TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
أول جمعة من رمضان
02/06/2017 - 3:45pm

طلبة نيوز:

إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضل له، ومَن يُضلل فلا هادي له.

وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا.

أمَّا بعدُ:
فيا أيها الناس، اتقوا ربَّكم واشكروه؛ إذ فسَحَ في الآجال، ومدَّ في الأعمار، حتى أدركتُم هذا الشهر الكريم، والموسم العظيم، الذي يتجدَّد فيه النشاط في الطاعة، ويحصل فيه التنافُس بين المؤمنين في طلب أشرف غاية بأنْفَس بضاعة، فيقدِّموا بين يديهم عملاً صالحًا، يُسَرون به يوم تقوم الساعة، فكم في هذا الشهر الكريم لله على عباده من أنواع الإفضال، وكم يدَّخِر لهم عنده من الثواب على صالح الأعمال، وكم تحيا من قلوب كانتْ أسيرة الغَفلة والإهمال.

أيها المسلمون:
إنَّ شهر رمضان شهرُ الصيام والقيام، وقد ضَمِن الله لمن أدَّاهما عن إيمانٍ واحتساب مَغفرة ما تقدَّم من الآثام، وهو شهر البرِّ والصَّدَقات، والجُود والمواساة، والله يحبُّ المحسنين، وهو شهر أوَّله رَحْمه، وأوسطه مَغفرة، وآخره عِتْقٌ من النار، فما أعظم الجوائز! وما أجَلَّ الحوافز! فهنيئًا لأهل الإيمان والإحسان.

أيها المسلمون:
ومِن فضْل الله على عباده في هذا الشهر الكريم أنَّ الأعمال تُضاعَف فيه، فمَن تقرَّب إلى الله -تعالى- فيه بِخَصلة من خصال الخير، كان كمَن أدَّى فريضة فيما سواه، ومَن أدَّى فريضة فيه، كان كمَن أدَّى سبعين فريضة فيما سواه، وكما يُضاعَف العمل في هذا الشهر، فإنَّه يُضاعَف الثواب وبكثير الأجْر، وذلك من فضْل الله الكريم الجَواد، العظيم الرؤوف الرحيم، فمن فطَّر فيه صائمًا، كان مَغفرةً لذنوبه، وعِتقًا لرقبته من النار، وفي الصحيح عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((عُمرة في رمضان تَعْدِل حَجَّة))، وفي رواية: ((حَجَّة معي))، فما أعظم الثواب، والله يرزق مَن يشاء بغير حساب.

وفي هذا الشهر أيضًا ليلة القَدر خيرٌ من ألف شهر، مَن قامَها إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنبه، فما أيسرَ العمل، وما أكثرَ الثواب من الله الكريم الوهَّاب!

أيها المسلمون:
ومِن نِعَم الله الكبيرة الشهيرة في هذا الشهر أنَّ الله - تعالى - أنزَلَ فيه كتابه المبين؛ رحمةً للعالمين، ونورًا للمستضيئين، وعِبْرة للمُعْتَبِرين، وهُدًى للمتقين، يَهدي للتي هي أقوم، ويُذكِّر بالله العظيم الأكرم، وحُجَّة على المكذِّبين الغابرين، ونِذَارة للعُصاة من المخاطبين، ويدلُّ على الخير ويرغِّب فيه، وينبِّه على الشرِّ ويزجر مَن فيه مَيْلٌ إليه، جعَلَه الله شفاءً لِما في الصدور، وفرقانًا لأهْل الإيمان به عند اشتباه الأمور؛ ﴿ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [هود: 1]، ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾[فصلت: 42].

مَن تمسَّك به نَجَا، ومَن طلَبَ الهدى فيه اهْتَدَى، ومَن أعرض عنه وقَعَ في الهلاك والرَّدَى، فاتلوه واعتصموا به؛ فإنه يأخُذ بيد مَن تمسَّك به يوم القيامة، فيحاجّ عنه ويخاصم، ويشفع له حتى يُدْخِله الجنة، ويزج مَن أعْرَضَ عنه على قَفاه في النار؛ ﴿ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾[الزخرف: 43 - 44].

أيها المسلمون:
ومِن فضائل هذا الشهر الكريم، وجلائل نِعَم الله في هذا الموسم العظيم - أنَّه كان موعدًا لنصْر عساكر الإيمان، وغَلَبة جُند الرحمن، على حِزب الشيطان؛ مِن أهْل الكتاب والمشركين وعَبَدة الأوثان، ففي هذا الشهر وقَعتْ غزوة "بدر" الكبرى التي نصَرَ الله فيها عباده على أعدائه، مع ما كان عليه المسلمون من قِلَّة العدد، وضَعف العُدَد، فكانت الملحمة الأولى في تاريخ الإسلام التي طأطَأ فيها الكفرُ رأْسَه، وتحقَّق إفلاسُه، وفي ذلك امتنَّ الله على عباده بقوله: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون﴾ [آل عمران: 123].

وفي هذا الشهر المبارَك فتَح الله "مكة" البلد الأمين، على يدِ خليله ونبيِّه محمدٍ سيِّد الأنبياء والمرسَلين، فطهَّرَها الله من الأوثان والمشركين، وجعلَها دارَ إسلام دَهْر الداهرين، وهذا هو الفتْحُ الذي استبشر به أهلُ السماء، وضربتْ أطنابُ عِزِّه على مناكب الجَوزاء؛ إذ دَخَل الناس في دين الله أفواجًا، وأشرقَ به وجْهُ الأرض ابتهاجًا، فما أحوج أُمَّة الإسلام لتجديد الذكريات؛ لتعيد التمسُّك بالإسلام لترتفعَ من الكَبوات، وتتسلَّم زِمام الرِّيادة على الأُمم في جميع القارَّات.

أيها المسلمون:
والبركات التي أوْدَعها الله في هذا الشهر لعباده كثيرة، والخيرات التي هيَّأها لهم فيه وبسببه وفيرة، فاحمدوا الله على حُسن قضائه فيه، واشكُرُوه على ما هداكم إليه، وتنافسوا في أنواع البرِّ والخير فيه، وإيَّاكم أن تضيِّعوا فُرَص أيَّامه ولياليه، فلو عَقَلتُم حقًّا ما ادَّخَر الله لكم فيه، لتمنَّيتُم أن يكون الدَّهْرُ كلُّه رمضان؛ ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58].
فكونوا من الشاكرين، واحذروا من أعمال الكافرين الجاحدين؛ ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد﴾ [إبراهيم: 7].

فاتقوا ربَّكم واعبدوه، وصلوا خَمْسكم تُرضوه، وأدُّوا زكاة أموالكم تَشكروه، وصوموا شهركم مُحتسبين، وتنافسوا فيما شرَعَ لكم من أنواع الطاعات مُخلصين، وتوبوا إلى الله ممَّا سلف من خطاياكم نادمين مُستغفرين، وافتحوا على أنفسكم أبوابَ الرحمة، وخذوا بأسباب المغفرة؛ بإزالة العَداوة والبغضاء من قلوبكم، وترْك التشاحُن والهَجْر فيما بينكم، والعفو عن الناس والصُّلح بين أَخَوَيكم.

واعلموا أنَّ الصيام إنَّما شُرِع ليتحلَّى الإنسان بالتقوى، ويمنعَ جوارحَه من مَحارم الله، فيترك كلَّ قولٍ مُؤثم، وفِعل مُحرَّم، كالغِيبة والنميمة، والإفك والكذب والافتراء، والحذر من الغِشِّ والخداع، والظلم ونقْص المكاييل والموازين، والرِّبا والرِّشا، وغير ذلك من أنواع السُّحْت التي تمنَع قَبول الصَّدَقة، وإجابة الدعاء.

وليبتعدِ الصائم عن النظر الْمُحَرَّم، وسَماع الأغاني؛ فإنَّ سماع الغناء ينقصُ أجْر الصائم، ويجرُّ إلى أنواع المآثِم، ولو لم يكنْ منه إلا حِرمان صاحبه لذَّةَ تلاوة القرآن، لكَفَى.

واستكثروا - عباد الله - في شهْركم من أربع خِصال؛ اثنتان ترضون بهما ربَّكم، وهما: شهادة أنْ لا إله إلا الله، والاستغفار، واثنتان لا غِنى لكم عنهما، وهما: سؤال الله - تعالى - الجنة، والاستعاذة من النار.

واحرصوا على الضَّراعة بالدعاء عند الإفطار؛ فإنَّ للصائم عند فِطره دعوةً ما تُرَد.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾[البقرة: 186].

بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعًا بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كلِّ ذنبٍ، فاستغفروه يغفر لكم؛ إنَّه هو الغفور الرحيم.

رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/42875/#ixzz4iqecw8j1

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)