TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
مقامة الرحيل
24/08/2015 - 3:00am

طلبة نيوز-

الأستاذ الدكتور سلامه طناش

" وبعد أخذ الطوز كل الشجر اللي ما ورّق، وغسيل قرية البقرة بعدما شرّق، وتوالي خان التبن، والبطيخ المعرّق. وعكّر الطوز بركة المية، والجيعة حتى أصبحت شربة المية فجيعة. تداعى أهل القرية بعد أن زحفوا زحفا، نحو بعضهم من شدة الزكام وقلة المنام، ليتباحثوا في ما بقي لهم من عيش الكرام، ياحرام!!"

حدثني ثقاف ابن وقاف، فقال: وفي ليلة كان القمر فيها  لا يُرى إلاّ بعين الوطواط، من شدة الغبار اللي جاءت به عجلات كثيرة مصنوعة من المطاط. تلملمت القرية عند بركة أبو العطاط، رجالا دون صبيانا أو من لابسات الحطات. وبدا الهرج سيد الموقف، والهمهمات تصدر من كل واحد، دون أن يعرف بأن الثعلب عليه واقف، وأنه لحركاتهم عايف، ولسراوليهم شايف. وأنه باعهم بعد أن ساوم الأهلس الأملس عبر وسائط، وما ردها من بعده أي حائط.

وقد كان يدري بكل التفاصيل. ويوهمهم بأنه لا يدري، من أخبار زودها به أبو بدري. ويقولون بأن له عيون بدون جفون، تعبر المحيطات، ولا تذكر شجر الزيزفون. باعهم يا صديقي بأرخص القروش وهو جالس كالريش المنفوش. وقرش تلو قرش يالطيف، وهو يعرق من كل جسمه، وبدون تجفيف. واستمر الحال ساعة تلو ساعة، ولا واحد منهم يدري ما بيده الشمال من اليمين، وحتى نظراتهم ما كانت تتجاوز مترا، أو مترين. وفي معظم الأحيان عند طرف قدميه، وهو لا يعرف هيه من طيه.

قلت ويحك يا ثقاف! هل أثّر الطوز على الأذنين، أم على العينين؟ قال ثقاف وقد انتصب خشمه كأنه معقاف: لا هذا، ولا ذاك. إذ بحت أصواتهم ودمعت عيونهم، وامتلأت آذانهم بالغبار بعد أن حط عليها كل التراب، والتبن الطيار. وهم لا يدركون سر الثعلب أبو الزوز. إذ كان كل واحد يوزوز على الآخر دونما  يدري بأن أبا الازازيز، ليس لأي منهم عاز، أو معزوز، أو ماسك لخاطر أي من الأعازيز.

وقد سمعوا يا صاحبي الهدير. هدير سيل جارف لكل شيء واقف. وأيديهم في جيوب سراويلهم المخزوقة. إذ باعوا كل شيء في القرية التي أصبحت غير  مرزوقة. ولم يبق لهم غير حمار أبو اللفات، حيث نهق عشر نهقات، وبصوته اكتملت الاعاقات، ولم يعد ينفعهم، إذ إنه مات. وقد خرجت الفئران وأكلت الغلات، وشاركها في أكل البصل خُلنْدٌ يحفر في الأرض مموها طريقه حتى قلنا: والله ليس لنا شأن بهكذا متاهات. إذ كثر الأخذ منا وأصبحنا نمسي، ونصبح على هات، وهات. وأخذ الناس يا صاحبي يبحثون عن أي شيء يمكن أن يساعدهم على الإفلات. وتداول أهل القرية همسا بما يجيز لهم البقاء في الخشش والخانات. إذ تحدث مطوان أبو الاسنان عن كيفية العيش بدون آذان، أو لف ودوران. وطرح أبو الفشات مبدأ العيش وراء القشات، رغم أنه يدرك بأنها لا تنفع، ولا توقف الغشات. وقال أبو سروال بأن الحياة تحتاج إلى إعادة الخيل، والحمير، والثيران، والعمل، والحراثة، والسير بدون جنحان. إذ قال: عليكم بالعمل من الشفق إلى الغسق. والله ما رايح ينفعكو ولا مختار، لأنهم إجر  الهم بالعتبه، وأخرى عند الطيار.

 

وفي غمرة القيل والقال، والهمس وقلة اللمس، وعمى الألوان، وما بدى منصوب بلا صيوان. صاح جاهل ما له وزن، ولا سامع عند الشبان. قلت: يا ثقاف جاهل يصيح، بالقوم! أين الحكماء، وأين كبار السن، والعلماء؟ أين ربع الأنوف الشماء؟ جاهل يصيح بأهل القرية! بربك ماذا قال. هنا عدّل ثقاف جلسته، ووضع كوعيه على ركبتيه، ليسند حنكيه بكفيه. فكان صوته اجهش، وشكله أجحش، ونظراته أوحش، وأذَنيه بدت أقطَش، وكل ما فيه أفْحش. تعوذت بالله مما أبداه،  إذ مد لسانه كأنه يقول ما لا أْبغاه، ويوهمني بشيء مما رأه.

قلت له: ماذا قال الجاهل؟

قال ثقاف: صاح بنا وهو يركض حولنا: يا أهل قرية البقرة عليكم بالرحيل....الرحيل، دون الدخيل، وكررها مرات ومرات، حتى همهمت القرية بذلك وتهامس الشبان والكهلان بالرحيل. والغربان تبحث عن طريق شائك. لأن من يبقَ هالك، إذ لا طريق سالك. وبدت القرية كأن من فيها هو الدخيل، وأنهم من بلاد الواق أو الوقيق، وليس لديهم سلاح كالإغريق. ولا زال أهلها يا صاحبي يبحثون عن أنفسهم، بين الدبش، وأكل الهبش. وعن الدخيل إللّي نعق به الجاهل في ليلة الطّوز، واللّي شرب عاش ولطش فيها الجرّه وتوالي الكوز. وكانت إجره على طرف شي كبير كبير، وإله حنحان وبمشي على الأرض العفير، وصوته مثل الصفير. وشوي شوي ما تشوفه إلا بطير، ماخذ معه كل العصافير، واللي بالي وبالك، وما ترك وراه الاّ العقير.

وهكذا ضاع أهل القرية، إذْ أنهم راحوا بشربة ميه. وما كانوا عُقّال، وما سمعوا كلام أبو الخوال، لأنّ الزمان عليه مال. وتغيّرتْ الأزمان، والأحوال. ويقال بأن كاتب التاريخ مزوِّر، خاصة إذا كنت عليه مُدوِّر. ولجيبه مُعبِّر. فأترك حالك، على ما بدا لك، لأن الزمان لن يرحم كل حرامي للعيش بِيُسرٍ وأمانْ. 

 

 

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)