثير الاستعماري.
لقد بات دور معاهد التعليم العالي مُنْصَبّاً على محو الأمية، تلك الأمية من نوع آخر، الأمية التي تسمح لمنتميها وإن كانوا يحسنون القراءة والكتابة بالتقلد بالشهادات والأوسمة العلمية على اختلاف مستوياتها!! فهنالك أمية على مستوى درجة البكالوريوس وأخرى على مستوى درجتي الماجستير والدكتوراة! ولربما دهش القارىء من مثل هذه مسميات ملقاة على حملة الدرجات العليا، إلاّ أنهم وباستحقاق هم اكتسبوا تلك المسميات عندما لم تكن لهم إسهامات بارزة في النهوض في مجتمعاتهم وانتشالها من عصور الظلمات إلى النور، بل إنهم انشغلوا بتحقيق الذات والحصول على مكتسبات دنيوية مشروعة وغير مشروعة وتناسوا واجباتهم نحو مجتمعاتهم وحضارتهم!
إن مخرجات التعليم العالي في الوطن العربي لم تعد قادرة على تحقيق احتياجات سوق العمل، على الرغم من إغراق أسواق الخريجين وإشباعها بخبرات لم تعد مطلوبة وبأعداد غير مدروسة. وبات المسؤول في هذه الدول لا يأبه للموضوع بشيء، لأن كل همه بات منصباً على قدرته في الإحتفاظ بمنصبه وبات حريصاً على تضليل أولي الأمر بمعلومات وهمية أو ضبابية... بل إن التمادي في الجرأة قد وصل إلى تزويد المرجعيات العليا في الدولة بمعلومات كاذبة وغير منصفة إما لحماية نفسه من القصور، أو للإحتفاظ بمنصب آفل وزائل مهما طال الأمد، أو لحجب الأضواء عن أناس عرفوا بزهدهم وإخلاصم وانتماءآتهم الحقة لكي لا يصلوا إلى بؤرة الأضواء فيكشفون ما كان أسلافهم يخبؤون في ردهات مظلمة، كلها كانت هي السبب في ما وصلنا إليه من تخلف في أنظمة التعليم العالي في الوطن العربي.
إلاّ أن مخرجات التعليم العالي وجودتها هي أيضاً مرتبطة ارتباطاً وثيقاً ومبنية على قدرة الدول في توليف الجهود العلمية لخلق المزيد من المعرفة (Knowledge Creation) وتدعيم الإبداعات والإضاءآت التي وإن كانت قليلة يكون لها أكبر الأثر في تدعيم النهضات الصناعية. إن البوابة الرئيسية للولوج إلى العصر الصناعي يكون في الأساس مبنياً على نهضة البحث العلمي في الدولة المعنية. وهنا فلا بد أن يُشار إلى أن البحث العلمي في دول العالم العربي بات لا يخدم تلك الاهداف، على الرغم من الكم الهائل من النشرات العلمية التي تحمل أسماء الكثيرين من أساتذة الجامعات. فكيف إذا يمكن للمرء أن يفسر عدم قدرة البحث العلمي في دولنا على الإسهام في خلق المعرفة على الرغم من مثل هكذا زخم؟ إن الشخص العادي يمكن أن يفسر مثل ذلك الأمر على أنها إعاقة مفتعلة من دول استعمارية، ويبني استنتاجاته على وجود نظرية المؤآمرة!! وعندما يأتي الأمر للحديث عن تصنيف الجامعات في الدول العربية فإن المرء يمكن أن يبني أحكامه على أن المؤسسات التي تصنف الجامعات (الجادة منها) باتت منحازة إلى جامعات الشرق والغرب البارزة في الدول المتطورة اقتصادياً وعلمياً! إن الجواب المنصف لمثل هذه التساؤلات يكمن ببساطة في عدم قدرتنا على مواكبة البحث العلمي الفاعل الذي يؤدي إلى الإختراعات والإبداعات وخلق المزيد من المعرفة، وحصل هذا على وجه التحديد عندما قبل أساتذة الجامعات بشكل عام على طرق باب البحث العلمي الذي لا يؤدي إلى شيء يذكر اللهم باستثناء تحقيق مصالحهم الذاتية في تحقيق متطلبات رقيهم وصعودهم في الرتب الأكاديمية المتعاقبة ومن ثم يقاعدون أنفسهم باختيارهم حال وصولهم إلى أعلى مرتبة أكاديمية يمكن للمرء الوصول إليها. وبعد كل هذا التقصير يسعى عضو هيئة التدريس في فترات متأخرة من حياته نحو فترة تقاعده إلى تحقيق مرتبة أستاذ متميز (Professor Emeritus) حيث باتت الجامعات في بلاد العرب تتجاوب بالفعل واهبة مثل هذا التميز إلى غير المتميزين منها!

وضع التعليم العالي في الأردن
إن بداية التعليم العالي في الأردن بدأت بقصة نجاح مبهرة وصلت أصداؤها إلى رقاع الوطن العربي على امتداده في بداية العقد السادس من القرن الماضي عندما اتخذ الأردن قراره السياسي بإطلاقة أول جامعة حكومية في المملكة الأردنية الهاشمية. لقد حظي التعليم في الأردن في تلك الحقبة على تركيز واهتمام عاليين من أصحاب القرار وأولي الأمر ابتداءً من برنامج محو الأمية في ذلك الوقت إلى النهوض بالنظام المدرسي الشامل إلى بداية تأسيس أول مؤسسة جامعية في العام 1962 للميلاد. بعد عقد من ذلك الوقت أو يزيد قام الأردن باستحداث جامعته الثانية بعد النجاح الباهر الذي حققته جامعته الآولى، ثم تلا ذلك بعقد تأسيس الجامعة الثالثة.
لقد حظي الأردن بعدها بعقد إلى عقدين بفترة امتاز بها بجودة مخرجات التعليم العالي على كافة المستويات المحلية والإقليمية والدولية حتى بات خريجوا هذه الجامعات وفي كافة التخصصات ينافسون نظرائهم في أكثر الجامعات شهرة على المستوى الدولي لمن اختار منهم متابعة دراسته للحصول على الدرجات العلمية العليا. إن النمو السكاني في الأردن على امتداد السنوات المتعاقبة منذ استحداث أنوية التعليم العالي فيه قد استدعى زيادة مطلوبة في عدد الجامعات ومؤسسات التعليم العالي على امتداد رقعة الوطن حتى أصبح يضم في طياته ما يناهز الثلاثون جامعة بين حكومية وخاصة هذا ناهيك عن تعدد وتكاثر كليات المجتمع التي سبقت تولد الجامعات الخاصة على الساحة الوطنية.
وبين عشية وضحاها وعلى الرغم من العلامات ومؤشرات الخطر التي أشار لها علماء ووجهاء الوطن من المحللين والسياسيين، التي كانت تداهم قصص النجاح التي حققها نظام التعليم العالي بجامعاته الفتية، فقنا على حقيقة أن نظام التعليم العالي بات من العجز بمكان بحيث لم يعد قادراً على المنافسة بعدما كان نفس النظام يسد احتياجات دول المشرق العربي من الخريجين إلى جانب دول مثل سوريا ومصر والعراق!! فماذا كان السبب في حقيقة ما حصل؟
ابتداءً من نهاية العقد التاسع من القرن الماضي بتّ تجد نوعيات من الخريجين في سوق العمل من صلب نظام التعليم العالي الأردني باتت تنصب على امتداد سوق العمل لم تعد تحقق الكفاءة والجودة المرجوة، وكانت لا تزال هنالك إمكانية تدارك الأمر ووضع الضوابط والأطر التي كان بمقدورها تصويب الإتجاه الذي انحرف عنه نظام التعليم العالي الأردني، وبدلاً من تدراك الأمر على النحو المطلوب ومنع امتداد نظام التعليم العالي بشكل أفقي لحين استعادة قدرة الدولة على التحكم به وضبطه تركنا وترك أولي الأمر منا المجال له للإتساع من حيث الحجم والقدرة، ظناً منا بأننا كنا نلبي الطلب المتزايد على مقاعد الدرس في معاهد التعليم العالي! ولم نأخذ بعين الإعتبار ضرورة وضع الضوابط والكوابح التي تحافظ على الجودة دون إغراق وإشباع أسواق العمل بأعداد لم تعد لها حاجة في أوقات لاحقة!
لقد أدى هذا الوضع إلى توجيه ضربة موجعة لنظام التعليم العالي الأردني على المستويين المحلي والإقليمي، بعد أن كان يوفر قدوة للغير لفترة ثلاثة عقود كانت تمثل العقود الذهبية في عمر التعليم العالي الأردني... فبعد أن كنت تجد أن نسبة كبيرة من مكونات التعليم العالي من الخريجين كان بإمكانهم متابعة دراساتهم العليا بنجاح وتنافسية عالية في أقوى الجامعات العالمية بت لا تجد نسباً على هذا القدر من الطلبة الذين تتوفر فيهم مقومات متابعة الدراسات العليا تحت أي برنامج من برامج الدراسات العليا بما فيها البرامج المحلية! وهذا بطبيعة الحال يخدم كمؤشر يعكس سوء الحال في صحة نظام التعليم العالي في الأردن. وإذا كان هذا القول ينطبق على كثير من مؤسسات التعليم العالي فإنه يجب أن لا ننكر وجود مؤسسات أخرى كانت ولا تزال تتميز بكفاءة خريجيها في سوق العمل بالإضافة إلى سمعتها العلمية وكفاءة أساتذتها في التدريس والبحث العلمي.
ولأن التوجه نحو الإستمرار في تطوير التعليم العالي في الأردن بات موجوداً في ظل قلة الموارد الطبيعية وتوفر القوى البشرية المدربة القادرة على النهوض به فإن المهادنة في التركيز على جودة مخرجات التعليم العالي وتوظيفه في حل مشاكلنا الإقتصادية والإجتماعية وتصديرها إلى دول الجوار التي كانت إلى عهد قريب تعتمد علينا في هذا المضمار ينبغي أن لا تكون أحد خياراتنا. إن الإستمرار في معالجة التشوهات التي طرأت على منظومة التعليم العالي ستعيد له رونقه وتؤدي في نهاية المطاف إلى النتائج المرجوة. وهذا الأمر ليس بمستحيل خاصة وأن عدد من جامعاتنا لا يزال يحظى بسمعة متميزة على المستويين المحلي والإقليمي مما يجعل تصويب وضعها ليس بالوضع الصعب.
وإن ما وصل إليه التعليم العالي من حالة الترهل التي يعاني منها تقع مسؤوليته على جهات متعددة منها:
1- الدور الأسري نحو الطلبة سواءً في مدارسهم أو على مقاعد الدراسة في دور التعليم العالي.
2- الدور الفردي المتلخص في دور كل من الطلبة نحو أنفسهم وقابليتهم في تحمل المسؤولية، وكذلك دور المربي المتمثل في دور المعلم سواءً في مدرسته أو في جامعته.
3- دور المؤسسة التعليمية المتمثل في مسؤوليتها لضبط أسس العملية التعليمية لضمان تنفيذ الأدوار بالشكل الصحيح وتحت رقابة مسؤولة.
4- دور مؤسسات الدولة المعنية ابتداءً من دور المدرسة إلى دور الجامعة إلى دور الوزارات المعنية إلى دور المؤسسات الرقابية المعنية مثل هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي وانتهاءً بصاحب القرار الذي هو صاحب الولاية في ذلك.
5- تحميل مؤسسات التعليم العالي مسؤوليات لا طاقة لها بها وتحميلها تبعات مالية ومعنوية والتخلي عن الدعم المالي للمؤسسات التعليمية بكافة أشكالها وعلى مختلف مستوياتها.

سبل النهوض بالتعليم
العالي واستعادة الدور المفقود
مع تعدد الأسباب التي أدت إلى خلق هذا الشرخ في نظام التعليم العالي على امتداد رقعة الوطن العربي، فإن الحلول والتلويم قد تختلف من بلد لآخر باختلاف الفروقات الثقافية بين هذه الدول... ففي الأردن على سبيل المثال يعزو صاحب القرار في مؤسسته الضعف الظاهر لأسباب مثل:
- الضغوطات الاجتماعية.
- تدخل الدولة في سياسات القبول في الجامعات.
- الضغوطات السياسية المختلفة التي تعيق عمل المؤسسة.
- عدم استقلالية الجامعات.
- تدني مستوى الخامة الآتية إلى المؤسسة التعليمية المعنية.
ومع أن الأسباب المذكورة قد تكون صحيحة بدرجات متفاوتة، إلاّ أن صاحب الولاية على المؤسسة التعليمية ذات العلاقة يكون في مقدوره عادة تغليب سلطته للتحرر من مثل هذه الأسباب والتغلب عليها إن أراد إلى ذلك سبيلا، لولا تخوفه في الغالب على المنصب والكرسي اللذين يشغلهما.
إن طلب التحرر واستقلالية المؤسسة التعليمية المعنية من نفوذ الدولة الذي يدعون إليه إنما هو سلاح ذو حدين! فمع أن استقلال المؤسسة التعليمية عن سلطة الدولة قد يكون له مردود آيجابي إلاّ أن مثل هذا التمني يتطلب بادىء ذي بدء توفر الأمور التالية في المؤسسة التعليمية لضمان بقائها واستدامتها:
1- توفر الإمكانات المادية اللازمة للمؤسسة بما يمكنها من اتخاذ قرارتها بشكل مستقل.
2- توفر إمكانية استدامة أعمال المؤسسة ونشاطاتها بشكل مستمر بما ينطوي عليه ذلك من موارد مالية.
3- توفر درجة من التنافسية تمكن هذه المؤسسة من إبقاء نفسها على قيد الحياة من خلال ضمان إبقاء الطلب عليها في ظل وجود مؤسسات تعليمية كثيرة في أرجاء الوطن وفي أنحاء المعمورة.
إن نجاح نظام التعليم العالي يجب أن يكون مقروناً من حيث المخرجات باحتياجات سوق العمل بشكل وثيق. فالتخصصات المنبثقة عنه ينبغي أن تتواءم مع احتياجات سوق العمل مع مراعاة عدم تكرار التخصصات الراكدة في مؤسساته المتعددة.
كما وأن نظام التعليم العالي يجب أن يوجه جهوده نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة للدولة من خلال تطوير الخطط الدراسية الهادفة المستوحاة من أعمال إبداعية والمبنية على إطلالات حقيقية لسواعد أبناء البلد من الطلبة وأساتذة الجامعات والباحثين بالإضافة إلى توجيه البحوث العلمية نحو آيجاد حلول للمشكلات الصناعية.

دور التعليم التقني في تحقيق
النهضة الصناعية المنشودة
تراعي الدول الصناعية في العالم المتقدم ضرورة توفير الكوادر اللازمة المؤهلة تأهيلاً تقنياً لرفد صناعاتها بالأيدي والكفاءآت المؤهلة للعمل في المصانع والشركات الإنتاجية. ففي عدة دول آوروبية، وفي اليابان وكوريا والصين والهند وكذلك في الولايات المتحدة الأمريكية تجد أن الإقبال على الدراسات التقنية يفوق من حيث الكم تلك الأعداد من الطلبة الذين يقبلون على التعليم الأكاديمي التقليدي. ولهذا فإن المراقب سرعان ما سيدرك بأن التعليم التقني الذي تدعمه الدول يؤدي في نهاية المطاف إلى التقليل من وطأة البطالة المقنعة إذ أن المصانع والشركات الصناعية لديها القدرة على استيعاب أعداد الخريجين في المجالات التقنية بمعدلات تفوق نظيرتها في المناحي الأكاديمية.
وبالنسبة للأردن فقد بدأ مشروعه التعليمي على المستوى العالي بآيجاد جامعة أو جامعتين التي كان يرجى منها توفير الكوادر اللازمة القادرة على تدعيم الإحتياجات الصناعية في المصانع والشركات الإنتاجية، إلاّ أنه سرعان ما تغير هذا الأمر وبدأت هذه الجامعات، تجاوباً مع الضغوطات الإجتماعية والشعور بالرغبة بالتقليد من قبل هذه المؤسسات، تنحرف عن المسار الذي خطط له وبتنا نرى نظاماً للتعليم العالي لا يرعى المنحى التعليمي العملي، حيث كان هذا المسلك أحد أهم العوامل التي أدت بأن يبقى الأردن دون تحقيق الإقتصاد المعرفي باكتساب أنموذج صناعي فاعل!

الخلاصة
ولأننا نريد الاستمرار في تطوير التعليم العالي في بلدنا الغالي الذي يتميز بقلة موارده الطبيعية، وتوفر القوى البشرية القادرة على النهوض به فيجب أن لا نقبل المهادنة في التركيز على مخرجات التعليم العالي وتوظيفها في حل مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية ليصار تصديرها إلى دول الجوار التي كانت تعتمد علينا في هذا المضمار، وإن الاستمرار في معالجة التشوهات التي طرأت على منظومة التعليم العالي ستعيد له رونقه وتؤدي إلى نتائج محموده. وهذا ليس من المستحيل فعله خاصة وأن كثيراً من جامعاتنا لا تزال تحظى بسمعة متميزة سواءً في الداخل أو الخارج وتصويب أمرها لا يحتاج الكثير من الجهد والعناء.
كما وأنه يجب التركيز خلال الأعوام القادمة على التعليم التقني وإعطائه الأولوية القصوى لما له من فائدة تعود على الوطن وتمكننا من الإستغناء عن العمالة الوافدة التي أشبعت السوق المحلي وبهذا سنساهم في حل مشكلة البطالة في الوطن.