TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
الأكاديمي المتلون عار على الجامعة وخطر على المجتمع!
25/02/2020 - 5:45am

أ.د . محمد تركي بني سلامه
أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية فرصة غير مسبوقة للمواطنين ، في مختلف تكويناتهم الاجتماعية والفكرية للتعبير عن أنفسهم وآرائهم ومواقفهم، وفي هذا السياق برز نوع جديد من المثقفين والأكاديميين، و هو موضوع هذه المقالة ، الأكاديمي المتلون، فما هي سمات هذا النوع من الأكاديميين، وما هي آثار أفكارهم وكتاباتهم التدميرية على الجامعة والمجتمع والدولة؟
بداية لا بد من التأكيد على حقيقة استحالة إقامة علاقة بين العلم والجهل أو بين الاستبداد والحرية، والمثقف الواعي الأكاديمي الملتزم والمتزن لا يمكن أن يكون في صف الاستبداد، ولا يبيع نفسه للسلطة بأي ثمن، ويرفض ان يتبوأ أي مكان على حساب مبادئه وقيمه. أما الصنف الثاني فهو الذي يعرض إمكاناته- وهي متواضعة جدا بكافه المقاييس- للبيع لقاء مصالح خاصة وقصيرة الأمد، حيث يتم التعامل معه كما يتعامل هواة البغاء مع عاملات الدعارة.
سأتحدث بشيء من التفصيل عن هذا النوع من الأكاديميين الذين هم بحق عار على جامعاتهم ومجتمعاتهم. و من أبرز صفات هذا النوع من الأكاديميين عدم امتلاك أي قيم أو مبادئ فكرية أو دينية أو أخلاقية أو حتى التزامات إنسانية تجاه هموم وقضايا مجتمعاتهم. هذا الصنف المريض من الأكاديميين لا مانع لديه من الانتقال من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، بالأمس كان حراكياً ونشيطاً في الشأن العام، ومدافعاً عن حقوق العمال والمستضعفين، واليوم بعد ان أصبح في موقع المسؤولية، أصبح يعيب على الناس القيام بأي حراك مطلبي من اجل تحسين ظروف حياتها، لا بل أصبح يستقوي بالسلطة ويحرض على المطالبين بحقوقهم، وهم بالنسبة له عملاء و ربما خونه، وهو يبرئ نفسه من كل مواقفه في الماضي وعيوبه ونواقصه، وبنفس الوقت يتهم الآخرين بكل العيوب والنواقص. سبحان مغير الأشياء!. و في الوقت ذاته و عندما يكون عضواً في أحد مجالس أمناء الجامعات فهو يفتخر بهذ العضوية و عندما يخرج منها يعود لمهاجمة هذه المجالس و أعضائها !.
قد يكون هذا الأكاديمي المتلون قد تعلم في الغرب، فتعلم لغة أجنبية وحصل على شهادة علمية من الجامعة الغربية، إلا أنه مضى بشهادته من الغرب دون أن يستوعب أو يتعلم قيمه وثقافته وتجاربه، فمفاهيم الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة والمواطنة والدستور وحقوق الإنسان وغيرها من قيم إنسانية نبيلة، غريبة على سلوكه وتفكيره، ولذلك فهو بالمحصلة فارغ فكريا و سياسيا، وكافة طروحاته وأفكاره هشه وهزيلة، وهو في حقيقة الأمر لا يمتلك أي عنصر ثقافي أو معرفي، وهو مهمش تماما في مجتمعات الرقي والمعرفة، ولا وجود له أساساً، لأنه متلون وفاسد، ولا يمكن أن يكون له دور في نهضة المجتمع وتقدمه. فسلوكه يتغير تبعاً لمصالحه، فهو على استعداد دائم للتخلي عن قيمه ومواقفه، وبيع نفسه بثمن بخس.
الأكاديمي المتلون يحاول دائما البقاء في دائرة الضوء، من خلال الكتابة أو أي وسيلة أخرى، ومهاجمة حتى زملائه والأفكار التي تقع خارج دائرة مدركاته وانتقادها، وشتم أصحابها، والتحريض عليهم. وبالرغم من خواءه الفكري والثقافي فهو يتحدث بأفكار سطحية، وقد يجهل مضمونها، إلا أنه يستخدمها لتحقيق مآربه ومصالحه الضيقة، وقد يلجأ إلى إحداث مشاكسات تضر أكثر مما تنفع ، وتمس المجتمع والوطن، فالمهم هو أجندته وأهدافه.
هذا الصنف من الأكاديميين عندما يصل إلى موقع المسؤولية، يخلق مناخاً سيئاً وملوثاً ، ويشجع الناس على التناغم و السلوكيات المنحرفة والخاطئة، و خصوصاً عندما يتعلق الأمر بتهيئة الآخرين لقبول المزيد من التنازلات على حساب المصلحة العامة، ولذلك فانه يقوم بدور خطير في الجامعة والمجتمع، و هو بهذا يساعد على تكريس ثقافة النفاق والانتهازية، مما يؤدي في النهاية إلى تردي الأوضاع وانحدارها إلى الهاوية، لا بل وإفسادها.
إن الأكاديمي المتلون الذي يمارس التجارة الرخيصة والنفاق والتلون هو من أخطر الفئات على الجامعة والمجتمع، فهو ليس باستطاعته أن يكون صادقاً ومخلصاً ومصلحاً يقود الجامعة والمجتمع ويقدم العطاء دون منه أو مزايدات، لأنه لا يسعى إلا لتحقيق مصالحه الشخصية والآنية، ولا يخدم إلا الخراب والتسلط والطغيان والانحطاط.
ثمة فرق كبير بين الأكاديمي الملتزم والأكاديمي المتلون. فالأكاديمي الملتزم والمتزن يمقت السلطة والتسلط والطغيان،وينأى بنفسه عن المسؤولية إذا كانت على حساب القيم والمبادئ أو على حساب المصلحة العامة أو على حساب هموم وآمال وتطلعات الناس، ويترفع بالنزاهة والأمانة والاستقامة والإمكانات العلمية والثقافية، و يرفض المساومة ولديه شعور عال بالمسؤولية تجاه الآخرين.
وختاما، فإذا كان الأكاديمي المتلون المنتفع والمتزلف هو الذي يقود دفه الأمور، فابشروا بخراب الجامعات والمجتمعات. هذا النوع من الأكاديميين لا يمت للعلم أو الأخلاق أو القيم بصلة، ولا تتشرف الجامعة به إطلاقاً، وليعلم المسؤولون عن الجامعات، أن التاريخ لا يرحم ولا بد من شطب هذا النوع من الأكاديميين من مواقع المسؤولية في الجامعات، لأنهم لا يمتلكون حق البقاء.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)