على هامش موضوع مكافحة التطرف
د.أحمد بطّاح
لقد إنشغلت معظم المجتمعات في هذه الآونة التاريخية العصيبة بموضوع التطرف وسبل مكافحته ، ولقد تصور كثيرون أنّ التطرف يجب أن يقاوم بالبرامج التوعوية التي يمكن أن تتكفل بها وزارات التربية ، والأوقاف ، والشباب وغيرها ، وإنّ مما لا شك فيه أن التوعية مهمة في تبّصر الشخص بطبيعة التطرف ، وسبل ممارسته ، ومخاطره ، ولكن مما لا شك فيه أيضاً أنّ التوعية وجدها ليست كافية إنْ لم تتزامن مع إجراءات واقعية لإزالة الأسباب والمبررات الموضوعية التي تؤدي إلى التطرف .
إن المنطق يفرض علينا أنّ نتعّرف قبل أن نخوض في أسبابه ووسائل مواجهته فما هو التطّرف ؟
إنّ التطّرف ببساطة هو إتباع الطرق غير الشرعية أو القانونية لتحقيق أهداف معينة .
وهذا التعريف البسيط يعني حكماً أن المجتمع – أيّ مجتمع – يجب أن يحّدد وسائل وطرائق قانونية معقولة يستطيع أفراد المجتممع من خلالها الوصول إلى أهدافهم ، وإلّا فإنهم يبدأون بالتفكير في وسائل أخرى غير شرعية وغير مقبولة إجتماعياً ( وقد تكون عنيفة بالطبع ) لتحقيق أهدافهم .
وإذا طبقّنا هذه القاعدة السابقة فإنّ أيّ فرداً أو مجموعة تشعر بكبت حريتها وبأنها لا تجد الطرائق القانونية للتعبير سوف تنحرف إلى طرائق أخرى تعبّر عن نفسها من خلالها ، وإذا لم يجد أيّ فرد أو مجموعة إمكانية معقولة لدخول سوق العمل للعيش بكرامة فلا غرابة أن يبحثوا عن سبل أخرى تمكّنهم من ذلك ، وإذا لم يُعامل أيّ فرد أو مجموعة بعدالة وواجهوا تحيزاً أو عنصرية فلا غرابة أن يبحثوا عن وسائل معينة لنيل الإنصاف والإعتراف بحقهم وإنسانيتهم .
إن مسؤولية المجتمع إذنْ أن يضع التشريعات المختلفة التي تضمن حقوق الأفراد في الحرية ، والأمن ، والتعليم ، والعدالة ، والكرامة ، وأن يطبقها فعلاً لا قولاً ، وإلّا فإنه سوف يجد نفسه مضطراً لمواجهة أفراد وجماعات يتمردون على الواقع ويتوسلون بما يعتقدون أنّه فعال ( وقد يكون عنيفاً طبعاً ) لنيل حقوقهم المهدورة في الحرية أو العدالة أو غيرهما ، وبالتأكيد فإنّ هؤولاء لن يعدموا أيدولوجية ( دينية أو وضعية ) ما لتبرير أفعالهم وتغطيتها فكرياً ، وتأسسياً على ما سبق فليس المطلوب أن نعظ ، وأن نكتب ، وأن نذيع على أهمية ذلك ، بل المطلوب هو أنّ نعمل على تعظيم المشاركة المجتمعية في وضع القرار ، وعلى إنفاذ القانون على الجميع بغير محاباة ، وعلى إحترام حريات الأفراد ، وعلى توفير سبل العيش الكريم للجميع . عندها ووعندها فقط فإنّ المتطرفين سوف يبحثون عن مكان لهم ولن يجدوه .