TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
نعمة أن تكون موضوعيا
20/07/2016 - 2:45pm

طلبة نيوز- د. هند أبو الشعر

ربما كانت الحادثة التركية ليلة الجمعة الفائتة فرصة العرب للتفكير بعقلانية ، وربما كان ما تابعناه على شاشات التلفزيون لحظة بلحظة يمنحنا فرصة لإعادة حساباتنا ، فقد انهمك العرب من أهل السياسة وأصحاب الفكر والقلم ، إلى أبسط الناس معرفة بالسياسة  في التحليل وإبداء الرأي ، وهذا مقبول تحديدا في الموضوع التركي لأننا ما زلنا نرتبط بالأتراك بشكل أو بآخر بحكم ميراث القرون الأربعة ، ولأن ما سيحدث  في تركيا سينعكس علينا في الإقليم ، شئنا هذا أم أبينا ، ولا ننسى أن السياسة التركية في العقد الماضي تدخلت سرا أو علنا في الشأن العربي بطريقة لا يمكن تجاهلها ، وتركيا العثمانية صنعت تاريخ أجدادنا ، لكن هذا ليس الآن من حق الدولة التركية التي لا تحكمنا  ، وليس من حق عرب اليوم أن يستعيروا ذاكرة الأجداد لأن التاريخ لا يعيد نفسه ، ولأن أجدادنا قبل قرن كانوا أجرأ منا ، وقالوا بالفم الملآن : ( كونوا عربا وكفى  )  ، فقد فجعتهم السياسة التركية وقتلت فيهم الرأي واغتالت أصحاب القلم والرأي والفكر والصحافة ، وعلقهم سيئ الذكر “ جمال باشا “ على أعواد المشانق ، وأهان الأسر الشامية ونفاهم إلى الأناضول وغير الأناضول ، وكان انفصالنا عنهم محتما ، لأننا لسنا أتراكا ، ولنا عقولنا ومقدراتنا التي تعطينا الحق في الحرية والاستقلال ، منحتنا زمن التحرر من حكم الغرباء ، ولأن زمن الإمبراطورية العجوز كان  في الرمق الأخير  ،  إلا أن الذاكرة العثمانية وما تركته من جراح في عرب مطلع القرن العشرين ، ليست مبررا للقطيعة .  وقد  عرف عرب الثلاثينيات  والأربعينيات حالة من التسامح وفتحت الدول العربية المنفصلة عن السلطنة العثمانية باب العلاقات الطيبة مع الدولة التركية ، وتم عقد المعاهدات وتبادل الزيارات ، رغم أن تركيا المعاصرة أدارت ظهرها للشطر الآسيوي وانفتحت على أوروبا والغرب بكل ما تملك من قوى سياسية واقتصادية ، ورغم  أن الأتراك اقتطعوا لواء الإسكندرون بدم بارد بمساندة فرنسا  ، لكن الدول العربية والشعوب العربية لم تشعل نار العداء مع تركيا ، مع أن جراحنا كانت طرية بعد ، في  ميادين دمشق وعاليه ، ويبدو ببساطة أن الذاكرة العربية أسدلت الستار على المشاهد المؤلمة ، وفتحت بابا للمستقبل الذي يقبل المصالح مقابل النسيان .  كل هذه المعطيات استيقظت فينا فجأة مع بداية نقل أخبار الانقلاب التركي ، لتجد عربنا يصطفون مع “ السلطان “ ..! يا الله ، قرن من الاستقلال والدماء الزكية العربية من أهالي الشام والعراق والحجاز واليمن و التي عرفتها الميادين العسكرية ، نسيها “ بعض العرب “ وهم يحملون “ صور أردوغان “ وكأنه سلطان العرب ..! وهو الرجل الذي تصالح مع إسرائيل قبل زمن قريب ونسي “ مسرحيته “ في زمن مذابح غزة ، لقد نسى عربنا تراجعه عن موقفه ومد يده نحو إسرائيل ، ومع ذلك رفعوا صورته وعجت وسائل التواصل الاجتماعي العربية نصرة “ للسلطان “ الذي أدار لنا ظهره ، وبالمقابل ، فقد طغت على آخرين نبرة التشفي بالسلطان الذي اضطهد أهل الصحافة والإعلام والسلك القضائي التركي ، فضلا عن التنكيل برجالات الجيش التركي ، وما أدراك ما هو الجيش التركي ..؟ إن من لا يقرأ تاريخ تركيا الحديث والمعاصر يجهل هذا الجيش ، ويتحدث بتهميش عن “ حكم العسكر “ ...! لقد كشفت لنا هذه التجربة التركية عن ضعف موقف عربنا ، وعن هشاشة المواقف التي تقوم على الأحكام العاطفية ، وهذا يعني ببساطة أننا لا نملك منهجية تحصن تفكيرنا ، لقد عرفنا ونحن نتابع ردود الفعل المحلية والعربية أننا نفتقر إلى الرؤية الموضوعية لأن مدارسنا وجامعاتنا ومؤسسات الرأي العام لا تعلمنا هذه الروح في التفكير ، انكشف عقم التفكير عند المؤيدين أو المعارضين للسلطان الجديد على حد سواء .. وسيكتشف كل طرف الفجيعة قريبا ، ليعرفوا أنها السياسة التي لا دين لها ، وأن مصالح تركيا هي الأساس ، أما السلطان الجديد فسيستمع بقصره  الجديد وبالغرف التي تصل إلى ثلاثة آلف غرفة ، وسيشدد قبضته على الصحافة والإعلام والقضاء والمعارضين العلمانيين في صفوف الجيش ، ولن يشكر “ عربنا “ الذين رفعوا صوره  ،  في حين يغرق “ عربنا “ باستعادة ذاكرة الأجداد .

التعليقات

Samir altaweel (.) الاربعاء, 07/20/2016 - 19:47

كلام رائع يثلج الصدر
استعبدونا اربعه قرون و ما زلنا نلهث ورائهم
انه الحب الزائف من طرف واحد

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)