TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
ماذا لو كنت ملحدا؟!
30/04/2016 - 3:45am

طلبة نيوز-

د. محمد خازر المجالي

عقدت كلية الشريعة في الجامعة الأردنية يومها العلمي قبل أيام، وجعلته في ندوات لمناقشة موضوع الإلحاد، فجاء بعنوان: "الإلحاد بين الموضة والاعتقاد". وقد ناقش أساتذة في مختلف التخصصات العلمية والفلسفية والتشريع والاعتقاد والنفس والسياسة جوانب الإلحاد، وكذلك أسهم الطلبة بقدر كبير من التحليل والحوار. وأظهرت الكلية وجهها الحقيقي في التسامح وحوار الآخر والرحمة على الناس جميعا، بمن فيهم أهل الإلحاد، فتم الترحيب بهم وبأسئلتهم ليقفوا ويحاوروا ويناقشوا.
كان العنوان مقصودا، كون بعض الذين يميلون إلى الإلحاد مقلدين أكثر من كونهم يعتقدون ذلك، باعتبارها موضة العصر؛ وقد يكون بعضهم معتقدا للإلحاد ويتبناه. وقد تم عرض تاريخ الإلحاد المعاصر والتعريف ببعض رموزه، ممن بقوا ملحدين أو تراجعوا عنه بمحض إرادتهم وفكرهم.
يحترم الإسلام الحرية ويحرّم الإكراه بأشكاله كلها: "لا إكراه في الدين" (البقرة، الآية 256). ومع الحرية، لا بد من تفكير سليم بعيد عن المؤثرات. ولذلك، كان آخر طلب من الله لرسوله، أن يوجهه للمشركين وقد قذفوه بأبشع الأوصاف، هو أن يقول: "قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ" (سبأ، الآية 46)؛ أن يقوموا من أجل الله، وهم يعرفون الله ويعظمونه لكنهم يشركون به، مثنى وفرادى، بعيدا عن التقليد وتأثير المجموعة، ثم يتفكروا في شأن هذا الرجل، هل هو فعلا مجنون فيما يقوله ويرشد إليه؟ هنا تكون الحقيقة التي لا بد من اتباعها، فعقل الإنسان ينبغي أن يقوده إلى الحق ورفض كل ما تمليه النفس أو المحيط الخارجي أو الموروث من عادات ما أنزل الله بها من سلطان.
لو كنت ملحدا، فكيف سأجيب عن سر الخلق؟ من أوجد هذا الكون بمحتوياته؛ مجراته ونجومه وكواكبه والماء والجبال والأرض والبحار والأنهار والإنسان والحيوان والنبات؛ بهذه الدقة والتوازن والروعة والجمال والعظمة وتقاسم الأدوار وتعاقبها؟ هل يُعقَل أنها وجدت صدفة، أو أنها أوجدت نفسها بنفسها، أم أن لها موجدا؟ وأي عاقل سيرفض الاحتمالين الأولين، وسيقف عند الثالث، فلا بد أن هناك من أوجدها.
فإن كان الحوار حول الموجِد، فقد يأتي سؤال مفاده أنه من خلق هذا الموجِد؟ فالجواب أنه خلقه خالق، فإن قيل: ومن خلق هذا الخالق؟ فالجواب أيضا بأنه خالق، وهكذا في متسلسلة حتى نصل إلى النهاية، فلا بد من الخالق الأعظم المطلق في النهاية.
لو كنت ملحدا فكيف أفسر ظاهرة هذا التنوع الدقيق الرائع في عالم النبات؛ هذا حلو وهذا حامض أو مرّ؛ هذا كبير وذاك صغير، وكلها تسقى بماء واحد؟! وكيف أفهم ظاهرة هجرة الأسماك والطيور آلاف الأميال لتضع بيوضها، وبعد التفقيس يرجع الأبناء إلى المكان نفسه؟ من علمها وأرشدها وألهمها؟
لو كنت ملحدا؛ فكيف سأفسر ظاهرة الخوف الداخلي عند الإنسان في الملمات واللحظات الصعبة، وما هو هذا الشعور أصلا؟ وفي المقابل، كيف أجيب عن ظاهرة الرجاء والأمل التي يضعها الإنسان في قوة خفية عظيمة لا يعلمها، لكنه يعتقد اعتقادا كبيرا بوجودها، خاصة في الملمات واللحظات الصعبة؟
لو كنت ملحدا فكيف أفسر ظاهرة الموت؟ وماذا بعده؟ ولماذا يموت هذا وهو صغير أو صحيح قبل غيره؟ ولماذا لا ينتظم الموت بوتيرة واحدة؟ قطعا هناك مسيّر لهذه الظاهرة وله حكمه الكثيرة فيها.
لو كنت ملحدا؛ فكيف أفسر ظاهرة أن هذا غني وذاك فقير، وهذا صحيح وذاك مريض، وهذا جميل وذاك قبيح، وهذا ذو ولد وذاك عقيم، وهكذا؛ من رتّب هذه الأمور ونسقها وشاءها؟
لو كنت ملحدا؛ فكيف أفهم بأن يكون الظلم والظالمون، ويفلت هؤلاء من العقاب الدنيوي، فهل تحقق العدل؟ أم لا بد من إيمان بيوم آخر يُقتص فيه من الظَلمة، ويعاقَب فيه المجرمون، وإلا كان الانتقام والفساد وامتلأت الأرض بالفوضى والخوف والرعب.
وكيف أفسر ظاهرة العطاء، هذان يكدان ويسعيان، يُعطى هذا ويُمنع هذا، فمن المدبِّر الحقيقي؟ ومثلها ظاهرة السعادة والشقاوة، فمن وراءهما؟
وكيف أفسر ظاهرة سلوك الحيوان مثلا، من لحظة ولادته والتجائه إلى أمه ليلتقم ثديها أو لتحميه، من الذي علمه كيف يرضع أو يسعى أو ينظف نفسه أو يسيِّر حياته حتى لو لم تدربه أمه؟ وفي عموم متابعة تكوّن الأجنة والخلق وأجهزة المخلوقين المختلفة الدقيقة تنفسيا وهضميا وعصبيا وسمعيا وبصريا وغير ذلك، من وضع هذا بهذه الدقة والروعة؟ وغير هذا كثير مما لا يتسع المقام لعرضه، وهو مبسوط مصوّر قد خدمه العلم على وجه التحديد.
هل يعتقد بعض الناس أن الإلحاد حقيقة أم تقليدا أو تكبرا عن الحق؟ وفي هذا المقام، لا بد من الحديث عن أمر المعجزات التي أيّد الله بها الأنبياء والمرسلين، فهم بشر معروفون لأقوامهم، لم يأت نبي خارج دائرة قومه، فحين يأتي بشيء يعجز الجميع عن الإتيان بمثله، فما تفسير هذا؟ أليس تأييدا من قوة عظيمة خفية؟
جدير بالإنسان أن يقف مع الحقيقة لا غير، فهذا العقل ينبغي أن يقوده إليها. ولا بد من تفريق بين الدين نفسه وبين أتباعه الذين ربما يطبقونه خطأ أو يتجنون عليه، فصراع الدين والعلم في أوروبا مثلا مشكلة أشخاص تجبروا وطغوا وإن نسبوا أنفسهم إلى الدين. وحتى لو تطور الإلحاد إلى صورة معتدلة في إثبات الإله ولكن بقطع علاقته بالكون، حيث بعض النظريات الفلسفية المعاصرة من علمانية وليبرالية وحداثة وما بعد الحداثة والفلسفة الإنسانية والعقلانية، وكلها مسميات مغرية، فالأصل مناقشتها بناء على الأسئلة العامة التي تقدمت، هل تقود إلى سكينة النفس وسوية السلوك، أم هي فوضى الأخلاق ومناقضة الفطرة ونكد العيش؟

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)