TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
التعليم عن بعد والتعلم الالكتروني في زمن الكورونا
04/04/2020 - 3:15pm

ملاحظات حول التعلم الالكتروني والتعليم عن بعد في زمن الكورونا
يحدث الخلط احياناً بين مفهومي التعليم الالكتروني والتعلم عن بعد بالرغم أن هناك عوامل مشتركة بينهما, فالتعليم عن بعد يمكن أن يحدث بالوسائط الالكترونية من كمبيوتر وانترنت وراديو وتلفزيون أو بدونها- بوجود المعلم على مسافة قريبة او بعيدة عن المتعلم –بشكل مباشر او غير مباشر أو بشكل متزامن أو غير متزامن. أما التعلم الالكتروني فهو أحد نماذج التعليم عن بعد ويحدث ما بين المتعلم والحاسوب بمختلف أشكاله من لاب توب واجهزة هاتف ذكية والواح الالكترونية وما الى ذلك, في هذا النوع من التعليم يتعلم الفرد بدون مساعدة- تعلم ذاتي- ويتقدم حسب قدراته ولا يمكن للمتعلم ان يخطو خطوة في عملية التعلم بدون أن يتقن الخطوة التي تسبقها. هذا باختصار مفهومي التعليم الالكتروني والتعلم عن بعد. 
من هنا فإنني أود أضع الملاحظات والحقائق الأتية بين يدي زملائي وطلبتي حول التعلم الالكتروني والتعليم عن بعد والذي نقوم بتقديمه لطلبتنا هذه الايام:
ما يحدث الان في الجامعات والمدارس وأثناء جائحة كورونا هو تعليم عن بعد لا يرقى بأي حال من الاحوال الى التعلم الالكتروني. فهو أقرب الى التعليم العادي الذي يمارسه كل مدرس في الاحوال العادية ولكن بتفاعل أقل بكثير من التعليم التقليدي (التعليم الاعتيادي).
في التعليم الاعتيادي يقوم المدرس بالتحضير لكل عنصر من عناصر العملية التعليمية التعلمية من اعداد للمحاضرة وصياغة للأهداف وتحديد للمحتوى المناسب وتحضير للنشاط المنهجي المرافق واختيار الطرق والاستراتيجيات التدريسية الملائمة وتوظيف لطرق التقويم البنائي والختامي بمختلف مستوياتها وما إلى ذلك من عناصر يعرفها كل من يمارس العملية التعليمية. فالأسئلة المطروحة هنا؛ هل نقوم أثناء التعليم عن بعد بما نقوم به في التعليم الاعتيادي؟ وما نسبة ما نقوم به حالياً أثناء عملية تقديم المحتوى للطلبة عبر مختلف أنواع التطبيقات الالكترونية ( zoom, google classroom, facebook, ) المتاحة من المحتوى الذي نقدمه بالطرق الاعتيادية؟ وما مدى فاعلية التعليم عن بعد مقارنة مع الطرق الاعتيادية في التدريس؟ كل هذه الاسئلة بحاجة الى إجابة من أجل تطوير هذا النوع من التعليم. 
لقد أبدى الكثير منا استغرابه وعدم تصديقه بأننا سنقوم بالتدريس عن بعد لأسباب كثيرة يعرفها المهتمون في هذا المجال من شح الامكانات المادية والخبرات الفنية واستعدادات الطلبة وأهاليهم لهذا التحول المفاجئ في تعليم ابناءهم؛ وكذلك وهو الأهم القدرات الفنية لأعضاء هيئة التدريس ومدى رغبتهم بالتعاون في هذا المجال خاصة من هم في رتب أكاديمية متقدمة ولم تتح لهم الفرصة لممارسة هذا النوع من التعليم سواء كان معلما او متعلماً.
الآن وبعد ان دخلنا هذه الحرب الضروس مع هذا الفيروس اللعين(COVID 19 ) والذي لا يميز بين كبير وصغير ولا غني ولا فقير ولا بين معلم او متعلم, وبعد أن ارتضينا أن نقوم بتأدية هذا العمل الإنساني العظيم من أجل الوطن وحتى نكون في الصف الأمامي مع جيشنا العربي وقواتنا الأمنية؛ فلا بد لنا من أن نؤديه على أحسن وجه, حيث يتطلب منا نحن المدرسون أن نبدأ بالعمل الجاد لتعلم طرق جديدة ومبتكرة في التعليم عن بعد تكون فاعلة ومؤثرة وتتيح للمتعلمين الاندماج في العملية التعليمية. 
وبما أننا نخوض هذه التجربة بروح الاصرار على مواصلة تقديم كل ما يمكن تقديمه لطلبتنا حتى نتغلب على الظروف الراهنة وحتى نبحر بهم الى بر الأمان في هذا الظرف العصيب, فإنه لا بد أن ندرك كمعلمين واساتذة جامعات أن هذه التجربة تجربة فتية, نتعلم من خلالها نخطئ أحياناً ونصيباً أحياناً أخرى, فلا نجعل من هذه التجربة سبباً للإحباط والاحساس بالفشل.
واننا اذ كنا في السابق نقوم بالعملية التعليمة داخل غرفة الصف او في المحاضرة ولا تكاد تتعدى هذه المحاضرة او الحصة الصفية الجدران الأربعة لغرفة الصف, فإننا اليوم نقوم بهذه العملية أمام الطلبة وذويهم وربما بعض من اصدقاءهم , لذا فالمطلوب من المدرس أن ينقل الى طلبته وإلى كل من يشاهده أو يسمعه رسالة واضحة في أدب الحوار والديمقراطية والاحترام المتبادل والاستماع الى وجهات النظر وما الى ذلك من أخلاقيات المهنة, فالطالب ليس وحده من يراقب ويحكم.
وليكن بالمعلوم بأن أحوال الطلبة وأحوال أهاليهم الاقتصادية والاجتماعية لا تشبه أحوالنا, فلا نستطيع أن نحكم عليهم من وجهة نظرنا؛ فقد يكون جميع أفراد الأسرة يستخدمون جهاز كمبيوتر واحد ويتكئون على نفس "الراوتر" ولربما تصادف أن أكثر من شخص لديه محاضرة في نفس الوقت. بالطبع فهذا يعيق الطلبة من الالتحاق بمحاضراتهم واذا استطاعوا الالتحاق فلربما كانت المعاناة أكبر بسبب ضعف شبكة الانترنت والضغط الكبير عليها مما يقلل من كفاءتها.
كذلك فإنه في ظل توقف الكثير من الآباء والامهات الذين يعملون بالأجر اليومي عن العمل, فإنه من المتوقع أن تجد نسبة كبيرة من الطلبة لا يحضرون المحاضرات بسبب عدم مقدرتهم على تجديد اشتراكات الانترنت ولربما كانت هناك أسباب أخرى نجهلها. لذا فالمطلوب منا تقدير الوضع الذي يعيشه اهلنا وابناؤهم في هذه الظروف الصعبة على الجميع
وفي سياق مدة المحاضرة, فأنني انصح بعدم الاسهاب في إعطاء المحاضرة وعدم التقيد بنفس زمن المحاضرة الاعتيادية ( خمسون دقيقة او ساعة وربع او ثلاث ساعات في حالة الدراسات العليا) وذلك رأفة بالطلبة واسرهم. المطلوب تقديم المحتوى بأسرع وايسر واكثر الطرق فاعلية, حيث نستطيع أن نبقي الطلبة متنبهين للمحاضرة ومشاركين في تنفيذها.
كذلك ومن خلال تجربتي الشخصية ومن خلال متابعتي لأبنائي في الجامعة وفي المدرسة, فهناك بعض من المدرسين يقوم بسرد المحتوى بطريقة آلية وكأنه يحفظ المادة العلمية غيباً, ولا يتيح المجال للنقاش أو إبداء الرأي, فهذا بالتأكيد يحدث الملل والتأفف لدى المتعلمين. فلا يمكن في زمن التكنولوجيا ونحن نتحدث عن فاعلية استخدام الوسائط المتعددة واقتصار دور المدرس بأن يكون ميسراً لهذه العملية لا مسيطراً عليها ان يستحوذ المدرس على جميع وقت المحاضرة.
ففي هذا النوع من التعليم, يجب على المدرس أن ينوع في طرق عرضه للمادة التعليمية ويعتبر أن محاضرته هي رحلة ترفيهية تعليمية تعلمية لها بدايتها ونهايتها ولها أهدافها وفيها أماكن يتوقف فيها ليعطي المتعلمين الوقت لالتقاط أنفاسهم؛ كذلك فيها نشاطات ممتعة جاذبة تجعل من المتعلم مندمجاً في المحاضرة حتى ولو كانت محاولات منه للعصف الذهني واستثارة تفكير طلبته وإضفاء جو من المرح والليونة في التعامل مع معهم. 
وفي سياق آخر يعتقد بعض المدرسين بأن لديهم الحرية في اختيار الوقت الذي يقومون فيه بالتدريس عبر مختلف التطبيقات والوسائط المتعددة, فهذا غير صحيح ويربك الطلبة اللذين قد يتعارض الوقت المحدد من قبل المدرس مع مدرس آخر, كذلك فإنه لا يجوز أن يعطي المدرس محاضراته في ساعات متأخرة من المساء والتي قد تصل إلى ما بعد منتصف الليل, فهذه ساعات النوم لمعظم العائلات وقد يساهم بغير قصد في اقلاق راحتهم. لذا فمن الأسلم أن يعطي المدرس محاضرته في نفس الوقت المقرر حسب الجدول الدراسي ما أمكن. 
كذلك فإنه من الواضح لكل من يقوم بالتدريس أن الطلبة الذين تقابلهم مختلفون بكل شيء, وهنا اتحدث عن الفروق الفردية بين الطلبة, هذا الفروق تتمثل في القدرات العقلية والامكانات المادية والتنوع الاجتماعي والقدرات الجسدية وما الى ذلك من فروقات, فإذا كنا ندرك ذلك في عملنا اليومي أثناء ممارسة طرق التعليم الاعتيادية , فإنه من الضروري أن ندركها ونأخذها بالاعتبار في التعليم عن بعد. 
اخيراً إن عملية التعليم عن بعد هي عملية متعبة وتستنزف جهد المدرس أضعاف ما تستنزفه المحاضرة العادية خاصة إذا كان التفاعل ما بينه وبين الطلبة وما بين الطلبة انفسهم ضعيفاً, فستصبح هذه العملية وكأنما يتكلم المدرس مع نفسه وليس لديه أي فكرة عن ردود أفعال طلبته ومدى فهمهم او استجابتهم ؛ فالمطلوب هنا أن يمهد المدرس لمحاضرته ويستثير اهتمام الطلبة في الدقائق الأولى من المحاضرة والطلب منهم المشاركة والإدلاء بما يجول في خواطرهم.
وبالرغم مما قيل بالسابق عن التعليم الالكتروني وعن استعداداتنا وخططنا وجاهزيتنا لهذا النوع من التعليم, فقد وضعنا فيروس كورونا أمام تحد كبير واختبار مفاجئ لم نكن هنا في الأردن و في معظم دول العالم على استعداد لاجتيازه. واعتقد هنا بأننا لن نكون راضين بما نقوم به حالياً من تعليم عن بعد خاصة وهي تجربتنا الجدية الأولى في هذا المجال, ولعل هذه الفرصة ( جائحة كورونا COVID19 ) قد تكون جيدة وتفرض علينا التفكير بإعادة صياغة مفهومنا حول التعلم الالكتروني والتعليم عن بعد, فاليوم علينا جميعاُ أن نعمل لما بعد مرحلة كورونا من حيث الإعداد للمساقات والمباحث الدراسية بأفضل الوسائل التكنولوجية المبنية على النظريات التربوية الخاصة بالتعلم والتطور والتركيز على مبدأ التعلم الالكتروني بدلاُ من التعليم عن بعد. 
الدكتور محمد خالد العلاونة

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)