طلبة نيوز

موسيقار اليوم الواحد ..

على عكس المتوقع من كل خلق الله ربما، درجت العادة في نهاية ستينيات / بداية سبعينيات القرن الماضي ان اقضى جانبا من العطلة الصيفية في العقبة حيث شئ يسير يسير مما قاربته بنار الله الموقدة. العطلة في الصيف و وجدتي وخالي الشاب وخالاتي يسكنون هناك على مضض ليس بعيدا عن دار السينما الصيفي في العقبة القديمة، قبل المكيفات وقبل حتى الشوارع المعبدة حيث الرمال عارية تحت شمس لا تأبه بها كما قال لورنس بأعمدة حكمته الانجليزية السبعة ! بذلت جهودا كبيرة .. كنت في غاية اللطف ، خدوما نشيطا وحتى مؤدبا في سبيل ان "أجمرك" عودا مرصعا يعود لخالي كان يقبع فوق الخزانة ونجحت اخيرا في الايحاء لخالي الكريم ان يهديني اياه لعل ملكاتي الموسيقية تتفتق عن موسيقار من عشيرة "المحاميد" من حرب. وعندما ازفت ساعة العودة الى الزرقاء من العقبة كنت في السادسة صباحا متأبطا ما أصبح عودي وجالسا بالمقعد الاول في باص المرسيدس غير الافطس الذي يقوده القبطان الامامي رحمه الله برحلة اظنها كانت تقارب التسع ساعات بالتمام والكمال انذاك ثلاث منها ما بين القويرة و النقب. وصلت الزرقاء و بدأت اطنطن بالعود انغاما نشازا وصلت حد اجتلاب شكوى من الجيران الذين لهم طالب يدرس الاعمال في الجامعة الاردنية وفقد نتيجة ضوضائي توازنه الدراسي. من طرفي، كنت اؤكد ان الموضوع طارئ وسيتحسن ما ان انجح بدوزنة اوتار العود وعلاج ذلك كان عندي شد تلك الاوتار مرة تلو الاخرى وبلانتيجة فيما يخص معقولية السمفونية التي كنت اتوقع انتاجها لتتوج بازاحة اسطورة القصبجي او فريد الاطرش عن عرش العازفين على العود عندما تتدوزن اوتار عودي وتتفتق مواهبي .. انتهى المطاف من المبالغة بتكرار الشد ان انقبع جزء من خشب العود كاملا "الجزء المسمى غزالا عند المحترفين مثل حكايتي" واصبحت الاوتار فالتة على حل شعرها ولا ترتبط بالعود الا من طرف واحد هو طرف المفاتيح وغدت الاوتار اشبه "بكشة" لفنانة قعيدة نوم بعد كابوس متوسط الشدة. وهنا اقول كان ذلك لحسن حظ الاستاذ فريد الاطرش فقد ارتاح من منافس مر .. مر مرور الكرام محلقا في سماء طموحات فنية لم تقم لها قائمة بعد ذلك اليوم الوحيد الذي اعتقدت به انني اصبحت قاب قوسين او ادنى ان اكون موسيقارا.. اسعد الله اوقاتكم.
* ا. د. نجيب ابو كركي / استاذ الجيوفيزياء وعلم الزلازل - كلية العلوم- الجامعة الاردنية.