TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
السياسة بين العواطف والمصالح: أردوغان نموذجاً
14/05/2022 - 6:45pm

د. أحمد بطاح
لا يختلف كثيراً كثيرون على أن الرئيس التركي أردوغان زعيم عالمي كبير استطاع أن يحقق انجازات لافته لبلاده فقد نشلها من شبه انهيار اقتصادي إلى عضو في مجموعه العشرين، ومن دول غير مؤثرة في السياسات الدولية إلى قوة اقليمية "رئيسية" ومن دولة يهيمن العسكر على نظامها السياسي إلى دولة ديموقراطية ممارسة، ومن عضو تابع في حلف الأطلسي إلى عضو نافذ له استقلاليته ويستطيع أن يختلف حتى مع الولايات المتحدة زعيمة الحلف والقوة الأولى في العالم.
ولكن أردوغان بالإضافة إلى كل ما سبق أثبت أنه زعيم "برجماتي" عملي يُطبق القاعدة الخالدة في عالم السياسة وهي: أنّ السياسة لا تقوم على العواطف بل على المصالح وأنه ليس هناك مواقف ثابتة بل هناك مصالح دائمة، ومن هذا المنطلق فقد قام الرئيس التركي بعدد من "الاستعدادات" المهمة خلال مسيرته السياسية التي امتدت حتى الآن إلى ما يقارب العشرين عاماً ولعلّ من أهم هذه "الاستعدادات":
أولاً: زيارته لموسكو ومصالحته للزعيم الروسي بوتين بعد أن أسقطت القوات التركية طائرة روسية، ودخلت العلاقات التركية الروسية في أزمة، ولم يكن للرئيس التركي من سبيل للتغلب على هذه المشكلة مع دوله كبرى مثل روسيا إلّا أن يزور موسكو ويعيد العلاقات التركية الروسية إلى سابق عهدها، ولعلّها ما زالت متميزة حتى الآن.
ثانياً: استقباله لولي عهد أبو ظبي الرئيس الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وذلك بعد توتر مشهود في العلاقات بين دولتي الإمارات وتركيا وقد أثمرت هذه الزيارة عن استثمارات إماراتية في تركيا زادت عن عشرة (10) مليارات دولار، وقد أخذت العلاقات بين البلدين من منحى جديداً بالفعل.
ثالثاً: استقباله للرئيس الإسرائيلي في أنقره والتعبير عن رغبته في تحسين العلاقات مع إسرائيل، وذلك بعد فترة غير قصيرة من "انعدام الوِد" بين الزعيم التركي والزعماء الإسرائيليين، والكل يذكر موقف أردوغان في مؤتمر دافوس حين انسحب من المؤتمر محتاجاً على خطاب الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، وموقفه كذلك بعد التعرض الاسرائيلي للسفينة التركية التي كانت تريد كسر الحصار عن قطاع غزه. صحيح أن العلاقات التركية الإسرائيلية لم تعُد إلى سابق عهدها (قبل حكم أردوغان حين كانت العلاقات بين الدولتين وثيقة)، ولكن من الواضح أنها تسير في هذا الاتجاه.
رابعاً: زيارته للمملكة العربية السعودية التي لم يزورها منذ عام 2017، والتي وقف منها موقفاً ناقداً بحدة على أثر حادثة الصحفي السعودي جمال خاشقجي. لقد أعاد الرئيس التركي ملف خاشقجي إلى السعودية (كما كانت تطالب دائماً)، وقام بزيارة إلى المملكة صافح خلالها بحرارة كلاً من الملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان الذي طالما تمنع من التواصل معه بعد الحادثة. إن من غير الواضح ما الذي سوف تنتج عنه هذه الزيارة ولكن من المؤكد أنها سوف تكون "انعطافه" في تاريخ العلاقات بين البلدين حيث لكل منهما مصلحة في الواقع في تحسين العلاقات والارتقاء بها.
إنّ كل الشواهد الآنفة الذكر تثبت أنّ الرئيس التركي أردوغان ليس سياسياً مبدئياً صاحب أيدلوجية جامدة (Dogmatic)، ولكنه سياسي ذكي يستقرأ مصلحة بلاده ويتحرى مكانها ولا يتردد في أخذ القرارات الضرورية تحقيقها حتى وإن بدى للبعض أنها غير متسقة (Consistent) أو معارضة لمواقفه السياسية التي طالما عبَّرَ عنها.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)