TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
ماذا خسرت الولايات المتحدة من دعمها للحرب الإسرائيلية على غزة؟!
05/03/2024 - 2:15pm

د. أحمد بطَّاح
لعلّنا لا نبالغ إذا قلنا بأنّ الولايات المتحدة كانت شريكاً لإسرائيل في حربها الهمجية على غزة، فما إنْ انجلى غبار اليوم الأول من معركة "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر حتى أرسلت الولايات المتحدة حاملات طائراتها (فورد وأيزنهاور)، وأسلحتها الفتّاكة عبر السفن والطائرات، كما دعّمت إسرائيل بما لا يقلّ عن (14) مليار دولار يمكن أن يُضاف إليها ما بين (14 – 17) مليار أخرى قريباً، وذلك فضلاً عن تغطيتها (أيّ الولايات المتحدة) السياسية لإسرائيل في الأمم المتحدة حيث لم تقف مع الأغلبية الساحقة من أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة (52 دولة) الداعية لوقف الحرب، كما حالت لثلاث مرات دون اتخاذ مجلس الأمن لقرار بوقف إطلاق النار.
ولكن .... ورغم كل هذا الدعم الهائل وغير المسبوق فإنّ الولايات المتحدة فشلت في تمكين حليفتها - إن لم نقلْ قاعدتها العسكرية المتقدمة - إسرائيل من تحقيق أهدافها الرئيسية، صحيح أنّ إسرائيل ألحقت دماراً هائلاً في قطاع غزة، وقتلت ما لا يقّل عن (30,000)، وجرحت ما لا يقل عن (70,000) فلسطيني ولكنها فشلت في القضاء على حماس، وفي تحرير "رهائنها"، وفي ضمان ألّا يكون القطاع خطراً عليها في المستقبل.
والواقع أن خسائر الولايات المتحدة لا تقتصر على هذا الفشل المشهود بل يمكن أن نشير إلى خسائرها الأخرى على النحو الآتي:
أولاً: خسرت الولايات المتحدة صورتها "الأخلاقية" أمام العالم كأكبر قوى "العالم الحر" الذي يدّعي الإيمان بقيم الحرية والكرامة وحقوق الإنسان، وقد اعترف الرئيس الأمريكي نفسه بهذه الخسارة، وهو يعاني الآن من شبه تمرد داخل حزبه (شباب الحزب والتقدميون في الحزب الديمقراطي)، وقد يخسر فرصة إعادة انتخابه بسبب انحيازه الأعمى إلى جانب إسرائيل التي ترتكب جرائم حرب يومياً.
ثانياً: خسرت الولايات المتحدة كثيراً من قيمتها السياسية باعتبارها القوة الأعظم في العالم حيث لم تتبنَ خلال الحرب على غزة سياسة مسؤولة في أكبر مجلس مُؤتمن على السلم العالمي وهو مجلس الأمن الدولي، فرغم الرغبة الدولية العارمة في وقف إطلاق النار، ورغم تصويت أغلب دول المجلس (الدائمة العضوية وغير الدائمة) مع هذا الوقف فقد صوّتت الولايات المتحدة ضده، وبالتالي بدتْ معزولة وغير مسؤولة إن لم نقلْ منبوذة!
ثالثاً: لم تستطع الولايات المتحدة أن تُبقي على دعمها المعروف لأوكرانيا بل اضطرت إلى توجيه الدعم إلى إسرائيل، وبذا بدتْ غير قادرة على دعم جبهتين في آن واحد، ناهيك عن "ازدواجية المعايير" التي تجلّت عند المقارنة بين مبرراتها (أيّ الولايات المتحدة) في دعم أوكرانيا التي تعرضت "للعدوان الروسي"، ومبرراتها في دعم إسرائيل التي تنكّل بالشعب الفلسطيني بأساليب يندى لها جبين الإنسانية.
رابعاً: لم تَظهر الولايات المتحدة خلال الحرب على غزة كقوة كبرى قادرة على فرض إرادتها، فقد استنتجت (هذا إذا صدّقنا ذلك) أنْ لا حلّ للقضية الفلسطينية إلا بإقامة دولة للفلسطينيين إلى جانب دولة إسرائيل (ما يُعرف بحل الدولتين) على حدود الرابع من حزيران (1967) وعاصمتها القدس الشرقية، ولكن ما إنْ أعلنت ذلك حتى بادر مجلس الوزراء الإسرائيلي برئاسة "نتنياهو" إلى رفض هذا التوجه والوقوف في وجه أيّ اعتراف "أحادي" بالدولة الفلسطينية المنشودة. لقد وَضُح أمام العالم أجمع أن الولايات المتحدة عاجزة عن فرض إرادتها على دولة صغيرة تُعتبر الولايات المتحدة شريان حياة بالنسبة لها، وهذا بدون أدنى شك يهّز صورتها كقوة عالمية أولى ويجعلها تخسر من هيبتها ونفوذها.
خامساً: خسرت الولايات المتحدة عقول وقلوب معظم العرب (400) مليون والمسلمين (مليار ونصف) الذين رأوا -وبغض النظر عن مواقف النظم الرسمية القائمة في بلدانهم- أن أمريكا عدوة لدودة لهم ولتطلعاتهم، وأنها تفضّل إسرائيل وترى لها مصلحة في دعمها أكثر مما ترى في الوطن العربي الممتد، والعالم الإسلامي الكبير بكل ما يشتملان عليه من ثروات، وخطوط ملاحية، وأهمية جيوإستراتيجية وغيرها، والواقع أن هذه الخسارة الأمريكية لن تتضح الآن ولكنها سوف تتجلى مع الزمن حيث لا يفهم المواطن العربي والمسلم كيف أنّ الولايات المتحدة -وهي الحليف المُفترض لمعظم الدول العربية وإلى حدٍ ما الإسلامية- تضحي بعلاقاتها ومصالحها مع العالم العربي والإسلامي غير آبهةٍ بمشاعر العرب والمسلمين وهم يرون إسرائيل ترتكب الفظاعات والجرائم الوحشية وأمام العالم أجمع.
إنّ المتأمل يستخلص بوضوح أن الولايات المتحدة بموقفها الداعم بغير حدود لإسرائيل خسرت الكثير من سمعتها، وهيبتها، ومصالحها الاستراتيجية بعيدة المدى، وقد لا يتضح هذا كله الآن في ظل استعار الحرب وغبار المعارك، ولكنه بالقطع سوف يصبح جلياً وواضحاً مع مرور الزمن.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)