كتب أ.د. محمد الفرجات
الآن الساعة السابعة صباحا أنهيت مكالمة مطولة مع أستاذي البروفيسور إلياس سلامة؛ خبير وعالم الهيدروجيولوجي وكيمياء ونوعية المياه، وصاحب النماذج والنظريات التي سطرت أبجديات أنظمة الخزانات الجوفية في المملكة الأردنية الهاشمية، والذي نال درجات البكالوريوس والماجستير والدكتوراة من ألمانيا الغربية (آنذاك) عام ١٩٧٥، ليتعين مباشرة في قسم الجيولوجيا/كلية العلوم في الجامعة الأردنية.
هنأته بهيد الفصح وقلبنا معا شريط ذكريات مشرف بدأته معه عام ١٩٩٦ لأتتلمذ علم المياه على يديه وأيدي طالبه البروفيسور عمر الريماوي منذ ذلك الحين، حيث تخصصت لدى البروفيسور سلامة بالماجستير في مجال الكارست والمياه الجوفية وتقييم نوعيتها وحمايتها، وعملت معه مساعد باحث على العديد من مشاريعه المدعومة.
إلياس سلامة الذي شارف الثمانين عاما الآن وتقاعد من الجامعة الأردنية قبل اقل من عقد، ما زال في كامل صحته وعطائه، وكما تعودنا عليه يصحو الساعة الخامسة بعد الفجر ويبدأ يومه في البحث ومتابعة الإشراف على أبحاث طلبة الماجستير والدكتوراة، وكذلك العمل على أبحاثه العلمية المدعومة في مجالات المياه السطحية والجوفية ونوعيتها.
نستطيع القول بأن أستاذنا البروفيسور إلياس سلامة هو من أدخل علوم المياه للمملكة، وساهم بتخريج مئات الطلبة في هذا المجال، ممن عملوا على متابعة تقييم ودراسة وتدريس ونمذجة وحماية مياهنا، ومن خلال مواقعهم المختلفة في القطاعين العام والخاص، بل وقدموا مساهمات عالمية تذكر في هذا المجال.
الأردن الذي قدم أفضل النماذج العالمية في إدارة موارده المائية الشحيحة بالأصل بين المتاح والمطلوب؛ كالحصاد المائي، وتدوير المياه، وإدارة النوعية، وحماية الخزين الجوفي من التلوث، وتقييم كميات التغذية الجوفية والاستخراج الآمن، كان ذلك بالتأكيد على أيدي البروفيسور إلياس سلامة وكل من تخرجوا معه وبعده وعلى يديه في علم المياه.
بنى إلياس سلامة علاقات طيبة جدا مع ألمانيا بعد تخرجه، وساهمت كثيرا بجانب الدبلوماسية الأردنية وجهود الملك الراحل الحسين بن طلال طيب الله ثراه والملك عبدالله الثاني حفظه الله تعالى، بإستقطاب منح بمئات الملايين لتطوير قطاعنا المائي على مر الخمسة عقود الماضية.
وكان لتأسيس مركز الدراسات المائية بالجامعة الأردنية عام ١٩٨٠ على أيدي إلياس سلامة بعهد المرحوم د. عبدالسلام المجالي، أهمية كبيرة جدا وبالغة بتوجيه الدراسات وتقديم قاعدة معلومات مائية ضخمة، والمركز مستمر وشامخ ليومنا هذا، وبدأه البروفيسور سلامة بمبنى صغير فوق قسم الجيولوجيا وإستقطب له الدعم والأجهزة والخبراء والمشاريع، ليأخذ مكانة عالمية مرموقة ويصبح حجر زاوية علم المياه في المملكة.
بعلاقات البروفيسور سلامة تم إبتعاث عشرات الطلبة إلى ألمانيا للحصول على درجة الدكتوراة في علم المياه، على أيدي زميله وصديقه المرحوم بيتر أودلوفت في جامعتي ميونخ التقنية وجامعة فورتسبورغ، منهم من تسلم وزيرا للمياه، ومنهم أساتذة مياه في كافة الجامعات الأردنية، وخبراء مياه في كل مؤسسات القطاعين العام والخاص.
د. إلياس سلامة والذي تجاوزت أبحاثه العالمية في علم المياه الثلاثمائة بحث وكتاب، كان قد ترأس العديد من اللجان الوطنية لشؤون المياه أو كان أحد أعضائها، ورسم بعلمه وخبرته ونظرته الثاقبة مسارا للأمن المائي والإستقلال المائي في مملكتنا العزيزة.
ما زال أستاذنا في عمان الحبيبة، وأتساءل أمام خبراته وإنجازاته وعطائه أي وسام ملكي يستحق؟
اضف تعليقك