TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
الخطأ الاستراتيجي في التعليم العالي
22/04/2014 - 6:15am

طلبة نيوز

أ.د. عصام سليمان الموسى
حين تأسست الجامعة الأردنية عام 1962 كان التعليم قدسيا صارما. سجل في السنة الأولى ما يقارب 170 طالبا وطالبة، وتخرج منهم بعد اربع سنوات 59 طالبا يحملون درجة البكالوريوس.
هذه النتيجة جاءت على خلفية نظام التعليم في توجيهي ذلك الزمان الذي كان من مقرراته ان يدرس الطلبة مسرحية شكسبير (تاجر البندقية) الكاملة، و(حي بن يقظان) لإبن طفيل. كان للتعليم رونقه ومتطلباته ومهابته.
وفي التفاصيل: كان نظام التعليم سنويا. وكان الطلبة يجازون فصل الصيف بأكمله، وتراهم يعملون خلال الإجازة او يطالعون او يرتحلون ويهضمون ما تعلموه ويبنون شخصياتهم، ويعودون في العام التالي أكثر نضجا وشوقا لمواصلة الدراسة.
في منتصف السبعينيات أدخلت جامعة اليرموك التي تأسست عام 1976 نظام الساعات المعتمدة (وقد عملت فيها من ذلك الوقت). وكانت هذه بداية التركيز على الكم لا الكيف.
اعتماد نظام (الساعات المعتمدة) كان الخطأ الاستراتيجي الذي تم ارتكابه في مسيرة التعليم العالي على يد فوج من الأساتذة (القادة!) تتلمذوا في الجامعات الأميركية وعادوا لتطبيقه في المدارس والجامعات الأردنية. لقد طبقوا نظام التعليم الأمريكي دون فهم حقيقي لواقع مجتمعهم الأردني العربي، ودون فهم حقيقي لطبيعة نظام الساعات المعتمدة أصلا او حتى لنظريات التربية المستوردة معهم.
كان الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبه هؤلاء والذي ندفع ثمنه الآن هو: اعتماد نظام تعليمي صمم لمجتمع سريع الخطى يحسب حساب العمل بالدقيقة والثانية، وإدخاله لمجتمع بدأ يستفيق من إغفائه تاريخية ، مجتمع بطيء الخطى تكالبت عليه قوى التراخي منذ سقوط بغداد الأول على يد المغول عام 1258 وبعدها العثمانية وقوى الاستعمار الحديث.
يبدأ الطالب الأمريكي دراسته من المحاضرة الأولى في بداية الفصل وبدقة متناهية حسب خطة دراسية تحدد له ماذا يدرس محاضرة بعد محاضرة وما هو مطلوب منه من بحوث وأعمال وامتحانات وفي تحد عالي لمستوى ذكاء ذلك الطالب.
وتجد الطالب الأمريكي يبدأ الاستعداد بشراء الكتب العديدة المقررة والاطلاع على الخطة الدراسية واعداد نفسه قبل بداية الفصل بأيام. ويلتئم التدريس من اليوم الأول وتدهش (كطالب أجنبي) من حجم الواجبات التي تترك الطالب مشغولا، كما وتدهش من الالتزام والانضباط. ويستمر ذلك طيلة الفصل حتى آخر يوم فيه.
عندنا الصورة مختلفة: لا يبدأ التدريس الحقيقي قبل مرور أسبوع على الأقل من بداية الدوام وأحيانا بعد أسبوعين. ويقرر على الطلبة (دوسيهات) يعدها أساتذة تجمع بين دفتيها مقالات أو فصول من هنا وهناك تفتقد بالطبع لوحدة الموضوع، أو كتب تتضمن ترجمة خاطئة لمفاهيم علمية بما يعنيه ذلك من زرع أفكار خاطئة في عقول الطلبة.
وتبلغ المأساة ذروتها في الفصل الصيفي القصير، (وكنت قد طالبت بالغاء هذا الفصل منذ الثمانينيات بعد ان اكتشفت ان الطالب لا يتعلم فيه شيئا في مقال نشرته بجريدة الرأي وقدمت المسوغات لذلك). وهذا ناهيك ايضا عن قاعات تصدر الصدى لا تصلح للتدريس أحيانا.
بعد مرور ما بقارب 38 عاما على تطبيق نظام التعليم بالساعات المعتمدة في الأردن فان الحصيلة ما نرى: تعليم كمي نتيجته خريجون لا يتقن معظمهم الكتابة بالعربية ولا اللغة الأجنبية، ولا التفكير العلمي، ضعاف في تخصصهم ويتخرجون في غضون ثلاث سنوات وبمعدلات خرافية، وينضمون لأفواج العاطلين عن العمل الناقمين.
اذا كان هدف التعليم صقل قدرات الإنسان فان اقل ما يقال في نظام تعليمنا الحالي انه لا يفعل ذلك. والمشكلة مرشحة للتفاقم اذا لم يتم تدارك الأمر.
*جامعة اليرموك–كلية الإعلام

التعليقات

Dr. Ahmad (.) الثلاثاء, 04/22/2014 - 19:56

This article is great.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)