TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
"العليقة عند الغارة ما بتنفع"
14/03/2019 - 6:45pm

بقلم: المهندس عامر عليوي/جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
قال صمويل كولت عندما اخترع المسدس جملته الشهيرة: "الآن يتساوى القوي والجبان".
لقد اختلطت في رؤوسنا كلمات "أنت حر مالم تضر" حتى أصبح البعض يعتقد انها دعوة للانفلات والفوضى والهمجية، واشهد الله انني لا أقول ذلك من باب التوبيخ لا سمح الله ولكن مذكرا نفسي واياكم بأن الحرية لا تعني ان تضر الاخرين او تتعدى على ارواحهم وتقلق منامهم وتعكر صفوهم، وتقطع طرقاتهم، وتزهق ارواحهم.
لا يختلف اثنان في أن أمن المجتمع واستقراره واحدة من أهم المقومات والأسباب التي تؤدي إلى تطوير البلد- أي بلد- ووصولها إلى مستويات راقية ومطمئنة، الا اننا وللأسف بدأنا نشهد تنامي مخيف لظواهر عديدة دخيلة على مجتمعنا ومنها للذكر لا للحصر ظاهرة إطلاق النار في الأفراح والمناسبات التي تشهدها عدد من مدن وقرى المملكة خلال أيام الأعياد، والمناسبات، والأفراح، حصدت أرواحا كثيرة لأناس أبرياء ذنبهم الوحيد كان رغبتهم الشديدة في المشاركة بالأفراح وإتمام الواجب على أكمل وجه، وغيرهم من الجيران وكل من يتواجد في المكان وعلى مقربة منه.
في ظل حالة من التراخي غير المسبوقة من الجهات الرسمية في الدولة الأردنية لردع ووقف هذه الظاهرة المقلقة والمؤلمة، تبدأ فصول هذه الظاهرة المأساوية عندما يحمل مجموعة من الأشخاص أسلحتهم الرشاشة الاوتوماتيكية وإشهارها عالياً وبشكلٍ علني أمام كل الناس، وبحضور رجالات الوطن من أصحاب المعالي والسعادة والعطوفة، وفي كثير من الأحيان كبار ضباط الأجهزة الأمنية، ويبدأ هؤلاء الأشخاص يمطرون السماء بوابلٍ من الرصاص ويتم أيضا تصويرها ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي من باب التفاخر والتباهي، معتقدين أنهم بهذا الفعل قد أثبتوا رجولتهم وقوتهم ونفوذهم، وهم يعبرون عن فرحتهم بصورة مخالفة غير ابهين للأنظمة والقوانين الناظمة لاستخدام واقتناء الأسلحة النارية بمختلف اصنافها وانواعها، في ظل غياب واضح لتطبيق القوانين المتعلقة باستخدام الأسلحة واقتنائها، فالشرطة لا تتدخل إلا عند وقوع الكارثة فإذا أطلقت النار في الأفراح ولم يقع ضحايا او مصابين فالأمر عاديا ولا تتدخل الشرطة، إما إذا وقع ضحايا فتسرع الشرطة بالتحقيق في الحادث وفي النهاية يحال الأمر عشائريا وتنتهي الأمور بعطوة عشائرية بختامها يشرب الجميع فنجان من القهوة معلنين ومقرين ان ما حدث هو قضاء وقدر.
هذا الامر وحالة التراخي العامة التي تتعامل بها معظم أجهزة الدولة بإدارة الازمات المختلفة التي بدأنا نشهدها كل يوم تذكرني بالمثل القائل: "العليقة عند الغارة ما بتنفع"، والذي يعود أصل هذا المثل المتعلق بالغزوات والحروب والخيل حيث كانت بعض القبائل أو الجيوش تسترخي احيانا وتطمئن في فترات الهدوء والسلم، وتقلل اهتمامها بخيولها ولا (تعلفها)، فتهزل هذه الخيول وتضعف، وتصبح حركتها بطيئة وكسوله، وعندما تتوارد اليهم أخبار وأنباء الغارات وان الغزو قد اقترب من مضاربهم، يقومون من ساعتهم بتعبئة (العليقة) بالشعير والبرسيم، ويعلقونها برقاب خيولهم حتى تأكل لتستطيع (المطاردة) والمناورة، وعندما يصل العدو ويعلو غبار المعركة تقف هذه الخيول عاجزة عن فعل ما هو مطلوب ومتوقع منها، فيحدث الضجيج والعتاب بين العربان بعد الهزيمة بسبب عدم التحوط واخذ الحذر، ويتساءل كبار القوم لماذا لم تعلقوا -تطعموا- خيولكم، فيبدا اللوم على فلان وفلان وعلان، ويقولون والله لقد علقنا لها امس واليوم، فيجيبهم عميد القبيلة: "العليق عند الغارة ما بنفع". هكذا هو تعاملنا (حكومات، وأجهزة امنية، ووجهاء، وشيوخ، وافراد مجتمع) مع هذه الظاهرة وغيرها من الازمات والاحداث والتي ينطبق عليه مثل العليقة، ما يتم لمعالجة ما بدأنا نسمع عنه من قضايا متعددة كل يوم وهذه المشكلة المقلقة والمهددة لمجتمعنا هو مجرد اجراءات ارتجاليه، من رئيس وزراء ووزراء، وأجهزة أمنية، وإجراءات مجتمعية وعشائرية، حيث لا يقومون بالإجراءات المطلوبة او اقل منها الا عندما تقع "الفاس بالراس"، وهنا لا ينفع العليق عند الغارة كما قال شيخ العشيرة وعميدها.
الأمن لن يتأتى إلا من خلال تضافر كافة الجهود والإحساس الوطني لكل فرد في المجتمع، الإحساس الذي يجعلنا جميعا على قدر كبير من المسؤولية، ونبذ كل التصرفات التي من شأنها التأثير على استقرارنا، لذلك بات لزاما علينا ان نبحث عن سبب تنامي ظاهرة انتشار السلاح بكثرة واللعب والتباهي به، وإطلاق الرصاص في الأعراس والمناسبات والافراح، حيث لم يعد الأمر محصوراً ببندقية صيد او مسدس ورصاصتين أو ثلاث، بل هناك الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والرشاشات الحربية، وقد وصل بالبعض إلى إطلاق النار من أر بي جي خلال الزفاف، علينا ان نتوقف ونسأل انفسنا:
• ما هي الطرق والوسائل التي تجعلنا نتكاثف يدا بيد لنضع الحد اللازم لتفشي هذا الوباء السرطاني المسمى إطلاق النار في الاعراس وغيره من المناسبات والافراح؟
• ماذا عن الأمهات الثكالى اللواتي فقدن فلذات أكبادهن برصاصة ثقيلة اخترقت أجساد أبنائهن وقطعت أحلامهم؟
• هل الى هذا الحد أصبح مجتمعنا مليئا بمظاهر الانفلات المتخلفة التي تشكل عائقا أمام تقدمنا نحو مستقبل مزدهر وآمن؟ 
• هل أصبحت أرواحنا رخيصة الى هذا الحد الذي يحجب أمام أعيننا التفكير بشكل عقلاني ومنطقي قبل أن نضغط على الزناد؟
وختاما: أقول لكم "الله يتمِّم على خير" و"الله يهنيكم" مذكرا بأننا نردد هذه الكلمات من دون الانتباه إلى عمق معانيها في أنْ تمرَّ لحظات الفرح بخير دون أن تتخللها غصَّة أو دمعة.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)