TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
التعليم والتعليم العالي والاقتصاد المعرفي
24/07/2014 - 8:15am

طلبة نيوز-د. سلامه طناش

يمكن القول بأن المعرفة قوة، وقد وظفت منذ القدم باعتبارها سلعة اقتصادية، ومركز قوة للإنسان بشكل خاص، وللمجتمعات والأمم بشكل عام. إذ إن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف. وترتكز المعرفة على العلم القادر على تشكيل قوة هائلة للمجتمعات، لتتقدم وتتطور في جميع مناحي الحياة، وخاصة الروحية والاجتماعية. فبالعلم ترتقي الأخلاق وتسمو النفوس وتتهذب العقول، ويقوى المجتمع. وبالمعرفة تمتلك المجتمعات أدوات التقدم والنجاح. لذا، فقد دأبت المجتمعات وعلى مر العصور إلى السعي الحثيث على تعزيز منابع العلم وتنظيم المعرفة، وجهدت في كيفية الوصول إلى مراتب متقدمة بين الأمم لتعزز مكانتها الاقتصادية والعسكرية، ولتحصن الأفراد وتعزز انتمائهم الوطني.
ويمكن تعريف الاقتصاد المعرفي بأنه ذلك النظام المبني على رأس المال الفكري والقادر على توظيف العقول المبدعة باعتبارها منتج اقتصادي. إذ يسهم الاقتصاد المعرفي وبشكل كبير في كل أنشطة اقتصاديات المجتمع. ويبدو هذا الأمر واضحا في اقتصاديات الدول المتقدمة، وذلك لقدرتها وبشكل مستمر في استقطاب العقول المبدعة، وفي توفير البيئة المناسبة لها لإظهار وتوظيف إبداعاتها، وتحقيق ذاتها. ويظهر ذلك واضحا من خلال القدرة الاقتصادية الهائلة لمكوناتها. والاقتصاد المعرفي هو في الواقع استخدام للمعرفة لإنتاج ملموس أو غير ملموس ذا قيمة اقتصادية. وما ندفع ثمنه اليوم لمنتجات ضرورية لحياتنا إنما هو في الواقع ليس لقيمته المادية، بل هو ثمن للعقول التي أنتجت هذه المعرفة، ووظفتها كسلعة اقتصادية. وساهمت بشكل علمي في تطوير عملية اتخاذ القرار وفي مختلف الحقول لإنتاج قيم اقتصادية. إذ كيف يمكن اتخاذ قرارات وطنية أو تخطيط لمجتمع بدون معرفة؟
إن مفهوم الاقتصاد المعرفي يرتبط غالبا بالتعليم والتعليم العالي بشكل خاص. وهو ما يعرف عادة برأس المال البشري. وكما أن التعليم ومن خلال قدرته على إطلاق إبداعات الأفراد وتطويرها، والأخذ بها، وتوظيفها كمنتج اقتصادي، يمكن اعتباره ذا مردود تجاري، وذا قيمة اقتصادية. وكما يمكن أن تكون ( رأس المال البشري ) أصولا اقتصادية ثابتة في المجتمع توظف عادة لسنين طويلة ولتشكل في النهاية سلسلة مستمرة تمد المجتمع بثوابت اقتصادية راسخة في تشكيل قيمه وحضارته. وهنا عادة لا يُرتَكزُ في تشكيل الاقتصاد المعرفي على الموارد الطبيعية والمادية فقط، وإنما على رأس المال البشري المبدع، ( القادر على توظيف هذه الموارد ) والذي يمكن من خلاله إيجاد ثقافة الإنتاج الاجتماعي ليصبح كل فرد ممتلكا الفرصة للإنتاج أينما كان، ووفقا لقدراته، ولينتقل الإنتاج في كثير من الأحيان للناس بمشهد عكسي.
إن ما انفق من أموال على اقتصاد المعرفة قد يكون هائلا ووفقا لبرامج متعددة، هنا أو هناك، يفترض أن تكون قد شكلت مفاهيم واقعية للاقتصاد المعرفي في الأردن. وأن تكون قد انعكست إيجابا غلى اقتصادنا. وأن يكون قد لمسه ليس المتعلمون أنفسهم، بل ذويهم ألذين أنفقوا جل ما يملكون. وهذا ما أشار إليه البنك الدولي في تقريره عام 2009. إذ تحدث عن عدم قدرة نظام التعليم العالي في الأردن للتقدم نحو تحقيق متطلبات النمو السريع في الاقتصاد المعرفي. وكانت الإشارة الواضحة في عدم قدرة هذا النظام التعليمي في تحقيق التدريب للشباب وتزويدهم بمهارات تقنية مناسبة وضرورية لاقتصاد المعرفة. إذ بقيت معظم البرامج نظرية، وليست مرتبطة بحاجات السوق الوطنية والإقليمية والعالمية.
ومن يدقق النظر في نسب الالتحاق بالتعليم العالي يجد أن الطلبة من الطبقة الغنية يشكلون حوالي 58 بالمائة، بينما لا يشكل الطلبة الملتحقون بهذا النوع من التعليم من أبناء الطبقة الفقيرة أكثر من 11 بالمائة. وهذا يشير لمن يقرأ جيدا: أن الطبقة الاجتماعية الاقتصادية الغنية وذات الدخول المرتفعة، لها فرصا أعلى بكثير للالتحاق بالتعليم العالي ووفق رغباتهم مقارنة مع غيرهم من أبناء الطبقات الاجتماعية الاقتصادية الأخرى. وهنا يمكن أن يتكون خطر اجتماعي غير مدرك على المدى القصير. إذ عادة تكون الفرص المتاحة للطلبة من الطبقة الاجتماعية الفقيرة هي في البرامج ذات التكلفة المنخفضة، وهي برامج الإنسانيات، والتي لا تزودهم بمهارات ومعارف وسلوكيات تؤهلهم لعمل متوافر قي القطاع العام أو الخاص محليا، أو إقليميا، أو عالميا. مما يترتب عليه وعليهم الانتظار سنوات طويلة عاطلين عن العمل، وهذا ما يزيد المشهد الاجتماعي الاقتصادي تعقيدا.
إنني أدرك بأن التعليم التقني مكلف ماديا وماليا، ويحتاج إلى رأس مال بشري ذو خصائص خاصة. ولكنني لا أجد تفسيرا للقائمين على الاقتصاد والتعليم والتعليم العالي هذا التجاهل، أو التأخير غير المبرر في تطويره، وجعله أولوية في الإنفاق الحكومي، والخاص أيضا. إذ إن أقل من 10 بالمائة من طلبة التعليم العالي يلتحقون في برامج الكليات التقنية المتوسطة. وهذه النسبة وفقا لتقرير البنك الدولي بعيدة جدا عما يحصل في كوريا، وماليزيا، وكندا، وايرلندا، وتشيلي. إذ يلتحق بهذا التعليم في هذه الدول حوالي 50 بالمائة من مجمل طلبة التعليم ما بعد الثانوي.
وأعتقد بأن مجمل الأموال التي أنفقت على اقتصاد المعرفة، قد تصل إلى مئات الملايين أو أكثر، لم تنتج معرفة واحدة ساهمت في اقتصاد الأردن أو أخذت بيده نحو الأمام. وهنا نتساءل: هل برامج الاقتصاد المعرفي تم تقييمها، ومتابعتها؟ وهل تم إدارتها وفقا لرؤية واضحة؟ وهل هي هبات أم قروض من هنا وهناك؟ إلا أن الحقيقة يدركها كل من يقرأ هنا وهناك!! ويتابع ضمن اهتماماته الوطنية المتخصصة. ويا ليتهم بعد كل هذا، قد أدركوا معنى الاقتصاد المعرفي!

 أستاذ التعليم العالي (إدارة) في الجامعة الأردنية

 
 

 

التعليقات

الدكتور نذير العبادي (.) الخميس, 07/24/2014 - 23:38

ا.د.سلامه طناش المبدع بكتاباتك والي تنم عن حسكم الوطني الصادق.كم نتعلم منكم سعة بصيرتكم وادراككم لمشاكل التعليم العالي وكم نتلهف دوما لمقالتكم التي تتحفنا وتغنينا بالعلم .انتم كما انتم اهل الحكمه والمسؤوليه .ادامكم الله لتبقو ذخرا بعلمكم

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)