TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
التربية لا تسبق التعليم! صححوا مفاهيمكم..
26/10/2019 - 8:15am

د. مفضي المومني.
نسمع ونردد كثيرا مقولة أن التربية تسبق التعليم، ويردد هذه المقولة اعلام وعلماء مثلما يرددها العامة من الناس، ولي في هذا قول آخر، إذا أن التربية بمعناها الحقيقي لا يمكن أن تسبق التعليم، اذا علمنا أن التربية هدف يراد إحداثه لدى الفرد، إذا كنا نتحدث عن تربية الإنسان فردا أو جماعة، والتربية للإنسان بمجملها لا يمكن أن تتم إلا من خلال التعليم مقصودا أي نظاميا(في المدرسة والجامعة وغيرها ويكون محددا بزمان ومكان ونظام أي مخططا له) أو غير مقصود (وهو التعلم من خلال البيئة وبشكل غير محدد بزمان ومكان أي غير مخطط له)، وهما في النهاية حصيلة ما نتأثر به كبشر ، ونستقبله من خلال حواسنا، ويتدرج أولا بالإستقبال ومن ثم التخزين في الذاكرة طويلة المدى ومن ثم الإسترجاع على شكل سلوك وهذا السلوك يكون إما ناتج عما اكتسبه الجانب العقلي ( Cognitive Domain ) عند الفرد على شكل معرفة (Knowledge) ، أو ما اكتسبه الجانب الوجداني أو العاطفي(Affective Domain) عند الفرد على شكل إتجاه (Attitude)، أو ما اكتسبه الجانب النفس حركي أو الجسدي (Psychomotor Domain) عند الفرد على شكل مهارة (skill)، فنحن جميعا نؤثر في محيطنا وبيئتنا ومهنتنا ووظيفتنا وحيثما كنا من خلال مجموعة من السلوكات التي إكتسبناها(والمكتسب هو المتعلم) وغير المكتسب هو سلوك فطري محدود جدا خلقه الله في كل منا لكي نستمر في الحياة عند الولادة إلى أن تحصل لنا التربية او نتعلم، مثل الرضاعة، فالطفل يرضع فطريا دون أن يكون علمه أحد ذلك، ولو إنتظرنا لحين تعليمه الرضاعه يكون قد مات جوعا، إذا العملية التعليمية بأشكالها وحيثياتها هي التي تحقق التربية لدى الفرد، وهي التي تبلغ الفرد إلى ارفع أوجه كماله، وهي التي تكسبنا السلوك وتبقي استمراريته وثباته حتى نقول أن التعلم قد حصل، وأنه ظهر من خلال السلوك بأنواعه، وللعلم المعرفة والإتجاه لا يمكن الإستدلال عليهما بشكل مباشر لدى الفرد، بل بشكل غير مباشر، ولهذا نلجأ للإمتحانات الكتابية والشفوية لنستظهر المعرفة والإتجاه لدى الفرد أو المتعلم أو نلاحظ السلوك المبني عليهما، اما المهارات العملية والتطبيقية لدى الفرد فيستدل عليها بشكل مباشر من خلال الحواس، من هنا يتضح أنه لا تحصل التربية دون تعليم، وأن التعليم والتعلم عمليه متكاملة تهدف إلى التربية للفرد، ومن ثم المجتمع، كما جاء في الأدب التربوي، حيث تعريف التربية: التعريف اللغوي: لقد عَرَّف اللُغَويُّون وأصحاب المعاجم لفظة التربية بأنها : ( إنشاءُ الشيءِ حالاً فحالاً إلى حَدِّ التمام ) و ( ربُّ الولدِ ربّاً : وليُّه وتَعَهُّدُهُ بما يُغذِّيه ويُنمِّيه ويُؤدِّبه…) . والتعريف الاصطلاحي: هي مجموعة العمليات التي بها يستطيع المجتمع أن ينقل معارفه وأهدافه المكتسبة ليحافظ على بقائه، وتعني في الوقت نفسه التجدد المستمر لهذا التراث وأيضا للأفراد الذين يحملونه. فهي عملية نمو وليست لها غاية إلا المزيد من النمو، إنها الحياة نفسها بنموها وتجددها. وهنالك تعريفات اخرى للتربيةمنها:
يعتقد Herbart أنَّ علم التربية هو : " علم يهدف إلى تكوين الفرد من أجل ذاته، وبأن توقظ فيه ميوله الكثيرة "
أمّا Durkheim فيرى فيها " تكوين الأفراد تكويناً اجتماعياً "
أمَّا الفيلسوف النفعي J. Mill فيرى أنَّ التربية هي "التي تجعل من الفرد أداة سعادة لنفسه ولغيره".
ولكن John Dewy يرى أنَّ التربية " تعني مجموعة العمليات التي يستطيع بها مجتمع أو زمرة اجتماعية ، أن ينقلا سلطاتهما وأهدافهما المكتسبة بغية تأمين وجودها الخاص ونموهما المستمر . فهي باختصار" تنظيم مستمر للخبرة المطلوبة والمرغوبة.
من هنا علميا التربية لا تسبق التعليم، فعملية التعليم والتعلم هي أساس التربية، أما ما يذهب إليه الناس في مقصدهم من مقولة التربية تسبق التعليم هو ذهابهم وقصدهم للأخلاق الحسنة التي يجب ان يتصف بها المتعلم، وأيضا هذا لا يصح ايضا إذا علمنا أن التربية الحديثة تعتمد التربية المتوازنة والتي تهتم بشكل متوازن بالعقل والقلب واليدين كناية عن الجوانب العقلية والوجدانية والجسدية او النفس حركية عند الإنسان، أي تعلم الأخلاق والصفات الحسنة على موازاة تعلم العلوم المختلفة، وبموازاة تعلم المهارات التطبيقية والعملية لها، ولو صحت مقولة الناس بأن التربية وقصدهم الاخلاق تسبق التعليم فهو إختزال للتربية بجزئية الأخلاق وهي جزئية من مجموعة من محددات الجانب الوجداني مثل الحب والغضب والقلق و الإحترام والتواضع والشجاعة والكرم… الخ، هذا عرض يمثل وجهة نظري في هذه المقولة التي نرددها واعتقد أننا نخطئ بذلك، فلا يجوز تصغير مفهوم التربية الواسع وحصره بجزئية الأخلاق، إذا امتثلنا للمقولة، ولا تصح المقولة إذا علمنا أن التربية غاية نحققها بالتعليم والتعلم… .حمى الله الأردن.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)