طلبة نيوز-أ.د. صلاح جرّار

أنظر بكثير من الريبة وعدم الارتياح للدعايات التي نفطر عليها كل صباح ثمّ نتغدى ونتعشى عليها كل يوم وهي تدعو الزوجات والأمهات إلى تناول حبوب الراحة، ولا أدري إن كان الهدف من هذه الدعايات هو أن ترتاح زوجاتنا وأمهاتنا أم يرتاح غيرنا! من حقي أن أرتاب بتلك الدعايات، ومن حقي أن أدعو كل زوجةٍ وكل أمّ أن ترتاب مثلي بالأهداف البعيدة أو القريبة لهذه الدعايات، وهل المقصود منها فعلاً هو تحقيق راحة البال لنسائنا كما يزعمون؟!
ومبعث ارتيابي هو أن ثمة في حياتنا مخاطر كثيرة وكثيرة جدّاً بدءاً من وباء السرطان ووباء السكري والتدخين والأخطار البيئية والعنف المجتمعي وغير ذلك ممّا لا يحظى بمثل هذا التركيز في الدعاية، وهي أولى أن نركز عليها في دعاياتنا صباحاً ومساءً، لكنها لا تنال من اهتمامنا ما تناله حبوب راحة البال، فهل يرتاح بالنا بالحدّ من الإنجاب ونحن لم يبلغ عدد السكّان عندنا بضعة ملايين، وهو عددٌ أقلّ بكثير من عدد سكّان قريةٍ صغيرةٍ نائيةٍ في الصين؟ أم أنّ الحدّ من الإنجاب يجلب لنا السعادة وراحة البال أكثر من القضاء على السرطان والقضاء على السكري والضغط وسائر الأوبئة المختلفة؟!
ولماذا نلحّ على هذه الدعاية البغيضة المشبوهة في بلدٍ عربيّ في الوقت الذي نجد فيه عدد المحتلين والمهاجرين اليهود إلى فلسطين في ازدياد يوميّ ولا نجد لدى الإسرائيليين دعاية مماثلة كي تحدّ من الإنجاب لديهم.
إنّ الاستجابة لمثل هذه الدعايات المشبوهة توفر على الاحتلال الإسرائيلي وعلى أعداء الأمّة إرسال طائراتهم ودباباتهم والمخاطرة بأرواح جنودهم في بلادنا من أجل التخلص من شبابنا، لأنّهم بالاستجابة لمثل هذه الدعاية يقتلون أبناءنا قبل أن يتشكلوا فكرةً في عقول آبائهم وأمهاتهم، ويأمنون خطرهم دون أن يخسروا رصاصةً واحدة أو يضحّوا بقطرة دمٍ واحدة من دماء جنودهم.
إنّ راحة البال التي تروّج لها هذه الدعايات هي في الواقع خطرٌ كبير على مجتمعنا، وهي تؤدي إلى إضعاف مناعته، كما أنها تؤدي إلى التفكك الأسري، لأنّ الإنجاب يحصّن المجتمع ويوطد أواصر العلاقات الزوجية ويزيد من تماسك الأسرة، بينما نجد أن عزوف النساء عن الإنجاب تحت تأثير هذه الدعايات قد يؤدي إلى انفصال الزوجين أو إلى أن يبحث الزوج عن زوجةٍ ثانية لديها الرغبة والاستعداد للإنجاب.
إننا جميعاً نطلب راحة البال لنا ولمجتمعنا، ولكن عن طريق العمل والإنجاز والإنجاب والاتكال على ربّ العالمين.