TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
لحظة انكشاف الغرب أمام العالم!
22/11/2023 - 12:45pm

طلبة نيوز - د. أحمد بطَّاح
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945 انقسم العالم إلى معسكر اشتراكي يقوده الاتحاد السوفيتي السابق، ومعسكر ليبرالي (حُر) تقوده الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى الحليفة لها كبريطانيا وفرنسا وتبعتها فيما بعد ألمانيا وإيطاليا اللتين هُزمتا في الحرب ولكن تم دمجهما لاحقاً في المنظومة الغربية.
وفي حين ركز المعسكر الاشتراكي على دعم حركات التحرُّر على مستوى العالم، وتسويق الأيديولوجية الاشتراكية، ومحاربة الاستعمار، ركّز المعسكر الغربي على الديمقراطية (بمفهومها الليبرالي الغربي)، وحقوق الإنسان وقضايا المرأة والدعوة إلى الرأسمالية الاقتصادية بما تنطوي عليه من حرية التجارة، "والعرض والطلب" (Supply and Demand) وغير ذلك من مسلمات الرأسمالية.
والمُلاحظ بكل موضوعية أن المعسكر الاشتراكي كان متسقاً وحتى انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991 مع مبادئه وأيديولوجيته فقد حارب الاستعمار فعلاً، وساندّ حركات التحرر على مستوى العالم، ودعم الدول النامية المتّطلعة إلى التقدم، وقد كان ذلك في الواقع على حساب رفاه شعبه حيث يعتبر المحللون والمتابعون أن أحد أسباب سقوط الاتحاد السوفيتيَ أنه ركز على المساعدات الخارجية للدول المحتاجة على حساب خططه التنموية الداخلية، الأمر الذي ترك شعبه يشعر بالحرمان وبأنه متخلف بأشواط عن المجتمعات الغربية (وبالذات الأمريكي منها) التي تتمتع بكثير من مقومات رَغَد العيش.
أمّا المُعسكر الغربي فللأسف لم يكن هناك اتساق بين مبادئه وممارساته على أرض الواقع، ففي حين إدعى أنه يُساند الديمقراطية تآمر على إسقاط نظم ديمقراطية وصلت إلى الحكم بالانتخاب النزيه كنظام "اليندي" في تشيلي، وفي حين إدعى أنه يدعو إلى حقوق الإنسان فقد انتهك هذه الحقوق بشكل صارخ عندما فرض حصاراً ظالماً على العراق أدى إلى مقتل عدد مَهُول من العراقيين الأبرياء، وعندما تمّ الكشف عن تجاوزات غير إنسانية للجنود الأمريكيين في "سجن أبو غريب".
وفي حين إدعى أنه يدعو إلى حرية الاقتصاد لصالح البشرية كرّسَ معاهدة التجارة العالمية (Gatt)، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي (حيث يملك الرأي النافذ فيهما)، وغيرهما من المؤسسات الاقتصادية العالمية لإفقار دول العالم الثالث وضمان تبعيتها له.
والواقع أنّ لحظة انكشاف الغرب أمام العالم ووقوفه عارياً تماماً جاءَت عندما بدأت الحرب الإسرائيلية على غزة فقد قامت إسرائيل وبدعم غربي (وبالذات أمريكي) واضح ومكشوف بكل ما يمكن أن يخطر على بال من جرائم ضد الإنسانية (حرّمها القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني) حيث مارست العقاب الجماعي ضد سكان قطاع غزة (قطع المياه، والكهرباء، والوقود وحتى الاتصالات)، والتطهير العرقي (إجبار أكثر من مليون شخص على ترك منازلهم في شمال القطاع)، والاعتداء على المستشفيات (المستشفى المعمداني، ومجمع الشفاء، والمستشفى الإندونيسي)، وقصف المدارس (الفاخورة التابعة للأونروا)، وهدم المنازل على رؤوس ساكنيها (أكثر من 150,000 وحدة سكنية)، وكل ذلك في إطار حرب إبادة حقيقية تقشعر لها الأبدان ويندى لها جبين الإنسانية.
إنها لحظة انكشاف حقيقيّة للغرب الذي يتشدق بحقوق الإنسان (قُتل في الهجوم الإسرائيلي أكثر من 14,000 شخص منهم أكثر من 5000 طفل)، ولكنه يقف ساكناً إن لم نقل مشجعاً على هذه المذبحة الجماعية التي تتم في قطاع غزة تحت أنظار العالم، حتى إنّ ممثل الاتحاد الأوروبي لشؤون السياسة الخارجية "جوزيف بوريل" اضطّر للاعتراف بأن مأساة غزة هي دليل على "فشل سياسي وأخلاقي عالمي"، وإذا أردنا الدقة فإنه فشلٌ سياسيٌ وأخلاقيٌ غربي أكثر منه فشلاً عالمياً، لأنّ الغرب هو راعي إسرائيل وهو داعمها الكبير.
صحيح أن سياسات الدول قد تناقض مبادئها أحياناً بحكم أنّ هذه السياسات ترتبط بالمصالح غالباً، ولكن ما حصل في غزة دلَّ بشكل واضح على أن المنظومة القيمية الغربية شيء والممارسة على أرض الواقع شيء آخر، إنها في الواقع لحظة انكشاف للغرب يجدر بكل إنسان ذي ضمير حي ويقظ أن يتأمل ويستنتج ما هو ضروري ويتصرف بناءً عليه.
إنّ هذا الانكشاف يعني للعرب تحديداً الشيء الكثير. إنه يعني للمواطن العادي أن يكونّ واعياً ومدركاً تماماً لطبيعة العلاقة العضوية بين الغرب وإسرائيل، ويعني لصنّاع القرار أنهم إذا أرادوا التأثير على إسرائيل ونيل الحقوق التي تغتصبها فلا بدّ أن يفكّكِوا مصالح الغرب في بلدانهم، ويكيّفوا علاقاتهم مع دول العالم بما يحقق مصالح شعوبهم، وبخاصةً أنّ هناك دولاً مهمة جديدة تبرز على مسرح السياسة الدولية، فالعالم يتحرك – وإنْ ببطء – من عالم "القُطب الواحد" إلى عالم "الأقطاب المتعددة".

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)