TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
الرحلة للهبوط والفشل
16/12/2019 - 12:30am

بقلم: المهندس عامر عليوي/ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
استوقفني قول لرئيس الوزراء السنغافوري لي كوان يو وأرى فيه خارطة طريق لتنتهجها حكوماتنا المتعاقبة من اجل التخفيف من المعاناة اليومية التي نعيشها، يقول لي كوان: (اصنعوا الانسان قبل أي شيء، امنوا المرافق والخدمات ثم اجعلوه يستخدمها بطريقة حضارية ونظيفة، وأعيروا التفاصيل الحياتية اليومية كل الاهتمام)، شوفوا التركيز على الاهتمام بالتفاصيل اليومية لحياة افراد المجتمع لديهم والبحث عن حلول جذرية للمشكلات اليومية التي يواجهونها، بس نحن اشطر منهم، لقد تجاوزنا هذه المرحلة وغرقنا في خيال الاستراتيجيات والخطط الخمسية والعشرية والله اعلم متى رح نصحى من هذا الخيال. سيخسر كل من يترك مشاكل افراد مجتمعه اليومية ويتجاهلها، ويجعله يغرق فيها، ثم يطالبه بأن يعي التحديات وحجم الضغوط التي تتعرض لها بلاده، فمن يريد مجتمعاً قوياً متماسكاً عليه أن يبدأ بالاهتمام بالتفاصيل اليومية البسيطة ووضع حلول لها لا بالتنظير باستراتيجيات وخطط واليات العمل، فالناظر مثلا لا حصرا الى الاختناقات المرورية على الطرقات يشاهد المعاناة الحقيقة التي يتعرض لها المواطن كل صباح والتي تدفع بالموظفين الى افراغ غضبهم على المراجعين لهم بأماكن عملهم والذين هم أيضا يأتون مشحونين بطاقة سلبية جراء المعاناة من الازدحامات المرورية الناتجة عن تخلف وضعف وسائل النقل العام وترهل البنية التحتية للطرقات واكتفاء الحكومات المتعاقبة بالتنظير دون وضع حلول جذرية لهذه المشكلة، وهكذا الدائرة تستمر بالدوران لينتهي اليوم بمجتمع ساخط وناقم على كل شيء حتى على ذاته.
وقول اخر لرئيس وزراء سنغافورة: (لا اعتقد أن طريق الديموقراطية تؤدي إلى التنمية، بل أرى أن البلد يحتاج إلى النظام أكثر من حاجته إلى الديموقراطية). كم أشفق على حالنا...
تحدث كثير من السياسيين والمفكرين وشخصوا عدد من المشاكل والمعوقات التي تواجه المؤسسات الحكومية في الاردن والتي تقف حائلا بينها وبين تطورها وتقدمها وكان على رأس هذه المشاكل مشكلة "سوء الإدارة" وبعضهم اختزلها بها فقط. تشتهر بين الناس مقولة "الإدارة شطارة" وهي مقولة على الرغم من اختزالها الشديد للأمور إلا أنها على قدر كبير من الصحة بلا شك. فالإدارة هي النخاع الشوكي الذي يحدد نجاح مؤسسة ما من فشل مؤسسة أخرى، وهي القاعدة التي تقوم عليها كافة أنشطة المنظمات مهما كان حجمها، ومهما كان مجالها أيضًا، فإذا صلحت الإدارة، صلحت المؤسسة كلها وإذا فسدت، بدأت الرحلة للهبوط والفشل.
المشكلة أن الكثير ممن يتولون المسؤولية بأجهزة الدولة المختلفة يعتبرون أن الإدارة تعني "الإشراف والمراقبة" فقط، ويتجاهلون عشرات الفروع والمجالات الأخرى التي تقع تحت مصطلح "الإدارة"، بدءًا من التخطيط والتنظيم والتدريب ووضع الرؤى وقيادة الفريق، الإدارة ليست مجرد "إشراف" على عمل الآخرين بقدر ما هي منظومة متكاملة من الإجراءات والتي تحدد مسار عمل المؤسسات ومدى نجاحها وقدرتها على الإبداع والابتكار والمنافسة.
كلنا يعلم بان للإدارة الناجحة اهمية كبيرة في تقدم الامم والعكس صحيح فان الادارة الفاشلة ينتج عنها التخلف الاداري والاقتصادي وكل ما يرتبط به من النشاطات. وكذلك ان للقادة والمدراء الاثر الكبير في تقدم الافراد والمجتمعات والمؤسسات، ولهذا فان التعريف المبسط للإدارة الناجحة هو كيفية الاستخدام الامثل للموارد المتاحة عن طريق التخطيط، والتنظيم، والتنسيق، والتوجيه، والمتابعة، والرقابة، وينتج من ذلك اتخاذ قرارات المنظمة بالشكل الصحيح بكفاءة وفاعلية.
وللشيخ محمد بن راشد، حاكم دبي رأي في ذلك فيقول: إن مشكلة الوطن العربي تكمن في الإدارة وليس الموارد، كما أن الدول العربية لديها فائض في السياسيين وهم يديرون الاقتصاد والتعليم والإعلام والرياضة. وله تغريدات على التويتر تحت هاشتاج #علمتنى_الحياة، يقول فيها: أن الخوض الكثير في السياسة بعالمنا العربي هي مضيعة للوقت.. ومَفسدة للأخلاق.. ومَهلكة للموارد.. من يريد خلق إنجاز لشعبه فالوطن هو الميدان.. والتاريخ هو الشاهد.. إما إنجازات عظيمة تتحدث عن نفسها، أو خطب فارغة لا قيمة لكلماتها ولا صفحاتها.
وأضاف: أزمتنا أزمة إدارة وليست موارد.. انظر للصين واليابان لا يملكان موارد طبيعية أين وصلوا.. وانظر لدول تملك النفط والغاز والماء والبشر، ولا تملك مصيرها التنموي.. ولا تملك حتى توفير خدمات أساسية كالطرق والكهرباء لشعوبها.
لنتوقف هنا ونسأل أنفسنا بكل بساطة، لماذا نجحوا وفشلنا؟

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)