TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
الخوارزميات أم الأوصياء؟ من يحكم الجامعة في عصر الذكاء الاصطناعي
11/10/2025 - 10:45am

بقلم المحرر الاكاديمي
في ظل التحولات العميقة التي أحدثها الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي، تواجه الجامعات تحديات غير مسبوقة تتطلب إعادة التفكير في أساليب الحوكمة التقليدية. ويتجلى في قلب هذه الأزمة الأوصياء/ مجالس الأمناء؛ اذ هم السلطة الأساسية المسؤولة عن وضع السياسات الاستراتيجية والإشراف على إدارة الجامعات. ورغم الأهمية البالغة لهذه الهيئات، إلا أن كثيرًا من الأوصياء لا يمتلكون المرونة أو الخبرة الرقمية اللازمة لمواكبة التحولات العصرية، ما يجعل قراراتهم أحيانًا متأخرة وغير متوافقة مع متطلبات الجامعات الذكية.

تشير الدراسات إلى أن متوسط أعمار الأوصياء في العديد من الجامعات يقارب الثمانين عامًا، وهو مؤشر على فجوة معرفية كبيرة بين صناع القرار ومتطلبات العصر الرقمي. هذا الواقع يحد من قدرتهم على مواجهة قضايا دمج الذكاء الاصطناعي في المناهج، وحماية البيانات الأكاديمية، واستخدام التحليلات الذكية في توجيه القرارات الاستراتيجية. وفي كثير من الجامعات، يضم الأوصياء عددًا كبيرًا من الأعضاء، يصل أحيانًا إلى عدد كبير، ما يعقد التنسيق ويحد من سرعة اتخاذ القرار، خصوصًا في ظل غياب التنوع العمري والثقافي، ليصبحون بذلك حاجزًا أمام الابتكار ويحولون الجامعات إلى مؤسسات أقل قدرة على المنافسة في بيئة تعليمية تتغير بسرعة فائقة.

ولا تقتصر أوجه القصور على الجمود الإداري، بل تشمل أيضًا ضعف الشفافية وظهور مظاهر المحسوبية، حيث يتم في بعض الحالات توظيف المقرّبين في المناصب الأكاديمية والإدارية على حساب الكفاءات الحقيقية. هذه الممارسات تقلل من ثقة المجتمع الأكاديمي في الهيئات العليا، وتضعف دور الأوصياء في دعم البحث العلمي وحماية الاستقلال الجامعي. ونتيجة لذلك، تتحول هذه الهيئات من أدوات رقابية إلى شبكات نفوذ مغلقة، تعمل لصالح فئة محدودة، على حساب مصالح الطلبة والمجتمع الأكاديمي ككل.

ويتضح عجز الأوصياء التقليديين بشكل أكثر وضوحًا عند وقوع الأزمات الجامعية الكبرى، سواء كانت سياسية أو مالية أو أكاديمية. فقد أظهرت تجربة استقالة رئيس جامعة فرجينيا عام 2025 تحت ضغوط مرتبطة ببرامج التنوع، عجز الأوصياء عن حماية الاستقلال الأكاديمي أو إدارة الأزمة بفاعلية، واكتفوا باتخاذ إجراءات مؤقتة دون معالجة جذور المشكلة. وهو ما حصل في احدى الجامعات عندنا، ويعكس هذا العجز ضعف التدريب المؤسسي للأوصياء واعتمادهم على أساليب تقليدية لا تتلاءم مع بيئة التعليم المعاصر. بالمقابل، يتيح الذكاء الاصطناعي تحليل البيانات بسرعة فائقة، وكشف الانحرافات وسوء الإدارة في الوقت الحقيقي، مما يجعل الدور التقليدي للأوصياء محدودًا أمام التحديات الرقمية.

ورغم هذه الصورة المقلقة، يقدم الذكاء الاصطناعي فرصة لإعادة تصور الحوكمة الجامعية بشكل أكثر شفافية وكفاءة. فمن خلال الخوارزميات، يمكن رصد مظاهر المحسوبية فورًا، وتحليل الاتجاهات العالمية لتوجيه السياسات، وإشراك الطلبة وأعضاء هيئة التدريس في عملية اتخاذ القرار عبر منصات رقمية تفاعلية. هذا النموذج الهجين لا يلغي الدور البشري، بل يعيد صياغته ليصبح الأوصياء شركاء في الإدارة، مدعومين بأدوات تحليلية دقيقة تضمن العدالة والكفاءة. وهكذا يتحول الذكاء الاصطناعي إلى “أمين رقمي” على مستقبل الجامعات، مع الحفاظ على إشراف بشري مؤهل ومسؤول.

وتشير الأدلة إلى أن الاعتماد المستمر على الأوصياء التقليديين يمثل تهديدًا لقدرة الجامعات على مواكبة التحولات الرقمية. فالانتقال إلى حوكمة هجينة تجمع بين الخبرة البشرية والتحليل الذكي للبيانات ليس رفاهية، بل ضرورة استراتيجية لضمان استدامة التعليم العالي. إعادة تعريف مفهوم الأمانة الجامعية على أسس رقمية وشفافة يمكّن الجامعات من التكيف مع العصر الرقمي وتجنب الجمود الإداري الذي يعيق الابتكار وإنتاج المعرفة. فالجامعات إما أن تعتمد الحوكمة الذكية القائمة على البيانات، أو تبقى أسيرة الجمود الإداري للأوصياء التقليديين، مع ما يترتب على ذلك من تراجع في تأثيرها الأكاديمي وقدرتها التنافسية. فالجامعات اليوم تحتاج إلى ثورة رقمية حقيقية، لا إلى أوراق تقليدية عفى عليها الزمن.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)