TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
التفاهة ثقافة
19/07/2020 - 2:45pm

بقلم المهندس عامر عليوي/ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
يقول جمال الدين الأفغاني "التسفّل أيسر من الترفّع" لقد أصبحت ثقافة التفاهة تسيطر على الحياة اليومية للبشر وتأخذ من جهد عقولهم الكثير، اننا سائرون رغما عنا نحو مجتمع غارق في التفاهة والرداءة، فتجد الناس يقضون أغلب ساعات أعمارهم في جدال ونقاش وخصام أحيانا حول مباراة كرة قدم، وأفضل فريق ولاعب رياضي، وأجمل بقرة في العالم وأفضل ثور وتمتلئ وسائل التواصل الاجتماعي لمناقشة ما جري في مزرعة ما من سفور وفجور. النخب التافهة الآن تتصدر المشهد والحياة العامة، وتسهم في هدم قواعد الذوق العام، والناس تنحدر نحو الأسفل مع أنهم الأرقى، أصبحوا مغرمين بالجهل مع كونهم ضده، ومع تفشي التفاهة يرى الشاب قدوته في فاشل دراسيا يصبح نجما كرويا يشار له بالبنان.. يرى المثل في مطرب او ممثل صار نجما ترفع له القبعة، ويفرش له السجاد الأحمر.. يرى ألدغ اللسان كيف يصير نجما تلفزيونيا؟ ونتعجب جميعا: كيف أن الجاهلين تسيدوا المشهد وأصبحوا قدوة للأجيال القادمة، فلا أحد يريد أن يزعج نفسه بالتفكير، فالتفكير يمثل مصدر ازعاج للجميع، الكل يتجنب التفكير مثلما يتجنوا مرضا خبيثا، لقد قرروا وضع التفكير في الحجر الصحي خشية إصابة المجتمع بعدوى التفكير، فالتفكير كالفيلسوف يمثل تهديدا ليقين المجتمع الذي أسسه التافهون.
التفاهة .. أصبحت ثقافة عامة تنحدر بعقولنا نحو مزيد من الانحطاط والانحدار والتسطح، في كل يوم واثناء مشاهدتنا لأي قناة تلفزيونية لا نجد من يتصدر المشهد إلا أحد التافهين كناشط أو محلل لا يفقه شيئا في المجال الذي يحلله وتجده قد تحول إلى اينشتاين عصره في ذلك المجال وتصبح كلماته قولا مقدسا لا يأتيه الخطأ من أي جانب، لقد تحول الفضاء الرقمي إلى خيمة سرك كبيرة ينشط بها التافهون، إنهم يزحفون كل يوم نحو المزيد من المواقع حتى أصبح الإنسان المفكر مهددا بالانقراض، لقد بدأنا نعيش عصر انقراض التفكير.
الاهتمام بالتوافه ومتابعة التافهين تجعلنا نصنع منهم رموزا يتصدرون المشهد وهم أقزام، وندفعهم للشهرة بتسويقنا لأعمالهم المشينة ومشاهدهم الوضيعة، ونفسح لهم المجال لإفساد الذوق العام وهدم الأخلاق، وصرف الناس عن الارتقاء في ميادين النجاح والتنمية.
لم يعد أحد يحلم بالمعرفة بل، لو سألت أي شاب سيجيبك أن حلمه سيارة فاخرة وفتاة جميلة وبيت على البحر وحسابات بنكية فيها أموال لا تنتهي وليس مهم مصدرها فالمال مقدم على كل القيم، والسلطة أيضا فهي حلم الجميع ولكن يريدونها سلطة بلا عقل ولكن بها كل المال، لم تعد السلطة تطلب لتقدم وازدهار المجتمع بل لتقدم وازدهار الذات، فالمصلحة الشخصية هي المحرك الحقيقي لطالبي السلطة، أما مصلحة المجتمع فلا تهم إلا بقدر تحقيقها للمصلحة الشخصية.
إن الهدف النهائي من كل ما يحدث كما يقول "آلان دونو" صاحب كتاب نظام التفاهة، هو إسباغ التفاهة على كل شيء، فهل نقفُ مكتوفي الأيدي والعالم يُدار بلُعْبة؟ بمعنى آخر: ما الذي يجب أن نفعله؟
الجواب على ذلك بقول الفيلسوف والروائي الفرنسي جان بول سارتر: المسؤولية عن انقاذ الذات هي في النهاية مسؤولية عن انقاذ الكل فعندما نقول إن الإنسان مسؤول عن نفسه لا نعني أن الإنسان مسؤول عن وجوده الفردي فحسب بل هو بالحقيقة مسؤول عن جميع الناس وكل البشر. وعليه فإن التحرر من سيطرة التفاهة هو مسؤولية

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)