TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
الأزمات تأتي لتُعرَّي الحقائق لا أكثر
28/03/2020 - 1:00am

قد علمتم ما كان مِنّا مِن مألوفِ عيشنا ، وانتظام أَمرِنا، حتى أتانا ما كنا نخشى "جائحة كورونا"، قد تسامعنا بهذا الفيروس في أرض الصين، وأدركنا سوأتهُ قبل أن يُدركنا، والجميع يعلم ما صنعته تلك الجائحة بدول كبرى، ومَن تقفى أثرَ هذا الوباء، يعرف أنه حطَّ برحالةِ في دول ذات قُربٍ جُغرافي كالعراق، ولبنان، وباتَ الإعلانُ عن وصول الضيف الثقيل للأردن مسألةَ وقت لا أكثر، إلا إذا استبقنا الفيروس بالإجراءات التي تمت قبل اسبوعين(حظر التجول، والحجر الصحي)، لا أن ننتظرَ وصوله، وانتشاره فيما بيننا، ثم نُحاربه بشتَّى الوسائل. 

كان بمقدرونا أن ننتصر في حربنا على الكورونا دون خوض أي معركة، فلو أغلقنا الحدود، و أدخلنا القادمين في الحجر الصحي، لاستطعنا أن نحافظ على خُلونا منه في الداخل، أما مَن أتى مصاباً به مِنَ الخارج، فسيكون ضِمناً في الحجر الصحي، و بهذا نكونُ قد سيطرنا عليه، وربحنا الحربَ قبل أن تبدأ، لكنّنا اخترنا لأنفسنا الطريقَ الأصعب، بعدَ أن بقينا مكتوفي الأيدي، حتى إذا تفشى بيننا استنفرنا له، وعمدنا إلى حظر التجول، وملاحقته هُنا، وهُناك، فبدلاً من أن نربحَ حرباً سِلميةً دون أن نُطلق رصاصة واحدة فقط ، اخترنا حرباً لعدة جولات، وجولات، وسندفع لها ثمناً، وأذىً كان بإمكاننا تجنبه. 

نُقدِرُ كل الجهود، والمحاولات المتبعة في وأدِ "جائحة كورونا"، بل إنَّنا نُثمنها، ونُثني عليها، إلا أنَّ استباقَ الإجراءات قبل وصوله حتماً سيُجنبُ البلاد، والعباد مِن تلك المُصيبة، ويحميها مما هي فيه، ويحمي اقتصادها، ويضمنُ استمرارية نشاطها المعهود، فجائحة كورونا خلَقَت جائحة اقتصادية كبيرة، سيكونُ لها أثراً عظيماً، كانَ علينا أن نستبقَ الأحداث قبل حدوثها، نظراً لخطورته، وسُرعة انتشاره، بالإضافة لتواضع إمكانات القطاع الصحي إذا ما تمت مقارنته بدول أنهكها الفيروس، ولا ننسى أيضاً عشرات الأُلوف من اللاجئين السوريين في المخيمات، الذين يعيشون ظُروفا صعبة، وكيف ستأخذُ المُعضلة منحنى آخر لو وصل إليهم.

لا عَجَبَ فيما حصلَ من تدافع، وتهافت على مادة الخبز يوم الثلاثاء الماضي، وأنَّ ما حدثَ أضاعَ مجهوداً كبيراً لحصرِ الكورونا، وعلى الحُكومة أن تستعدَّ لليوم الرابعِ عشر بعد ذلك اليوم، فلربما انتقل الوباء فيما بينهم في خِضَّم معركة الحصول على الخبز، ومعرفة المُصابين سيكونُ مُمكناً بعد انقضاء فترة حضانة الفيروس، صحيحٌ بأنَّ الإلتزام كانَ غائباً تماماً عند فئة كبيرة، لكنَّ ما جرى كانَ مُتوقعاً، وطبيعياً، فالسياسات المُتعاقبِةُ للحكومات السابقة خَلَقَت شعباً يفتقد الوعي، ولا يُدرِكُ سلوكياته، فالسواد الأعظم منهم يُعاني الأمرين في تأمين قُوت يومه، وذاقَ مرارة الجوع، ويقبعُ تحت خط الفقر المُدقِع، وأضحى رهنَ الالتزامات المالية، ويحيى حياةً ضنكى، وفوقَ هذا كُله، خوفٌ مِن ارتفاع أسعار الخبز كسائر السلع الأخرى ممن سوَّلت لهم أنفسهم استغلال حاجة الناس في ذورة الأزمة، وقد لا تكونُ الذروة، فهي لم تأتِ بعد، فمَن أوصلَهم لهذه الحال المُفجعة، هو ذات الأمر الذي جعلهم يفتقرون للوعي، والإدراك. 

مهما أحاطت بالإنسان مخاطر فلن يكونَ بمقدوره أن يستغني عن أكله، وشربه، وهي حاجات فسيولوجية أكثرُ أهمية من حاجته للأمان، أما من يرى الموت كل يوم، وليس بوسعه تأمين قوته، ويُفضل الموت على واقعه الصعب، لن يعني له موضوع الفيروس شيئاً، بل إنَّ خوفه على حياته يراه رفاهيةً بالنسبة له، ولن يُشاركك اهتمامك بالحرص على عدم انتقاله، لأنه فَقَدَ معنى الحياة منذ زمن، ولا أسبابَ حياةٍ له إلا قُوتَ يومه، وخوفه الوحيد هو أن لا يجدَ خبزاً يُوارب جُوعه، ويواري جسده الذي أفسده قهر الحياة، فهو خائفٌ مِن هذه الحياة ويتمنى الموت، وأنتم خائفون من هذا الفيروس وتتمنون النجاة، وهو يرى موته في عيون الحياة، وأنتم ترونَ حياتكم في النجاة مِنَ الموت، فكيفَ إذا كنتم أمواتاً قبل أن تموتوا، هل تعني لكم الحياةُ شيئاً؟ فلن تكونَ الكورونا الا سكرةً مِن سَكَرَاتِ موتكم في حياة مُميتة، وما أهون سَكرةَ موتٍ واحدةٍ أمامَ السَكَرَات كُلها! وما أهونَ الفيروس أمام موتهم مِن الجُوع، واعلموا أن الذي دفعهم لهذا التصرف الخاطئ هو فقرهم، وليس جهلهم، والإثنان يحملان مخزوناً واحداً مِنَ الخطر، كلكم تعلمون أن العرب في البادية كانوا يقتلون بعضهم بعضاً في سبيل الحصول على المأكل، فيما كان يُطلق عليه اسم "الغزو"، وما حملهم إلى ذلك هو غريزة البقاء بحثاً عن مصدر رزق لطعامهم، والسيطرة على أماكن تواجد الماء، فالذي دفعَهم إلى قتلِ بعضهم في الغزوات، هو الذي جعلَ البعض يدخلون في معركة الحصول على الخبز في يوم الثلاثاء. 

الأزمات تأتي لتُعرَّي الحقائق لا أكثر، وتكشفَ النقاب عن مواطن الزلل، والأخطاء الفادحة التي لا تُغتفر، وتنفضَ الغبار عن مواطن التقصير بحق الأوطان، واعلموا أن الهزيمة، والهلاك، لن تكونَ حصيلة أمر واحد فقط، أو نتاجَ يوم واحد، إنما هي محصلة أمور مُجتمعة، وخُلاصة سنوات مِنَ الإهمال والإغفال في حق الأوطان، فأنتَ عزيزي القارئ وما أنت عليه الآن من حال، ما هي إلا حاصل وتراكم السنين، وليست حاصل اسبوعين فقط من عمر الكورونا.

محمد امين المومني
Mo.almom16@gmail.com

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)