TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
لخريجون: استثمار الجامعة في نفسها
19/03/2017 - 10:00pm

الخريجون: استثمار الجامعة في نفسها

أ.د. نزار أبو جابر

من سمات المقاربات الحديثة حول دور الجامعات في المجتمع حاضراً ومستقبلاً سمّة الوظيفية. إذ إنّ الجامعة تؤهل الطلبة للحياة العملية من خلال سلسلة من النشاطات المنهجيّة تسمى في النهاية "خطة دراسية". نسمع احاديث عن مدخلات ومخرجات لإنتاج خريج "ملائم لسوق العمل"، كما لو إننا نتحدث عن مصنع ما. فهل يمكن اختزال الموضوع بهذه السطحية؟ والأهم، بعد عشرين سنة من معاينة الجامعات بهذه الطريقة، هل لنا ان نقيّم نتائج هذه المقاربة؟ وإنّ كان لنا ذلك فعلى أيّ أسس؟ من فضائل الأسلوب العلمي دراسة نتائج تجربة وتقييمها بعيون باردة.
بداية، لن ابتعد عن الوظيفية في التحليل، ولكن سأزعم بأنّ هدف أيّة مؤسسة تعليمية ليست تأهيل الطالب لسوق العمل فحسب، بل وأيضاً مساعدة الطالب ليكون إنساناً ناجحاً في الحياة. وبالتأكيد فإن للحياة العملية جانب من جوانب النجاح، بالإضافة إلى جوانب أخرى كالنجاح في: العلاقات الاجتماعية والعاطفية والمحافظة على السلامة البدنية والقدرة على التكيف والجنوح نحو قيم العدالة والعمل والايثار والحرية والجمال وحبّ الوطن والإنتماء له. للقارئ أن يتساءل عن جدوى توسيع تعريف دور الجامعات وتمكينها بالقيام بدور أوسع. اعتقد من الواجب التفكير بالأمر على النحو التالي.
يحرص معظم الطلبة على تسجيل مساقاتهم خلال يومين او ثلاثة في الأسبوع، ويسرعون في المغادرة عند انتهاء المحاضرات. وهذه الظاهرة تشي بعدم جاذبية الحياة الجامعية لهم، اذ يفضلون الذهاب للمقاهي أو البقاء في المنزل والشجار مع أهلهم واخوتهم بدل من ذلك. ومن السذاجة الاعتقاد بأنّهم يستغلون هذا الوقت معظمه للدراسة. ومن جانب آخر، فإن ما يتطلبه تنمية المواهب ورعاية تطوير الطلبة من النواحي النفسية والاجتماعية وغيرها يفترض ان تكون متوفرة في الجامعات (والمدارس، ولكن تلك قصة أخرى). ولا يمكن تفسير التقصير في هذا الجانب الا في عدم وجود النية وعدم ادراك أهمية النشاطات اللامنهجية في تجربة الطالب. غياب النشاطات الثقافية والعلمية والاجتماعية والتطوعية يحوّل الحياة الجامعية إلى تجربة خاوية، بدليل ما نشهده من عزوف عن التواجد أو التوجه نحو التجمع في كتل عصائبية وفقدان الإنتماء مع جسد الجامعة والتوافق مع الأقران خارج مجتمهم الأول (المدرسة، العشيرة وغيرها).
إنّ الواقع الاقتصادي الآن وعلى المدى المنظور يشير إلى إنّ نسبة عالية من الخريجين لن يجدوا وظائفاً أو عملاً يدّر عليهم الدخل الذي يطمحون إليه. لا لأنّهم غير مؤهلون بالضرورة، ولكن لظروف لا يستطيعون هم أو عوائلهم أن يتحكموا بها. لذا، فإن الإصرار على تعريف النجاح من منظور الوجاهة أو مستوى دخل الشخص هو وصفة للإحباط والعزوف عن المشاركة الاقتصادية ضمن الفرص المتاحة وإحتقار الذات والغضب لشريحة واسعة من الشباب. ولا يخفى ان نتائج ذلك ماثلة امامنا الآن بشكل جلّي. وإذا كان المجتمع هو يضع معايير النجاح، فإن للجامعة دور في تطوير المجتمع لا ان يكون تابع له. ليس من العدالة أو الحكمة تعريف النجاح بطريقة تحكم سلفاً على نسبة كبيرة من الشباب بالفشل. وفي هذا السياق يجدر الإشارة إلى إنّ الخطط الدراسية للتخصصات التي تعاني من البطالة يجب ان تتضمن ما يمكن ان يعوضهم عن ذلك من خلال مساقات تساعد على بدء مشاريع ذاتية أو فهم الثغرات التي تمنع جزء منهم من الحصول على الوظائف.
إن اغفال صقل المهارات الحياتية للطلبة يعد فرصة مهدورة للجامعة نفسها. وتكمن هنا الفرصة في غرس الوّد والذكريات الجميلة والولاء للجامعة. لا يخفى بأن الخريجين القدامى في الجامعات الغربية هم مورد هام من مواردها، حيث إنّهم مصدر للتبرعات والنشاطات التطوعية والدعم التشريعي وتوفير فرص التدريب والتوظيف للخريجين الجدد. ولا يتأتى هذا الولاء من فراغ، بل هو نتيجة منطقية لطبيعة تجربة الانسان خلال فترة دراسته، بالإضافة إلى جهود المتابعة ما بعد التخرج. فمكاتب متابعة الخريجين ونوادي الخريجين لديهم مهمة تكميلية وليست أساسية، حيث يساعدون على حصاد ما تم زرعه اثناء دراسة الطلبة. كما عليهم الاهتمام بجميع الخريجين، وليس فقط الناجحين (أي من تبوؤوا المراكز والمراتب الوظيفية القيادية،) فلا ضيّر من التشديد على دور كل لبنة من لبنات المجتمع في بنائه وتقودية دعائمه.
ما يجب تذكره هو ان الطالب ليس زبوناً والخريج ليس قطعة غيار لماكنة اقتصادية عملاقة أو "مورد بشري". احترام إنسانية الفرد واحتياجاته وتمكينه هو المدخل الحقيقي لبناء علاقة سوية، مستدامة ومثمرة.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)