طلبة نيوز- د. أحمد بطَّاح
لا أحد يستطيع التنبؤ باليوم التالي للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ولكنَّ الكل باتّ يعتقد أنه لا بدّ من أن يكون هناك "حل ما" للمعضلة الفلسطينية، ولعلّ أبرز الحلول التي يتوافق عليها المجتمع الدولي حتى الآن هو "حل الدولتين" أيّ إقامة دولة فلسطينية (تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة) على حدود الرابع من حزيران1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
ولكنْ.... هل الظروف المحلية والإقليمية والدولية مواتية لتبني هذا الحل وتطبيقه على أرض الواقع؟. إنّ الأطراف الفاعلة والمعنية بهذا الموضوع هي: الولايات المتحدة، وإسرائيل، والفلسطينيون، والدول العربية (وبالذات الدُول المجاورة لإسرائيل)، ولعلّ من الواضح أنّ البيئة السياسية في معظم هذه الدول (إن لم نقل كلها) ليست ناضجة بعد لتبني مُدخل "حل الدولتين" وتطبيقه، وللتدليل على ذلك فإنّنا نبيّن ما يلي:
أولاً: بالنسبة للولايات المتحدة: تعيش هذه البلاد سنة انتخابية حيث من المرجح أن ينافس فيها الرئيس الحالي "بايدن" عن الحزب الديمقراطي الرئيس السابق "ترامب" عن الحزب الجمهوري، ولذا فإنّ من غير الممكن أن تقوم الولايات المتحدة بممارسة أية ضغوط حقيقية على إسرائيل لقبول "حل الدولتين" إذْ ما يهم المرشحين في هذه السنة الانتخابية هو كسب اللوبي اليهودي النافذ في الانتخابات، وبخاصة مع تلقي إسرائيل "للطمة" هائلة في "السابع من أكتوبر" وحاجتها إلى المساندة لا إلى المساءَلة الأمر الذي يترتب عليه إرغامُها على قبول حل لا تعتقد أنه في مصلحتها.
ثانياً: بالنسبة لإسرائيل: من المعروف أن إسرائيل تعيش حالة حرب الآن ولذا فإن مجتمعها مُعبأ بشكل عام ضد الفلسطينيين وفي حين أنّ الإسرائيليين منقسمون إمّا مع نتنياهو أو ضده فإنّ أغلبيتهم ضد إقامة دولة فلسطينية في إطار "حل الدولتين"، ومن المُلاحظ تماماً أن اليمين الإسرائيلي يُهيمن على المشهد السياسي حيث تلاشت حركة اليسار تقريباً (التي تمثلها ميريتس)، ولم تستطع أن تتجاوز حتى ما يسمى "العتبة الانتخابية" أيّ ما يقارب 3% من أصوات الناخبين، ولذا فإنّ من غير المستغرب في مثل هذا المُناخ سماع أصوات متطرفة من اليمين الإسرائيلي يطالب بعضها (إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي وزعيم القوة اليهودية) بتهجير الفلسطينيين، ويطالب بعضها الآخر (سموتريتش وزير المالية وزعيم الصهيونية الدينية) بعودة الاستيطان إلى قطاع غزة!
ثالثاً: بالنسبة للفلسطينيين: وهم موزعون بين السلطة الوطنية الفلسطينية التي تتبنى الحل السياسي، وتؤمن بما يُسمى "الشرعية الدولية"، وبين حركات المقاومة (وبالذات حماس) التي تؤمن بالكفاح المُسلح لنيل الحقوق الفلسطينية، وفي حين أن فصائل المقاومة الفلسطينية تخوض الآن معركة باسلة ومُشرّفة ضد الجيش الإسرائيلي فإنها لا تحظى بالقبول الدولي الرسمي بينما تحظى السلطة الوطنية الفلسطينية بهذا القبول الرسمي ولكنها تخسر من الجهة الأخرى -وبشكل متزايد- قبول الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يفرض إجراء انتخابات نزيهة تفرز قيادة فلسطينية مُمثِّلة، وهو ما لا تريده دول الغرب وإسرائيل حيث تعرف هذه الدول أن مثل هذه الانتخابات سوف تتمخض على الأرجح عن فوز "حماس".
رابعاً: بالنسبة للدول العربية: إنّ من الواضح أن الدول العربية فقدت "الثقل" اللازم الذي يُمكنها من فرض "حل" ما أو ترجيح "حل" على حلٍ آخر، فالجامعة العربية - وهي مظلة العمل العربي المشترك - لم تعد تملك الديناميكية اللازمة للعمل الفاعل، وليس هناك - حتى الآن على الأقل – دولة "قاعدة" في العالم العربي تملك التأثير على المجموع العربي وتستطيع استقطاب الآخرين وتوجيه جهودهم باتجاه هدف عربي عام، ولعلّ المعركة الدائرة حالياً بين إسرائيل وحماس على أرض قطاع غزة قد كشفت بوضوح مستوى العجز العربي بحيث أصبح المواطن العربي العادي يتساءَل بينه وبين نفسه: هل نحن ضعفاء إلى هذه الدرجة؟ ألا نملك أية أوراق نضغط بها على إسرائيل والولايات المتحدة لإيقاف عملية "الإبادة الجماعية" التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني وعلى مسمع ومرأى من العالم أجمع؟
خامساً: بالنسبة للمنظومة الدولية: تتشكل هذه المنظومة في الواقع من "الولايات المتحدة" والدول الغربية الدائرة في فلكها (كالاتحاد الأوروبي) وبريطانيا من جهة، ومن أقطاب آخرين لهم أهميتهم كروسيا والصين من جهة أخرى، ومن الواضح أن الدول الغربية ما زالت تملك النفوذ الأقوى على مسرح السياسة الدولية وهي التي تستطيع (وبالذات الولايات المتحدة) ممارسة ضغط حقيقي على إسرائيل باتجاه قبول "حل الدولتين"، أما الأقطاب الأخرى (روسيا والصين تحديداً) فإنهم يملكون بعض النفوذ ولكنه غير كافٍ لفرض توجه سياسي ما في مواجهة الطرف الآخر.
إنّ الحقيقة المُرّة هي أنّ البيئة السياسية المحلية والإقليمية والدولية ليست ناضجة بعد لتبني ما قررته الشرعية الدولية بشأن المُشكِل الفلسطيني وهو إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
ولكنَّ الدُنيا تظل "حُبلى" بالمتغيرات دائما!!
اضف تعليقك