TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
التجديد للإدارات الجامعية والأسس الجديدة لتعيين رؤساء الجامعات
19/03/2016 - 6:15am

طلبة نيوز- د. أحمد فرّاس العوران

أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأردنية

كلما اقتربت مدة تعيين إحدى الإدارات الجامعية على الانتهاء تنشغل الأوساط الاجتماعية في الأمر بين مؤيد للتجديد ومعارض له وتشكل اللجان ويتكلف المجتمع الشيء الكثير في سبيل ذلك. وهنا لا بد من التوقف عند مِدَد تعيين كل من رئيس القسم الأكاديمي، والعميد، ونائب الرئيس، ورئيس الجامعة وهي بالترتيب سنة واحدة، وسنتان، وثلاث سنوات، وأربع سنوات قابلة للتجديد. إن السؤال الذي يطرح نفسه هو: بخلاف جمالية تسلسل تلك الأرقام، أين تكمن حكمة المشرع في هذا الاختيار؟ لا شك أنه لا يمكن تعيين أحدهم رئيساً للقسم الأكاديمي لمدة تقل عن عام، وهذا منطقي، لكن هذا لا يفسر لنا باقي التسلسل المذكور.

كلنا يعلم أن الأوساط الاجتماعية أخذت منذ مدة غير قصيرة تصدر حكمها على أداء الحكومات التي تضطلع بمهام أكبر بكثير من مهام الإدارات الجامعية خلال المائة يوم الأولى من ولايتها. ومع أنه حكم مبدئي إلا إنه مؤشر جيد يبين إذا كان صاحب الولاية صاحب رؤية أيضاً أم أنه من الذين يوقعون البريد اليومي وحسب، ويقيناً لا يتطلب تشكيل تصور عن أداء الإدارة الجامعية الكثير من الوقت. فأما إذا كان ولا بد من الاستمرار في "عرس" التجديد من عدمه، فليعاد النظر في طول مدة تعيين الرئيس لتصبح ثلاث سنوات لا أكثر تجدد لمرة واحدة. وأما إذا أتفقنا على إنهاء موضوع التجديد، وهو الخيار الأفضل عندي، فإن تعيين الرئيس لمدة خمس سنوات فقط غير قابلة للتجديد هو ما أراه مناسباً، فإن أفلح الرئيس فبها ونعمت وتغييره يدخل دم جديد وربما رؤية جديدة، وإن لم يفلح فخمس سنوات أقل ضرراً من ثمانية منها. ودعنا نتصور (!) أن أداء إحدى الإدارات جاء دون المستوى المطلوب، فهذا يعني أن التردي سيستمر لثماني سنوات عجاف وعلى الإدارة التالية إما أن تعمل على اصلاح ما فسد، إن استطاعت، وإما أن تبني عليه، وكلاهما خيار مر، لتتشكل عندها سلسلة من التردي، أو لعلها تشكلت آخذاً بعين الاعتبار ما يدور حالياً من حديث عن الوضع الحرج للتعليم العالي. لهذا وفي ظل انعدام المعايير المحايدة والمقبولة للاختيار فإن قصر المدة الممكنة من ثمان سنوات إلى خمس منها هو الأفضل إذ إن درء المفاسد أولى من جلب المنافع.

ويتردد حالياً في وسائل الإعلام، وعلى عهدتها، عن توجه مجلس التعليم العالي نحو إتباع أسس جديدة لاختيار رؤساء الجامعات مستنبطة، كي لا يقال مستوردة، من الآليات المتبعه في الجامعات الأوروبية والتي تقوم على نظام الترشيح من قبل "لجنة متخصصة" أو "جهات ذات علاقة" بحيث يتم ترشيح شخصيات لها "تاريخ أكاديمي". إن صح هذا، فإننا سنعود مرة أخرى إلى المربع الأول. إن "اللجنة المتخصصة" و "الجهات ذات العلاقة" ما هي إلا مسميات جديدة للجان قديمة، وستتشكل هذه من أفراد يرتبطون بشكل أو بأخر بمن سيشكلون اللجان، وهذا أمر طبيعي إذ إن فاقد الشيء لا يعطيه وكلٌ ينفق مما عنده، فكيف يرشح أحدهم من لا يعرفه؟ منذ زمن ليس بالبعيد كان الرأسماليون يسخرون من الاشتراكيين قائلين لهم: "من يخطط المُخططين؟" ونحن بدورنا نقول، دون سخرية: من يشكل اللجان أو يختار الجهات ذات العلاقة؟

من ناحية أخرى، وعلى أهمية التاريخ الأكاديمي، هناك أبعاد أخرى يجب توافرها في شخص الرئيس إلى جانب التمتع بالقيادة والنزاهة والشفافية، وعلى رأسها الاهتمام بالجامعة والعمل من أجلها على مدى السنوات السابقة الأمر الذي لا يعرفه إلا أهل مكة، وهم قطعاً أعضاء الهيئة التدريسية والعاملين والطلبة. لهذا يتوجب انتخاب الرئيس من قبلهم، لكني أعلم أنه وللأسف ستساق الكثير من الحجج الواهية لعدم القيام بذلك، ولكن وكما اقترحت سابقاً فلينتخب في الأقل كل من رؤساء الاقسام والعمداء، كي لا يستأثر الرئيس بالسلطة كما يبدو من واقع الحال، وأن يأتي تعيين الرئيس من داخل الجامعة لا من خارجها. المفارقة العجيبة، بل قل من سخريات التعليم العالي الأردني، أن تكون الجامعة الأردنية قادرة على توفير أكبر عدد من رؤساء الجامعات الأخرى لكنها وبقدرة قادرة تصبح عاجزة عن أن توفر هذا لذاتها! إن القادم من الخارج لم يعاصر قطعاً بعض من تاريخ الجامعة بكل تفاصيله وهذا أمر ضروري لنجاحه، وهو لا يعلم بالضرورة ما القرارات الخاطئة التي اتخذت وكان يجب إلغاؤها منذ سنين، وما القرارات التي اتخذت على مدى السنوات الماضية ولم يعاد النظر بها، وما القرارات التي لم تتخذ قط منذ الأيام الأولى للجامعة إلى الآن وكان يجب اتخاذها. لهذا فإن القادم من الخارج لن يدخل إلى مكتبة برؤية واضحة عمّا يجب عليه فعله لأن الواقع من صنع الماضي الذي يجهله، وعليه فإنه لا بد وأن يبدأ من مرحلة التعرف واكتشاف الواقع التي قد تطول أو تقصر. ومما يزيد الطين بلة أن العرف الجاري لا يطبق واحدة من ابجديات الإدارة إذ لا تسليم ولا استلام يجري بين المغادر والقادم وعلى كل المستويات، وكل مغادر يعمل على تنظيف مكتبه ويغادر مكانه دون أن يلتقي مع القادم ولو لفنجان من القهوة ناهيك عن أن يلتقيه ليطلعه على ما كان منه وما خطط، إن خطط، للعمل عليه كي يتواصل البناء. وهذا غيض من فيض.

 

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)