TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
التفاعلية والتشاركية في التعليم الجامعي: فرص وتحديات
30/01/2016 - 11:15am

طلبة نيوز-

الدكتورة أريج محمود ياسين

قسم نظم المعلومات الإدارية
كلية تكنولوجيا المعلومات وعلوم الحاسوب
جامعة اليرموك
*****
أكثر أساليب التعليم استخداما في مؤسسات التعليم العالي ليس في الأردن فحسب بل وفي العالم اجمع هو التعليم المتمركز حول المدرس. حيث يقوم المدرس باستعراض الجانب المعرفي لموضوع المساق على شكل محاضرات يلقيها على الطلبة خلال الفصل الدراسي مستعينا بالمنهاج التدريسي تارة، وتارة أخرى بجهاز عرض الشرائح. وفي ضوء محدودية الإمكانيات قد يستخدم الأسلوب ذاته لوصف الجانب العملي للمساق نظريا عوضا عن تدريب الطلبة على تطبيقه فعليا في المختبر أو على ارض الواقع.
ينحصر دور الطالب الأساسي تحت مظلة هذا الأسلوب التدريسي في الجد والاجتهاد في فهم وحفظ المادة وقد يلعب ادوار ثانوية أثناء المحاضرة كالسؤال والإجابة والنقاش إن أعطاه المدرس الفرصة لذالك. ولا يمكن إنكار فعالية هذا الأسلوب. فقد اثبت على مر السنوات قدرته على تخريج جيل مسلح بالعلم والمعرفة ولكن ينقصه "الخبرة" التي من المفترض أن يكتسبها الخريج تدريجيا في سوق العمل.
لماذا أصبحت "الخبرة" أو بالأحرى "المهارات التطبيقية" ضرورة يجب على الخريج اكتسابها قبل الدخول في سوق العمل؟ ولماذا تعمل الجامعات جاهدة على زيادة المحتوى العملي في برامجها وخططها الدراسية؟
الإجابة باختصار هي: ارتفاع نسبة البطالة، ازدياد التنافسية في سوق العمل العالمية، رغبة مؤسسات القطاع الخاص في زيادة الإنتاجية وتقليص حجم الإنفاق على تدريب وتأهيل الخرجين الجدد، التنافس بين الجامعات لتصميم وطرح برامج جذابة بغرض استقطاب الطلبة المتفوقين والمبدعين وغيرها العديد من الأسباب. ولما لكل ما سبق من اثر كبير في نمو اقتصادنا الوطني فان موائمة مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، بلا شك، أولوية وطنية على الجميع التكاتف لتحقيقها.
ما هو التعلم التفاعلي التشاركي؟ وهل يسهم في موائمة مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل؟
التعلم التفاعلي التشاركي هو التعلم المبني على إعادة تعريف وتوزيع الأدوار بشكل مستمر في العملية التعليمية. فالتفاعل يتمثل بالتواصل الاجتماعي على المستوى الشخصي وبتبادل المعرفة والخبرات على المستوى المهني. والتشارك يتمثل بتدوير المسؤوليات والأدوار بين الطلبة أنفسهم من جهة وبين الطلبة والمدرس من جهة أخرى. ويحدث التفاعل والتشارك داخل الغرفة الصفية وخارجها خلال الفصل الدراسي.
فالتعلم التفاعلي التشاركي بالتأكيد لا يتمركز حول المدرس ولكنه لا يتمركز حول الطالب أيضا كما قد يصفه البعض. فالطالب يلعب دور المدرس في مرحلة من المراحل ويكون عندها مسؤولا عن البحث عن المعلومة ونقلها للآخرين. ولكن كيف نضمن صحة وجودة المعلومة،أو درجة فهم الطالب للمعلومة، أو قدرته على توضيحها لزملائه؟ لذلك ينتقل الدور ومعه المسؤولية مجددا للمدرس للشرح والربط والتوضيح. ومن الجدير بالذكر انه وبالرغم من استخدام العديد من استراتيجيات التدريب في التعلم التفاعلي التشاركي إلا أن تطبيقه في التعليم الجامعي يضفي عليه قدرا أعلى من الجدية.
يسهم التعلم التفاعلي التشاركي في موائمة مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل عن طريق مساعدة الطالب على اكتساب "المهارات التطبيقية" اللازمة لسوق العمل - والتي من الصعب تزويده بها عند استعمال الطرق التقليدية للتعليم - مثل مهارات التواصل، العمل ضمن مجموعة، القيادة، المبادرة، الاعتماد على النفس، ومهارات العرض والتقديم وغيرها من المهارات. بالإضافة إلى مساعدة الطالب على تحقيق المخرجات التعليمية للمساق وخصوصا الجانب العملي منها بصورة أفضل والذي بدوره يزيد من جودة المخرجات النهائية للتعليم.
كيف يمكن تطبيق التعلم التفاعلي التشاركي بنجاح في التعليم الجامعي؟
يمكن استخدام أساليب التعلم التفاعلي التشاركي في إي مساق جامعي بغض النظر عن طبيعة المساق أو عدد الطلبة المسجلين في الشعبة الواحدة. الشرط الأساسي أن يكون المدرس متمكنا من المادة التعليمية ليستطيع إدارة المساق والنقاش بفاعلية بالرغم من غياب الشرائح والهيكلية التقليدية للعملية التعليمية.وفي المساقات التي يزيد فيها عدد الطلبة المسجلين في الشعبة الواحدة عن 35 تكون درجة التفاعل اقل وبالتالي مجموعة المهارات التطبيقية المكتسبة ستكون اقل ولكنها تستحق الجهد المبذول.
يبدأ المدرس بتقسيم الجانب المعرفي من المادة إلى أجزاء صغيرة تنسجم مع مدة المحاضرة وتحديد مرجع أساسي للقراءة عن كل جزء ومجموعة من المراجع الاختيارية إن أمكن. ويمكن أن يكون المرجع مجموعة من الصفحات من منهاج تدريسي معين، فصل في كتاب، فيديو تعليمي، أو موقع على الانترنت.
يقوم المدرس بإعداد ورقة عمل لكل جزء لاستعمالها لاحقا في الغرفة الصفية لإدارة النقاش وشرح الجانب المعرفي المستهدف. وفي حال احتوى المساق على جانب عملي يقوم المدرس أيضا بإعداد مجموعة من المشاريع أو الواجبات التي يمكن العمل عليها مع مجموعة أو بشكل فردي داخل الصف أو خارجه. ويستعمل المدرس الأهداف التعليمية للمساق في تصميم أوراق العمل الصفية والمشاريع والواجبات المطلوبة.
يقوم المدرس بتشكيل المجموعات من الطلبة بشكل عشوائي ويعيد تشكيل المجموعات على الأقل ثلاثة مرات أثناء الفصل الدراسي بحيث يتاح للطلبة المجال للتفاعل والعمل مع اكبر عدد ممكن من النظراء بغرض تنمية المهارات التطبيقية ولتبادل الخبرات والمعارف. وفي كل مرة يتم اختيار قائد مختلف للمجموعة ليدير النقاش داخل المجموعة وللتنسيق وتوزيع المهام عند العمل على المشاريع أو الواجبات الجماعية.
يفترض من الطلبة قراءة المرجع الأساسي المطلوب قبل كل محاضرة ويترك وقت للمجموعات في بداية المحاضرة للعمل على أوراق العمل ومن ثم تعطي كل مجموعة فرصة لعرض نتائج النقاش أمام المجموعات الأخرى ويدير المدرس النقاش لينتهي بربط وتوضيح وشرح الأفكار المطروحة والتأكد أن الأهداف التعليمية للجزء قد تحققت على أكمل وجه.
هل يزيد التعلم التفاعلي التشاركي من رغبة الطلبة في حضور المساق وتعلم محتواه؟ هل يسهم في رفع مستوى فهم الطلبة للمادة؟ هل يسهم في رفع مستوى أداء الطلبة في المساق؟
يلقي هذا الأسلوب التعليمي بقدر أعلى من المسؤولية على عاتق الطالب حيث يجب على الطالب تحت مظلة هذا الأسلوب قراءة المراجع المطلوبة قبل موعد المحاضرة لتحقيق الاستفادة القصوى من النقاش وتعلم محتوى المساق. إن لم يقرأ الطالب المرجع لن يتمكن من المشاركة في النقاش أو العمل بفاعلية داخل المجموعة ولن يحقق الهدف التعليمي للقاء.
ولذلك قد يواجه المدرس في بداية الفصل المقاومة من بعض الطلبة لهذا النوع من التعلم والاستياء من البعض الآخر كمحاولة للتهرب من هذه المسؤوليات وعليه فقد يقلل استعمال هذا الأسلوب في البداية من رغبة الطالب في حضور المساق وتعلم محتواه. وهنا يأتي دور المدرس في تأكيد ضرورة الحضور والتعامل بحزم مع الغياب أو عدم المشاركة في النقاش أو عدم التعاون مع أعضاء المجموعة.
التفاعلية والتشاركية في التعلم تخلق جوا ايجابيا مفعما بالنشاط والتعاون في الغرفة الصفية والذي يبدد بدوره القلق والتخوف عند بعض الطلبة. تدريجيا سيدرك الطالب أهمية القراءة المسبقة للمراجع ودور التفاعل داخل الغرفة الصفية بين الطلبة أنفسهم، وبين الطلبة والمدرس، في رفع مستوى فهم الطالب للمادة وبالنتيجة رفع مستوى أداءه في المساق. وفي النهاية سيزيد ذلك من رغبته في حضور المساق وتعلم محتواه.
هل يؤثر التعلم التفاعلي التشاركي على تقيم الطلبة للأداء التدريسي للمدرس؟ سلبا أم ايجابيا؟
يعتمد تقيم الطلبة لأداء المدرس على مجموعة كبيرة من العوامل الموضوعية والغير موضوعية. ولكن واحدة من أهم هذه العوامل هو الأسلوب التدريسي. وعليه سيؤثر وبلا شك استعمال أسلوب التعلم التفاعلي التشاركي على تقيم الطلبة لأداء المدرس. ولكن درجة التأثير واتجاهها سلبا أم إيجابا، يعتمد على مدى نجاح المدرس في تطبيق هذا الأسلوب داخل الغرفة الصفية.
ما هي الفرص والتحديات التي تواجه التعلم التفاعلي التشاركي في التدريس الجامعي ؟
يختلف أسلوب التعلم التفاعلي التشاركي عن الأسلوب التقليدي المعتاد في إعطاء الطالب دور الشريك الفعال في العملية التعليمية مما يسهم في رفع مستوى فهم الطلبة للمادة وفي رفع مستوى أداء الطلبة في المساق. ويمكن استخدام هذا الأسلوب في التدريس الجامعي كوسيلة لزيادة التركيز على المحتوى العملي ولإكساب الطالب "المهارات التطبيقية" اللازمة التي تسهم في موائمة مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل.
يعتمد نجاح هذا الأسلوب إلى حد كبير على التزام الطالب بقراءة المراجع المطلوبة قبل موعد المحاضرة والمشاركة الجدية في النقاش.وهذا بحد ذاته يعتبر احد أهم التحديات التي تواجه هذا الأسلوب التعليمي. أضف إلى ذلك صعوبات العمل ضمن المجموعة وعزوف بعض الطلبة عن مشاركة في النقاش أو العمل على المشاريع والواجبات. ومن ابرز التحديات المهمة الأخرى هو زيادة العبء التدريسي على المدرس في مرحلة تجهيز المساق وتصحيح المشاريع والواجبات وخصوصا في المساقات التي يتجاوز عدد الطلبة فيها عن 35 في الشعبة الواحدة.
توصيات
يعود تدني مستوى أداء الطلبة الجامعي وضعف مهاراتهم التطبيقية إلى العديد من الأسباب اذكر منها: استعمال أساليب التدريس التقليدية التي تضعف إقبال الطلبة على التعلم، زخم المساقات النظرية وإغفالها للجانب العملي، ضعف الحافزية وغياب الهدف لدى الطالب، العبء الدراسي الثقيل الذي يحمله الطالب والذي لا يتناسب مع قدراته الأكاديمية، تضارب مواعيد الامتحانات مما يجبر الطالب في كثير من الأحيان على تقديم امتحانين في نفس اليوم، الملهيات والمشاكل النفسية والعاطفية والاجتماعية والمادية التي يعاني منها الكثير من الطلبة والتي تستنزف قدرتهم على التركيز والاجتهاد. هذه وغيرها العديد من الأسباب التي تجبرنا كأكاديميين وصانعي قرار على التدخل لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمساعدة أبناءنا وإخواننا الطلبة.
على الرغم من وجود نسبة جيدة من المبدعين والموهوبين من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الأردنية هناك حاجة ماسة إلى تدريب أعضاء هيئة التدريس على أساليب التدريس التفاعلية والتشاركية في التعليم الجامعي، وعلى الطرق المتنوعة لاستعمال التكنولوجيا في التعليم لزيادة التفاعل بين الطالب والمادة التعليمية وخصوصا تشجيع الطلبة على استغلال الأجهزة المحمولة التفاعلية والتي تقلل الملل وتزيد من رغبة الطالب في القراءة والبحث عن المعلومات.
تفعيل الإرشاد المهني في المدارس لمحاولة توجيه الطلبة نحو التخصصات الجامعية الأنسب لقدراتهم وشخصياتهم ومساعدتهم لاكتشاف شغفهم وما يرغبون فعلا في دراسته. وتفعيل الإرشاد المهني في الجامعات أيضا لتهيئة الطالب لسوق العمل عن طريق تعريفه بمجالات العمل المتاحة له بعد التخرج وبالمسؤوليات والأدوار التي سيقوم بها وبطرق الاستفادة من مواطن القوة لديه والعمل على تطوير نقاط الضعف.
تعديل تعليمات منح درجة البكالوريوس في الجامعات بحيث لا تسمح للطالب الذي يقل معدله التراكمي عن 65% من التسجيل لأكثر من 12 ساعة معتمدة في الفصل الأول والثاني أو أكثر من 6 ساعات معتمدة في الفصل الصيفي إلا بموافقة رئيس القسم والمرشد الأكاديمي. ولا تجبر الطالب على تقديم أكثر من امتحان واحد في اليوم نفسه واعتبار وجود امتحانين في نفس اليوم عذرا مقبولا لتقديم احدهما في موعد أخر مع ضمان أن يكون مستوى صعوبة الامتحان التعويضي أو التكميلي وطبيعة الأسئلة فيه مطابق للامتحان الأصلي.
توجيه الطلبة قبل الامتحان بشكل دقيق حول طبيعة الأسئلة والمادة التي يجب التركيز عليها عن طريق إعطائهم قائمة بالأهداف التعليمية للامتحان كدليل إرشادي للدراسة وكتابة الامتحان بشكل دقيق ليقيس درجة تحقيق هذه الأهداف.
ayassin@yu.edu.jo

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)