لا أكرر ما كتبته قديما , ولكني أعيد التذكير بالأشياء الجميلة ...
في الكرك – حماها الله- وحين نولم أو نذهب للعزاء , أو حتى الفرح , كان فلاح في المقدمة دوما , وهو أسمر  مثل تراب الكرك , وممتليء , ويعتني بهندامه جيدا , ولا يترك مناسبة للعشيرة ...وهو مفتاح الجنوب وسره الجميل .
كنت أراقبه دوما , وهو كان يحبني , ويعلق على ما أكتب أحيانا ...ووقتها كنت في بداية مشواري شابا , مهووسا باللغة العربية والغزل , وأحاول أن أكون مثل الحب الذي لايحصد أخضرا ...
ذات يوم كنت أحدث أحد أبناء العمومة المغتربين مبكرا في الخليج عن فلاح , لحظة جلوسنا أمامه في مناسبة عزاء , كنت أقول له أنظر إلى هندامه , ولون الصبغة , وكيف هي مهابة الرجال ..ووقارهم , وكيف أن فلاحا نموذج لرجل شرقي ...صنعت منه العسكرية الأردنية شخصية وقورة .
وكان من(ابن العم) هذا أن سألني السؤال التالي وأنا في غمرة الحديث عن فلاح:- ماهو سر (الحز) الموجود في رأس فلاح , يبدو أنه أجرى عملية في الدماغ تطلبت نزع أعلى الجمجمة  ؟ ...تأملت قليلا وفعلا وجدت أن رأس فلاح يحتوي على
(حز)  يطوق رأسه من الأعلى لدرجة أن نمو الشعر قليل فيه , ويوجد ..ثنية في الجلد , وهو ظاهر لكل من يدقق في رأس فلاح .
ضحكت وقتها مطولا , قلت له يا (ابن عمي) ...فلاح يحمل الرقم العسكري الأقدم ربما , وقد انخرط في سلك الجندية سنة (1968) ...وخدم في الفرقه (12) ثم الثالثه ثم انتقل لمدرسة الإستخبارات , عدد السنوات التي قضاها في الجيش هي (42) سنه , (والحز) الموجود في رأسه هو من  أثر (البوريه) ..أي :- الطاقية العسكرية التي إرتداها على مدار (42) عاما ...القصة ليست مرتبطة بفلاح بل بكل العسكر , راقب رؤسهم جيدا حتى لو صبغوا شعرهم , حتى لو قصوه يبقى (الحز) شاهدا على سنوات الخدمة العسكرية ....
إقتنع (إبن العم) وفهم الأمر ثم سألني , وكيف عرفت ؟ ...أجبته :- يا (ابن عمي) (الحز) , ثقافة , (والحز) وجدان وأنا أعتبره هوية , لاتستغرب إذا قلت لك أنه أحيانا إختصار للشخصية الوطنية ...
ولو دققت يا (ابن عمي)  في عيوني ستكتشف أني أملك (حزا) من أثر البوريه ولكن في القلب تماما , وليس في الرأس ....فأنا مثلهم .
أنا لا اقدم رومانسية , في الكتابة ولكن دققوا في رؤوس العسكر ستكتشفون أن كل واحد منهم يملك (حزا) في رأسه شاهد على سنوات العمر والخدمة العسكرية ....
حتى الملك , حين تتأمل رأسه , تكتشف أن أطراف مفرق الشعر هي الأخرى تحتوي على (حز) من أثر البوريه العسكري ....
في بلادنا (الحز) يشبه حدود البلد , والذين نسخوا حدود الأردن على رؤسهم ...حتى غدت جزءا من الرأس , تأكدوا أنهم الوحيدون الذين لايخذلون أهلهم ولا بلدهم ولا تاريخهم أبدا ...
يبقى الأردن ويحيا وسيستمر ...أنا أعرف ذلك , كوني أقرأ الأمر في رؤس عسكرنا ...(فالحز) وطن .