TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
أبطال من بلدي : معالي الفريق المتقاعد سميح البطيخي 
17/03/2019 - 9:30am

بقلم الدكتور عارف بني حمد 
إن مهمة الكتابة عن أبطال ورجال الظل مهمة صعبة ، نطرا لطبيعة عمل الجهاز السرية وحساسية معلوماته ، وبالتالي لا يمكن للكتابة عن رجال دولة من جيل العطاء والبناء والتضحيات ان تنصفهم، لكنها محاولة لايفاء بعض هؤلاء الكواكب المشرقة جزءا من حقهم علينا ، ومما تقتضية طبيعة المعلومات الحساسة ، وحساسية الوضع العام في الدولة .
وفي ظل الظروف الصعبة والدقيقة من عمر هذا الوطن الحبيب، هناك صعوبة عند الكتابة عن أحد رجالات الوطن الكبار أصحاب الإنجازات الكبيرة، الذين عملوا في جهاز المخابرات بجد وإخلاص ليلا ونهارا وهجر منزله وسكن في مكتبه ، كان يعمل في كل الأيام والعطل وحتى أيام الأعياد تجده في مكتبه، وكان أطفاله يحضرون لزيارته في مكتبه ، إنه بطلنا اليوم معالي الفريق المتقاعد سميح بدر الدين ذيب البطيخي/ أبو الهيثم (مواليد عمان 1943، بكلوريوس حقوق جامعة القاهرة 1967 ، مدير مخابرات ومستشارا لجلالة الملك لشؤن الأمن القومي برتبة وزير 1996- 2001، عضو مجلس أعيان 2001 ). 
هذا الرجل كان مدرسة في العمل الإستخباري والسياسي والإداري والإتيكيت ، رجل بحجم الأردن ، تشرفت بالعمل معه مباشرة عام 1986 وكان يحمل رتبة عقيد وقتها ، وتتلمذنا على يديه . هذا الرجل المخلص والوفي للقيادة الهاشمية، حظي بثقة مطلقة من لدن جلالة الراحل الكبير طيب الله ثراه .
ولهذا الرجل من إسمه نصيب من حيث السماحة والإحترام واللباقة وهو شخصية قيادية كاريزمية فذة ، ذكي جدا ومثقف، صانع قرار وجرئ ومحترف جمع الجانب العملياتي والتحليل السياسي، ذو كفاءة إدراية متميزة إعتمد الكفاءة والإنجاز فقط معيارا للتقييم ، مخلص ووفي في عمله مع رؤسائه وكان يحظى بثقة أحمد باشا عبيدات وطارق باشا علاء الدين ومصطفى باشا القيسي . ويكفي شهادة أحمد باشا عبيدات بهذا الرجل عندما تولى سميح باشا إدارة الجهاز وسئل عنه حيث أجاب "بأن هذا الضابط كان مبيضا لوجه الجهاز منذ كانت رتبته نقيبا" ، فهو مفخرة أردنية بإمتياز يصعب تكرارها .
وتولى سميح باشا إدارة الجهاز في ظل ظروف إستثنائية صعبة وتحديات كبيرة واجهتها الدولة الأردنية أبرزها : 
1. تحدي المرض الخطير لجلالة الملك الراحل الكبير وعلاجه في الولايات المتحدة ، وكانت أولوية الجهاز الحفاظ على أمن النظام وإستقرار الدولة، في ظل هذه الظروف الصعبة . وقد منح الراحل العظيم سميح باشا صلاحيات إستثنائية للسيطرة على الأوضاع الداخلية بالتنسيق مع الأجهزة العسكرية والأمنية الأخرى لضمان أمن وإستقرار الدولة ، وأصبحت مركزية القرار في الدولة الأردنية بيد سميح باشا والجهاز ، وهذا ما تقتضيه نجاح إدارة أي أزمة، وكان على قدر كبير من المسؤولية والثقة الملكية ونفذ توجيهات جلالة الملك بحرفية وإقتدار. 
2. تحدي تغيير ولاية العهد ، فعندما إرتأى الراحل الكبير تغيير ولاية العهد ونقلها من سمو الأمير الحسن بن طلال الى سمو الأمير عبدالله بن الحسين آنذاك، لعب الباشا والجهاز دورا في توفير الأمن والإستقرار لإتمام هذه الخطوة بسلاسة وهدوء . 
3. محنة الدولة الأردنية بوفاة باني الأردن الحديث الحسين العظيم عام 1999، وقد أشرف سميح باشا والجهاز بالتنسيق مع الأجهزة الأخرى على تأمين جبهة الأمن والإستقرار الداخلي ، وتأمين نقل العرش طبقا للدستور الى جلالة الملك عبدالله الثاني ، وتأمين جنازة الملك الراحل، التي حضرها أكثر من أربعين زعيم دولة عالمية. 

4. تحدي التهديدات الإرهابية الخارجية ، حيث تصدى الجهاز مع تسلم الباشا لإدارته عام 1996 لمحاولات دول إقليمية (إسرائيل وإيران وسوريا) لتفجير الساحة الأردنية. فقد حاولت تنظيمات جهادية متطرفة إنطلقت من الأراضي السورية (بتمويل ودعم إيراني وتسهيلات سورية ) تنفيذ مئات العمليات على الساحة الأردنية ضد مصالح أردنية وغربية ، وكذلك محاولة إطلاق صواريخ من الأراضي الأردنية بإتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة لدفع إسرائيل لمهاجمة الأردن . وتم إحباط كل هذه المحاولات الإرهابية بفضل فعالية الجهاز (كفاءة إدارة الباشا وحرفية ضباط الجهاز ). وقام جلالة الملك الراحل بتسليم الرئيس الراحل حافظ الأسد والقادة العرب في القمة العربية في القاهرة ملفا سمي(الكتاب الأسود) بهذه الإستهدافات وبالتفصيل.
كما حاولت إسرائيل إستهداف الأمن الوطني الأردني بمحاولة تصفية قيادات فلسطينية على الأراضي الأردنية (محاولة إغتيال خالد مشعل )، حيث تمكن الجهاز من إعتقال الضباط الإسرائيليين ، مما أتاح الفرصة للراحل الكبير لإستثمار ذلك ومقايضتهم بإنقاذ حياة مشعل والإفراج عن الشيخ أحمد ياسين وآخرين .
5. تحدي الإحتجاجات الداخلية في عهد حكومة عبد الكريم الكباريتي على خلفية تدهور الأوضاع الإقتصادية ورفع أسعار الخبز، وتم إحتوائها أمنيا .
6. تحدي محاربة الفساد المالي والإداري ، إذ أوكل الراحل الكبير للجهاز مهمة مكافحة الفساد في القطاعين العام والخاص ، وتم عام 1996 تشكيل مديرية في الجهاز لهذه الغاية والتي عملت بكفاءة بقيادة الجنرال القوي والمميز ايضا سميح بينو وضمت ثلاثة أصناف (ضباط عمليات مخابرات ، ضباط عدلية أمن عام ، ومدعي عام من المجلس القضائي). وقد تشرفت بالعمل بهذه المديرية أكثر من سبع سنوات ، ولها من الإنجازات الكثيرة، الى أن تم فك إرتباطها بالجهاز عام 2005 ، بناءا على رغبة وتوصيات فريق الديجتال وتم تشكيل هيئة حكومية مستقلة .
كل هذه الظروف الإستثنائية في الدولة الأردنية سمحت للجهاز بالتمدد والتوسع بالصلاحيات والسيطرة على كل مفاصل الدولة الأردنية، وجعلت الباشا البطيخي يتبوأ مكانة لم يرتق إليها أي مدير مخابرات سابق ، مما زاد من أعدائه لدى مراكز القوى والنفوذ التي خسرت مواقعها في العهد الجديد، كما أصبح هدفا للمسؤولين الحكوميين الجدد الذين سعوا لتقليص صلاحيات الجهاز ومحاولة تحجيمه وحصره بالدور الأمني فقط . وبالتالي تكالبت كل الظروف على الباشا والتقت مصالح الحرس القديم والحرس الجديد بضرورة إنهاء مستقبل الباشا سياسيا وإخراجه من المعادلة السياسية الداخلية ، وهو ما حصل فعلا للأسف .
ورغم الجراح والظلم ، آثر سميح باشا أن يعيش في الظل ويبتعد عن الثرثرة والمهاترات، وكظم غيضه وحافظ على أسرار الدولة الأردنية ، رغم العروض التي عرضت عليه من قنوات فضائية للظهور في برامج تلفزيونية ، للإساءة للأردن ، إلا أنه رفض البوح بأي سر من أسرار الدولة الأردنية ، فهو مخلص ومنتمي لتراب الأردن والقيادة الهاشمية ، وذكر بأن الأسرار التي يحتفظ بها ستذهب معه الى القبر .
هذا هو بطلنا عمل وأنجز بصمت وخرج بصمت ويعيش بصمت وهدوء وراحة ضمير،هذا رجل وبطل يستحق الإحترام والتكريم وإعادة رد الإعتبار لما قدمه للجهاز والأردن من خدمات جليلية لا يعرفها إلا من عمل في الجهاز . فكل الإحترام والتقدير لمعالي الباشا أبو الهيثم وأطال الله في عمره .

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)