TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
متى تنتهي الحرب الإسرائيلية على غزة؟!
18/03/2024 - 3:15pm

طلبة نيوز- د. أحمد بطَّاح
إن كثيرين يتساءلون هذه الأيام: متى ستنتهي هذه الحرب الهمجية التي تشنها إسرائيل على غزة؟ والواقع أنّ البعض قد يظن أنّ هذه الحرب سوف تنتهي عندما ينتصر أحد الطرفين (إسرائيل وحماس) على الآخر، أو بعبارة أخرى عندما يحقق أيّ منهما أهدافه من الحرب وذلك انطلاقاً من أن الحرب لا تُخاض من أجل الحرب بل من أجل تحقيق أهداف سياسية معينة وهذا ما عناه أبو الاستراتيجية الحديثة "كلاوزفيتز" حين قال "الحرب سياسة ولكن بطريقة أخرى"، وإذا دققنا أكثر في سياق الحرب الإسرائيلية الدائرة الآن على غزة فإننا نجد أن حماس قد حققت بعض أهدافها وبالذات تلك المتعلقة بضرب نظرية الردع الإسرائيلية، وإعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث كقضية أولى على طاولة العالم، وذلك فضلاً عن أنها ما زالت مُمسكة بورقة الأسرى الإسرائيليين لديها هادفةً من ذلك إلى مقايضتهم بآلاف الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
أمّا إسرائيل فإنّ أهدافها في الواقع غير قابلة للتحقيق فهي من جهة لن تستطيع القضاء على حماس بحكم أنّ حماس حركة وطنية جهادية متجذرة في المجتمع الفلسطيني، ومن الواضح تماماً أنها خطّطت جيداً لمعركتها وما زالت مستعدة للمواصلة، وبالإضافة إلى ذلك فإنّ إسرائيل وبعد ما يزيد عن خمسة أشهر من الحرب لم تستطع استعادة "أسراها" فضلاً عن أن قدرتها على ضمان أمنها من جهة قطاع غزة بحيث لا يشكل خطراً عليها هو موضع شك إلى حدٍ كبير.
وإذن فمتى ستنتهي هذه الحرب التي يُصر فيها "نتنياهو" على تحقيق ما يسميه "النصر المطلق؟" إن الإجابة على هذا التساؤل تقتضي منا العودة إلى تاريخ إسرائيل وظروف قيامها فقد نشأت كما هو معروف برعاية بريطانيا الدولة المُنتدبة على فلسطين حيث أصدرت لها وعد "بلفور" ورعت نمو قوتها الكامنة إلى أن تم إعلان الدولة في عام 1948 وهنا لا بدّ أن نلاحظ أنّ إسرائيل لم تكن لتتوقف عند الحدود التي وصلت إليها دباباتها لولا خوفها من عودة الجيش البريطاني، الأمر الذي يعني أن قوة الغرب (بريطانيا في هذه الحالة) كانت هي "الكابح" الذي لا تستطيع تجاوزوه.
وفي عام 1956 حيث تواطأت إسرائيل مع كلٍ من بريطانيا وفرنسا في "العدوان الثلاثي" على مصر رداً على قرار الرئيس جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس لم تكن (إسرائيل) لتنسحب من سيناء لولا قرار الرئيس الأمريكي أيزنهاور -الذي كان يريد أن يُدخل بلاده كقوة عظمى تخلف بريطانيا إلى المنطقة والعالم- وأمرهُ لها بالانسحاب.
صحيح أن صمود الشعب المصري والموقف السوفيتي الصارم من العدوان الثلاثي كان له دور أيضاً، ولكن مما لا شك فيه أنّ الموقف الأمريكي كان هو الحاسم الذي لم تستطع إسرائيل تجاوزه.
وفي عام 1967 حيث حققت إسرائيل انتصاراً كاسحاً على ثلاث دول عربية (مصر وسوريا والأردن) اكتفت الولايات المتحدة التي أصبحت رأس التحالف الغربي بلا مُنازع بتسهيل صدور قرار من مجلس الأمن وهو (242) يأمر إسرائيل بالانسحاب من "أراضٍ ُمحتلة" ولكنها لم ترغمها على تنفيذ الانسحاب فعلاً بل مارست عليها ضغوطاً مُهمة للانسحاب من سيناء لاحقاً لإنجاز اتفاقية "كامب ديفد"، وبعبارة أخرى فإنّ العامل الأمريكي كانّ وما زال هو الحاسم (Decisive) في مخرجات حرب 1967.
وفي عام 1973 فُوجئت إسرائيل بالهجوم المصري السوري المُنسّق الذي تمخض عنه عبور قناة السويس واكتساح الدفاعات الإسرائيلية في هضبة الجولان ولكن الولايات المتحدة دعمتها فوراً "وأوقفتها على رجليها" بل مكنتها من تنفيذ "ثغرة الدفرسوار" التي حاصرت من خلالها "الجيش الثالث" المصري ولكنها بالمقابل أمرتها بالتوقف والتفاوض مع مصر وصولاً إلى اتفاقية "كامب ديفد" في عام 1978 والتي تمت "بضمانة أمريكية"، الأمر الذي يشير ببساطة إلى الدور الأمريكي الذي لا يمكن لإسرائيل أن تتجاوزه بحكم أن الولايات المتحدة هي في الواقع "شريان حياة" لإسرائيل عسكرياً، واقتصادياً، وسياسياً.
ولعلَّ ما يحدث الآن على جبهة غزة هو في الواقع استمرار لديناميات الصراع التاريخي بين العرب وإسرائيل فما إن شعرت والولايات المتحدة "باللطمة الهائلة" التي تلقتها إسرائيل نتيجة معركة "طُوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر حتى هبت لنجدتها (أكثر من 100 صفقة سلاح) مع دعم اقتصادي زاد عن (14) مليار دولار وتغطية سياسية لها في مجلس الأمن (استخدمت الولايات المتحدة الفيتو ثلاث مرات لمنع وقف إطلاق النار)، ولكن حين بدأت الأمور تخرج عن المنطق وتستفز شعوب العالم بسقوط أكثر من 100,000 فلسطيني بين شهيد وجريح ومفقود، وبممارسة إسرائيل لأسلوب "التجويع" (فضلاً عمّا سبقه من تهجير، وترويع) بدأت الولايات المتحدة تراجع سياستها (وبخاصة مع تراجع فُرص الرئيس بايدن في الانتخابات الرئاسية المقبلة) ولا يُستبعد أن تصل قريباً إلى مرحلة تأمر فيها إسرائيل بالتوقف وانتهاج طرائق أخرى للوصول إلى تحقيق أهدافها.
إنّ الشاهد في هذه القراءة التاريخية هو أنّ العامل الحاسم في تقدم إسرائيل وتراجعها، وفي حربها وسلمها هو العامل الغربي (البريطاني سابقاً والأمريكي حالياً) وبرغم قول "مناحيم بيغن" رئيس وزراء إسرائيل السابق والزعيم التاريخي لليمين الإسرائيلي بأن إسرائيل ليست "جمهورية موز"، ورغم قول نتنياهو زعيم الحكومة الحالية الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل (على حد التعبير الرئيس الأمريكي بايدن) بأن إسرائيل "دولة ذات سيادة" فإنّ إسرائيل تظل محكُومة بهذا العامل الغربي الحاسم لوجودها واستمرارها، ولذا فإننا لا نبالغ إذا قلنا بأن الحرب الإسرائيلية الحالية على غزة سوف تنتهي مثل سابقاتها عندما يقتنع الرئيس الأمريكي بأنها يجب أن تنتهي ويُصدِر أمرهُ ذا الصلة إلى إسرائيل بطريقة أو بأخرى.
فمتى سيفعل يا تُرى؟!

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)