طلبة نيوز- د. مفضي المومني

ونحن بانتظار نتائج الثانوية العامة، ودخول الطلبة والأهالي في مرحلة ما بعد النجاح في التوجيهي وهي مرحلة تحدد وجهة الفرد ومستقبله العملي، ويدخل الطالب الناجح وذويه في حسابات المعدلات والقبول، وأي التخصصات يختار، وفي كثير من الأحيان يقوم خريجو الثانوية بتعبئة طلب القبول الموحد للجامعات بتخصصات ليست من ضمن ميولهم أو اتجاهاتهم أو قدراتهم لأنهم محكومون بمعدلات القبول، وينتج عن ذلك دراسة تخصص لا يرغبه الشخص، وفي غالب الأحيان لا يجد فرصة عمل فيه، ناهيك عن إن دراسة الشخص لتخصص لا يرغبه لمجرد الحصول على الدرجة الجامعية لإرضاء المجتمع وثقافتنا المغلوطة في هذا المجال، ينتج خريجين غير أكفاء وليس لديهم طموح وغير قادرين على التطور المهني، وزيادة نسب البطالة، وما يتبعها من مشاكل اجتماعية واقتصادية على مستوى الفرد والمجتمع، مما ينعكس سلبا في النهاية على الوضع الاقتصادي والاجتماعي للدولة. 
ومن خبرتي ومعرفتي العملية وتخصصي في مجال التعليم التقني، ومن خلال دراسات مسحية، فهنالك ضعف في عملية الإرشاد والتوجيه المهني للطلبة في المرحلة المدرسية، وهي العملية التي تؤمن الاختيار الصحيح للفرد للمهنة التي تتناسب مع ميوله واتجاهاته وقدراته وسماته الشخصية، وتؤمن للمهن أفراد يلبون متطلبات المهن المختلفة من مهارات وكفايات ومعارف تحتاجها، وهذا التوافق يعتبر هدفا أسمى في الدول المتقدمة فنجد التركيز عليه بأعلى مستوياته، حتى أن هذه الخدمة أي خدمة الإرشاد والتوجيه المهني في الدول المتقدمة، تقدم من خلال مراكز متخصصة ويدفع المستفيد البدل المادي لذلك، إضافة إلى محدودية العرض للوظائف لحملة شهادة البكالوريوس في كل التخصصات تقريبا إذا علمنا أن أعداد الطلبة على مقاعد الدراسة الجامعية وصل 320 ألف طالب وان أعداد الخريجين السنوي يقترب من 70 ألف طالب، وهذا يتطلب وجود فرص عمل لهذا العدد كل عدة سنوات وطلب السوق المحلي والإقليمي العام والخاص السنوي من هذا العدد لا يتجاوز 8% أي ما يقارب 10000 فرصة عمل سنوياً، والبقية أفواج من الخريجين تغذي سوق البطالة والتي نسبها الرسمية حول 13% وهي في الحقيقة تصل إلى أكثر من 20% ، ولا أنسى تدني الإقبال على الكليات التقنية حيث لا يتجاوز عدد المسجلين فيها سواء كانت عامة أو خاصة أو أخرى 28 ألفاً للأعوام السابقة، وهذا الرقم حاليا اقل بكثير مع تناقص أعداد الناجحين في الثانوية العامة حيث يدور حول 20 الف طالب، وهذه نسبة متدنية جدا بالقياس مع دول العالم المتقدمة، وأجد لزاما علي أن أوضح للطلبة خريجي الثانوية العامة أن خيارهم الأفضل هو التعليم التقني (التعليم الجامعي المتوسط - دبلوم) واعرف أن قيمنا الاجتماعية تدفع باتجاه البكالوريوس رغم معرفتنا بمحدداته التي عرضت بعضا منها، إلا أن التعليم التقني له ميزات وهو تعليم واعد على صعيد العمل والدخل. 
وقبل أن اعرض أهم ميزات التعليم التقني لا بد من معرفة ما هو التعليم التقني؟ هو تعليم عالي نظامي جامعي متوسط في تخصصات هندسية تطبيقية مطلوبة لسوق العمل، يكسب الطالب قدرات ومهارات ومعارف واتجاهات في مجال من مجالات التخصصات الهندسية والتطبيقية، ويكسبه أيضا مهارات تربوية ومسلكية، تؤهله ليكون فنيا أو تقنيا يتوسط هرم القوى العاملة بين المهندس المتخصص والمهني، ومدة الدراسة سنتان وفي بعض النظم التعليمية ثلاث سنوات. والتعليم التقني في الأردن يقدم بشكل رئيسي من خلال جامعة البلقاء التطبيقية وكلياتها المنتشرة على مساحة الوطن في جميع التخصصات التقنية الهندسية والتطبيقية التي يطلبها سوق العمل المحلي والإقليمي، وتشرف جامعة البلقاء أيضا فنيا وأكاديميا على جميع الكليات الجامعية المتوسطة في المملكة سواء في القطاع الخاص أو الحكومي أو القوات المسلحة وغيرها. 
وتالياً ميزات الالتحاق بالتعليم التقني في الأردن: 
1- تكلفة الدراسة متدنية جداً مقارنة بالتعليم الجامعي، حيث أن الطالب لا يدفع أكثر من 3% من كلفة دراسته الحقيقية وتتحمل الجهات الحكومية الحاضنة لهذا النوع من التعليم بقية التكلفة..
2- فرص عمل متاحة للخريج حيث أن الطلب على التخصصات التقنية كبير سواء في القطاع الخاص أو الحكومي محليا وإقليميا، وتكاد تكون نسب البطالة صفر في كثير من التخصصات، ومن خيرتنا فإن كبرى الشركات تقوم بالتعاقد مع الطلبة وهم على مقاعد الدراسة.
3- خريج التعليم التقني في حال عدم رغبته أو عدم حصوله على توظيف، يستطيع البدء بعمل خاص أو فتح مشروع صغير ضمن تخصصه أي انه ليس عرضة للبطالة أو تقلبات سوق العمل، ولدينا قصص نجاح كثيرة لخريجينا في هذا المجال، وهنالك برامج إقراض ودعم حكومية تؤمن ذلك مثل صندوق التنمية والتشغيل والذي تبنى قبل أيام مشروع طموح لتشغيل الخريجين والحد من البطالة بتمويل يصل 24 مليون دينار، إضافة للتشريعات والتوصيات التي تعمل عليها اللجنة الوطنية لتنمية الموارد البشرية والتي ستعمل على رفع سوية ووضع التقني اجتماعيا ووظيفيا وماديا.
4- المردود المادي مجزي ويفوق المردود المادي لخريجي الجامعات حملة البكالوريوس في كثير من الأحيان، وبنسب مضاعفة أحيانا سواء في قطاع التوظيف أو العمل الخاص. 
5- إمكانية متابعة الدراسة الجامعية والحصول على الشهادة الجامعية الأولى للراغبين أو الطامحين بذلك، من خلال نظام التجسير، حيث يحتسب للطالب دراسته في الدبلوم ضمن شروط خاصة بذلك.
6- تقصير مدة الدراسة قبل الدخول لسوق العمل وبمكتسبات اكبر من حملة البكالوريوس في الكثير من الأحيان.
7- طلب كبير محلي وإقليمي وخاصة في الشركات الكبرى ودول الخليج للكثير من التخصصات وبرواتب عاليه.
8- التعليم التقني يصنف عالميا بمستوى التعليم العالي وهو في الأردن تعليم جامعي متوسط يزود الخريج بالمهارات الفنية الهندسية و التطبيقية والعملية إلى جانب المعارف الهندسية والتطبيقية التي يتطلبها سوق العمل.
9- مجال واسع من التخصصات تفوق المائة تخصص، مما يتيح للطالب حرية اختيار التخصص الدقيق الذي يتواءم مع ميوله واتجاهاته وقدراته ومتطلبات سوق العمل.
10- التوجهات الحكومية والسياسات التعليمية في الأردن تركز حاليا على التعليم التقني وتعزيز دوره كرافعه مهمة لوضع البلد تكنولوجيا واقتصاديا واجتماعيا، وكذلك على رفع شان خريجي التعليم التقني ليأخذوا دورهم الأساسي والهام، ولنا في تجارب الدول المتقدمة مثل اليابان وكوريا وماليزيا وسنغافورا وغيرها، و التي ركزت على التعليم التقني الذي ساهم فعليا في احتلالها مراكز متقدمة عالميا في المجال الاقتصادي والاجتماعي والتكنولوجي.
هذه بعض واهم ميزات التعليم التقني التي يجب أن يعرفها خريج الثانوية العامة ليحول خياراته من دراسة برامج جامعية في مرحلة البكالوريوس لا يرغبها ولا تؤمن له حياة كريمة بل تقوده في الكثير من الأحيان أو غالبا ليصبح رقما يضاف إلى جيوش العاطلين عن العمل، ليتوجه عن قناعة إلى التعليم التقني وليصبح التعليم التقني خياره الأول بتخصص يرغبه ويؤمن له مستقبلا واعدا، ويتخلص بقناعة من ثقافة الشهادة الجامعية البكالوريوس التي أصبحت عبئا على صاحبها في ظل فوضى استراتيجيات التعليم العالي وعدم ربط التخصصات الجامعية بمتطلبات سوق العمل...حمى الله الأردن.