الحقوق المنقوصة لطلبة الجامعات
أ.د. مصطفى محيلان
كم هو غريب أن توضع التعليمات المتعلقة بالجامعات ويمر الزمن وتبقي هي العامل الساكن فيه، وكأن بيوت العلم والخبرة لدينا هي أماكن البيات الفكري ولسان حالها يقول:
إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون، ولكني أقول وللأسف، الأصل أن لا يكون هذا هو حال الجامعات، كلا، إن من الناحية الأكاديمية وإن من الناحية الإنسانية، كيف؟
لو أمعنا الدراسة في تعليمات الجامعات الرسمية مثلاً لوجدنا أن فيها تعليمات تخص تأديب الطلبة المدنيين، والتي تشمل قرابة العشرين مادة تختص جميعها بأيقاع أقسى العقوبات على الطلبة المتجاوزين، والتي تصل لحد الفصل النهائي من الجامعة، وهذا منطق لا يختلف عليه عاقلان، ولكن الغريب بالمقابل، أن التعليمات التي تخص دعم وتكريم الطلبة المتفوقين لا تحتوي بمجملها على أكثر من بندين يخصان تقدير الطلبة المتفوقين، وهما على النحو التالي:
تنشىء في الجامعة لائحة تسمى لائحة التفوق العلمي يسجل عليها أسماء الطلبة المتفوقين في الفصل، بحيث تهدف هذه اللائحة إلى مكافأة الطلبة المتفوقين علمياً وتشجيعهم على بذل مزيد من الجهد العلمي والاستمرار فيه.
تخصص جائزة عينية لكل طالب يسجل أسمه على لوحة التفوق العلمي ثلاث مرات ويقوم رئيس الجامعة بتقديم الجوائز لمستحقيها في احتفال خاص.
والجائزة العينية غالباً ما تكون على شكل مبلغ نقدي مدفوع يقارب المائتي دينار أو أقل، علماً بأن رسوم الطالب في بعض التخصصات الطبية أو الهندسية في ذلك الفصل تكون أضعاف ذلك المبلغ المقطوع الضئيل!
والأساس بل الأفضل من ذلك هو أعفاء الطلبة المتميزين من رسوم الفصل الحالي أو القادم كحافز أكاديمي، يشعر الطالب الذي يبدع ويتميز بأنه حتى لو لم يحظ بمقعد من خلال مكرمة، أو كونه أبن عامل في الجامعة أو مبتعث أو متميز في مرحلة سابقة، بأنه لا يزال أمامه فرصة دعم نفسه بنفسه، بسبب تفوقه وليس للأعتبارات السابقة التي لا تصل لمكانة التميز الحالي الفعلي للطالب.
وطالما أن محور حديثنا هو عن الحقوق المنقوصة للطلبة، فأود الإشارة بإختصار لحقوق أخرى غُبن بها الطلبة في أكثر من جامعة رسمية وخاصة، وعلى النحو الأتي:
1- ملء القاعات التدريسية بأعداد كبيرة من الطلبة، يفوق المائة وخاصة في التخصصات العلمية وبالذات الهندسية والطبية، بهدف تقليل التكلفة المادية المترتبة على تدريسها، فبدل من عقد محاضرتين بسعة خمسين طالبا لكل منهما، تجمع في قاعة واحدة بسعة مئة وأكثر، فلا يدفع للمدرس بدل مالي سوى لمحاضرة واحدة، نعم التوفير مطلوب ولكن ليس بما يتعارض ومبادئ واهداف التعليم التفاعلي، وخاصة إذا علمنا بأن أسس أعتماد الجامعات تشترط عضو هيئة تدريس لكل ثلاثين طالبا تقريباً.
2- الغاء محاضرة المناقشة (Tutorial)، والتي كانت تعطى قبل عقدين من الزمن في بعض جامعاتنا، والتي لا تزال العديد من جامعات العالم تعتبرها المحاضرة الرابعة اسبوعياً والأساسية لكل مساق، بحيث تخصص لحلول التمارين الخاصة بما درسه الطالب خلال الأسبوع، وما تراجع الطلبة أكاديمياً واخفاقهم في العديد من امتحانات الكفاءة الجامعية إلا لعدم وجود الوقت الكافي حالياً للمناقشة وحل المسائل مع اساتذتهم، لأن تأثير ثلاث محاضرات اسبوعياً للمادة على مستوى الطالب ليس طبعاً كتأثير الأربع، والسبب هو مادي ايضاً، فاربع محاضرات أسبوعياً تعني عبئا فصلياً للمدرس يساوي ثلاث ساعات ونصف معتمدة، بدل ثلاث ساعات بمعنى آخر فرق مالي زهيد يقارب المائتي دينار فصلياً.
3- غياب النشاطات الأكاديمية وغير الأكاديمية، فلا يعرف بعض الطلبة هذه الأيام إلا قاعة المحاضرات والمقهى والبيت، لا رابع لهما، وهذا وضع «شاذ» أكاديمياً وليس ما نشأنا عليه، فأين جلسات الحوار والمحاضرات العامة والمسابقات الفنية والرياضية ورحلات إعرف وطنك والنوادي المتنوعة، أم أن الجامعة أصبحت هي مجرد الصف الثالث عشر، والرابع عشر و...؟
4- عدم الإهتمام بسلامة الطالب، فتجد أن قاعات التدريس هي «ثلاجات» في فصل الشتاء، حتى أن العديد من الطلبة والمدرسين يصاب بأمراض لو شاء لحصل على «معلولية» على إثرها!
السؤال المطروح: هل تتراجع بعض جامعاتنا بخطى ثابتة؟