TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
الدراسات العليا،،
23/02/2021 - 8:15am

محرر الجامعات

اجتمع رئيس الجامعة مع الأساتذة المشرفين على الدراسات العليا - وهم أغلبية- والموضوع كبير يستحق حماس الرئيس وصدقه بالنهوض بالبحث العلمي والدراسات العليا. والأمر لا يتعلّق بجامعةٍ ما، أو بعض الجامعات، ولكنّه للأسف عامٌّ طامٌّ!
ورغم تشعُّب الموضوع غير أن السؤال الرئيسي فيه كان: لماذا تعاني الدراسات العليا من الضعف والهبوط الحاد بمستوى مخرجاتها، ولماذا هَزُلَتْ حالها، وصار الغرض منها كما لا يخفى الحصول على شهادة فارغة من مضمونها بأطروحة هزيلة لا تغني فتيلاً ولا تُجدي؟
مع توفُّر هذا العدد الكبير من أساتذة متميّزين تخرّجوا في جامعات عالمية مرموقة، ولديهم سجلّ حافل بالخبرات والأبحاث العلمية؟؟
المشكلة عميقة نوعاً ما، لتداخل أكثر من طرف فيها، ومساهمة كل منهم بطريقته فيها، ومن هذه الأطراف:
الطالب: فأغلب طلاب الدراسات العليا في الحقبة الأخيرة يعانون من ضعف علمي ذاتي، لا يرتقي الطالب معه إلى أن يكون طالب دراسات عليا، وهذه مشكلة لها بُعدان والطالب فيها ضحيّة: البعد الأول خارجي يمتد إلى داخل الجامعة، له علاقة بتراجع التعليم عالميّاً أو إقليميّاً، المدرسي منه والجامعي، وله علاقة بالمجتمع وتراجعه الأخلاقي والاقتصادي والاجتماعي ضمن حركة متسارعة من التغيّر والتدهور تشهده كافة الأصعدة، فوصل الطالب مرحلة الدراسات العليا بهذا الضعف المُتراكم، والطامة أن أغلب الطلاب الذين يدخلون برامج الدراسات العليا هم على هذي الحال؟! فمسألة اختيار الأفضل أصبحت غير واردة؟!!
والسؤال: ما الذي يجبرني كجامعة على قبولهم؟
الجواب نابع من مشكلة أخرى: وهي أن البلد فيها حوالي 36 جامعة، وأكثرها فيها برامج دراسات عليا مشابهة، فهي منافِسَة، في ظل حاجتي الماسّة كجامعة لأيّ مصدر دخل مادي يُساهم في تخفيف ضغط الضائقة المالية على مواردي ومصادري، فصار القبول في الدراسات العليا وتوسيع أبوابه مسألة ماليّة استراتيجيّة.
وهنا لا أستطيع أن أتشدّد في القبول وغير مُتاح لي المفاضلة، حتى أنتقي الأفضل، ولو فعلت ذلك لصالح المستوى العلمي سأخسر الرهان ، ولن يعدم الطلاب جامعات أخرى تُرحِّب بهم وتمنحهم ما يريدون، وتتجه برامج الدراسات العليا في جامعتي إلى الإضمحلال والإغلاق، وسيحسَب هذا عليّ فشلاً، وستلوكنا دون رحمة ألسنة التنظيرات المُغرَمة بتجريم المُمسك على جمرة الحقّ؟!
فماذا فعلت الجامعات؟
قَبِلَتْ الطلاب على ما هم عليه، ووضعتْ الكرة في مرمى الأقسام الأكاديميّة، وصارت الأقسام أمام أمرين: إما بذل جهود كبيرة لتخريج الطلاب بعد إعادة بنائهم، ورفع سويّتهم إلى مستوى الدرجة العلميّة التي ينالون، وإما يسايرونهم بأقلّ الجهد، على اعتبار: لا يُصلحُ العطّارُ ما أفسدَ الدهرُ!!
وفي الأقسام الأكاديمية الأمر منوط بالدرجة الأولى بالدكتور( عضو هيئة التدريس) ومستواه العلمي وأخلاقياته، وكيف وصل إلى هذا المكان، وتوبّأ منصّة التعليم؟! وهل هو أهل لهذه الأمانة؟
وهنا انقسمَ الأمر إلى طائفتين :
مدَرّس احترم مكانته العلميّة وتمسّك بالأخلاق الأكاديميّة وعَرف حجم رسالته فتشدّدَ في الأمر، ليعطي الدراسات العليا حقها، فتحفظ مكانتها، غير أنّ هؤلاءتحاشاهم الطلاب وتجنّبوهم، وحورِبوا حرب باردة تسخن أحياناً، فتواصوا بالبُعد عن موادِّهم، بحجة صعوبتهم وجدّيتهم المُفرطة، كما أن أيديهم، مغلولة إلى أعناقهم في العلامات!! وعليكم بالأسهل الأسلس مبسوط اليذ في العلامات، فاتجهت الأمور إلى هذه الطائفة من المدرّسين، فهم أرخى بِطاناً، وأبعد عن وجع الرأس!!
فصار الدور لهذه الطائفة ونهضت بالعبء المتراخي: تدريساً وإشرافاً ومناقشات!! فإذا بحث الطالب عن مشرف أشارت الأصابع إلى فلان: ما يغلبك ولا يعقدك، وسرعان ما تناقش( عجلانَ ذا زادٍ أو غير مُزَوَّدِ)، فيذهب الطالب إليه، وعلى عين التعليمات وفي ظلها يتم الأمرُ، والسبب هنا ليس التعليمات وإنما لجنة الدراسات العليا في الأقسام، ففي هذه المنطقة تتدخل الأهواء وتتمشّى مع التعليمات إلى حدٍّ ما، لأنّ لجنة الدراسات العليا- إلّا المتقين- تتهاون بالأمر، وتوافق على الإشراف وتبارك عنوان الموضوع الذي سيكتب به الطالب دون مناقشة الطالب فيه من لجنة مختصة تكوّنها- كما في التعليمات-، ويتحوّل الأمرُ الآن بين الطالب ومشرفه، فإمّا أن يتفق المشرف والطالب على خطة عمليّة، تنقذ ما يُمكن إنقاذه، فيتابع المشرفُ طالبه مرحلة مرحلة من مراحل العمل: استكشاف وحصر الدراسات السابقة، جمع المادة على بطاقات، فرز البطاقات بجلسة مشتركة، يسفر عنها: وضع مخطط الرسالة وعناوينها الرئيسة، توجيه الطالب للشروع بالكتابة بعد التأكد من جمعه المادة المطلوبة واستقصائها قدر الإمكان، فيكتب الطالب مبحثاً أو فصلاً ثم يعرضه على مشرفه، يصوّبه ويكتب ملاحظاته ويعيده للطالب، وهكذا دواليك حتى تكتمل الرسالة، فيقرأها المشرف قراءة عامة، يقرّر بعدها جاهزيتها للمناقشة أو يطلب من الطالب استدراك ما فاتهما. وهذه هي الحالة المُثلى تقريباً وظني أنّها قليلة الحدوث، أمّا الحالة الثانية: فإن الطالب يغيب مدة تطول أو تقصر، ويباغت المشرف بزيارة ومعه أحد فصول الرسالة كاملاً- وقد يأتي متأبّطاً الرسالة كاملة-، يتقبّل المشرف ما جاء به الطالب، ويقرأه، ويسجِّل ملاحظاته عليه، ويطلب من الطالب تعديلها، وكذا سائر الفصول، ثم يقدِّم الطالب للمناقشة، وكونه على عدم ثقة علمية من الطالب ورسالته، فيقترح لجنة سهلة ليّنة مع عضو خارجي يقترحه هو من أصدقائه- ونادراً ما يؤتى بالمُناقش الخارجي لأسباب علميّة بحتة- ، وقد يتخلل هذا أن يُستَبعَد صاحب الاختصاص الدقيق بموضوع الرسالة لأنه من الطائفة الأولى المُعقّدة، أو لسبب شخصيّ بينه وبينه المُشرف، ويحلُّ محلّهُ مَن لا علاقة له بالرسالة من حيث تخصصه الدقيق، ويمرّ الأمر من لجنة القسم بسلام، وتوافق عليه لجنة الكلية، ثقةً بمجلس القسم، ويُرفَع الأمر لكلية الدراسات العليا( وللأمانة فإن الدور المنوط بكلية الدراسات العليا هنا دور إداري بحت، وقد يتدخّل بالشأن الأكاديمي الفني ولكن شكليّاً).
تتم المناقشة، في مظهر احتفالي، تتخللها أحياناً المجاملات الباذخة بين أعضاء اللجنة، وللأمانة فإن كثيراً من المناقشين لا يتركون ملاحظة إلّا ويشيرون إليها سواء على نسخة الرسالة أو خلال المناقشة، وهنا تظهر الفروق الفردية والعلمية والمنهجية بين المناقشين، فبعضهم يقطع المسافات حتى يقدّم ملاحظات شكلية سطحيّة: تصويبات طباعية أو استداراكات لغويّة( هي مهمة لكن حسبه تسجيلها على نسخة الرسالة)، وبعضهم يغوص على ملاحظات جوهريّة، وللأسف فإن أغلبَ الطلاب يلتزم الصمت في المناقشة ليَسْلَم، ولا يردّ على ملاحظات بعض المناقشين غير الصائبة أحياناً، وقد لا يدافع عن رأيه وهو حق.
وجرت العادة أنّ النتيجة ناجح، لكن الاختلاف في درجة التعديلات المطلوبة من الطالب، ومهما كانت التعديلات فإنها مسألة وقت، وربما جَرتْ بجدّ وربّما تُسومِح فيها.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)