TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
الكتب المدرسية .. شيء محزن
29/11/2015 - 1:00pm

طلبة نيوز- د. حسام فارس

لا شكّ أن تأليف المناهج والكتب المدرسية ليس أمرا سهلا ، كما أنه ليس بمقدور كل من هبّ ودبّ ، إذ كان ميدانا خطيرا ، يحتاج العاملون فيه إلى قدرات مؤهلة ، وخبرات خاصة ، سواء على المستوى المعرفي أو التربوي، ولذلك فإن الأمم الراقية تولي هذا الأمر أهمية كبيرة ، لانعكاساته الخطيرة فيما بعد ، ودوره في صناعة المستقبل ، وتشكيل الأجيال اللاحقة .
لقد ذهلتُ ذهولا شديدا ، حين وقفت مصادفة على كتاب ( لغتنا العربية ، ج1 ، الصف الثالث ) ، في نسخته الجديدة المطورة 2014/ 2015 !!! حتى إني سرعان ما بدأت أصرخ ، مسائلا من حولي من الناس : هل أنا في الأردن ، حقا ، بلد العلم والجامعات ؟ هل يعقل أن يكون مثل هذا الكتاب بين أيدي أبنائنا وبناتنا .. ومعلمينا ومعلماتنا ، وهل هذه ثمرة التطوير التربويّ، وتشكيل اللجان المختلفة ، وإنفاق الآلاف المؤلفة !!
إن ما يهدف إليه مثل هذا الكتاب ، كما هو معروف ، أن يغنيَ قاموس الطفل اللغوي ، وأن يسهم في تنمية ذوقه الأدبي ، وتقوية مهاراته التعبيرية والكتابية ، فضلا عن تثقيفه وتهذيبه من خلال انتقاء النصوص والأمثلة ذات المضامين العلمية والتربوية المناسبة . ومن المحزن أن الكتاب لا يقوى على ذلك ، لأن " فاقد الشيء لا يعطيه " ، فقد جاء هذا الكتاب مخيبا للآمال ، بل لا يصلح ، في رأيي ، أن يدرّس في مرحلة ( الروضة ) ، لما فيه من أخطاء ، وركيك عبارة ، وضعف معالجة ، وسوء اختيار للنصوص ، وبعد عن أبسط معايير تأليف الكتب الموجهة لهذه المرحلة العمرية .
واختصارا للوقت ، أحب أن أشير إلى الملاحظات التالية :
1- لا يعقل أن يتم تخصيص درس كامل ، لمجرد أن نعلم الطالب في الصف الثالث الأعــدادَ من ( 1-12 ) ، كما في درس ( العدد في القرآن ) ، وأن نعلمه من خلال القصة مشروعية ( الشحدة ) من الناس ، حيث نقرأ في مطلع الدرس : " طلب رجلٌ إلى أحد الملوك أن يعطيه دنانير بمقدار الرقم الذي يذكره في الآيات القرآنية " ، وأن نعلمه كذلك عبث الملوك بالمال العام ، حيث تنتهي القصة بأن طلب الملك من حراسه أن يطردوا الرجل (الشحاد ) ، لأنه خاف أن يقرأ عليه قوله تعالى : " وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون " ، وكأن رجال الحكم والدولة يتصرفون بأموال الشعب على أهوائهم دون ضوابط أو قوانين .

2- لماذا يجبر الطالب في الصف الثالث أن يقرأ قصيدة في غاية الركاكة والضعف ، عنوانها ( عمّان ) للدكتور زياد الزعبي ، وهو ليس شاعرا ، وليس عنده أي ديوان، وهنا أتساءل : من وضع القصيدة بين أيدي أعضاء لجنة التأليف !! وذوق من هذا

 

الذي زكاها وأعجب بها !! مع أن مدينة عمان الحبيبة تغنى بها كبار الشعراء الأردنيين ، سواء ممن كتبوا للكبار أو كتبوا للصغار . فالقصيدة المذكورة تفتقر إلى أهم عناصر التأليف الشعري، وهو الوزن ، فعلى سبيل المثال ، فإن البيت :
أهوى الجبال الشــمَّ أهــوى روابيــــها

مكسور ، وهو لا يستقيم إلا بتسكين الميم ، ولكن التسكين هنا غير جائز ، لأن الكلمة ليست في موضع القافية !
وكذلك البيت :
روحـــي فدا الأردنِّ واللـــــه حاميــــها
فكلمة ( الأردنّ ) إذا حركت اختل الوزن ، وإذا سكنت لأجل استقامة البيت كان تسكينها غير مسوغٍ ، للعلة السابقة !!
وفضلا عن ذلك نجد بعض الأشطر في القصيدة مسروقة من شعراء سابقين ، فالشطر الذي يقول : " بيضٌ لياليها " مسروق من بيت الأرّجاني :
صفر غلائلها حمر عمائمها سود ذوائبها بيض لياليها
ولا شك أن الأمانة تقتضي الإشارة إلى ذلك ، أو وضع النص بين علامتي اقتباس . ومثل ذلك الشطر : " سبحان باريها " ، فهو مأخوذ من قول عرار ( مصطفى وهبي التل ) : سبحانه خالق الأردنّ من باري .
فالقصيدة متكلفة وملفقة من هنا وهناك .. ليست أصيلة ، وهي تفتقر إلى أبسط قواعد كتابة الشعر ، وهي بلا شك لا تليق بعاصمتنا (عمان ) التي تغنى بها عدد كبير من الشعراء المبدعين ، ومن الجدير بالذكر هنا أن الطفل لا ينجذب إلى النص الضعيف أو الذي لا يرقى إلى مستواه العقلي والإدراكي وقاموسه اللغوي ، لأنه سرعان ما يشعر بأنه أهين أو أن هناك من يريد أن يسخر من إنجازاته المعرفية التي حققها عندما ننزل بمستواه إلى مستوى ( طلبة الروضة ) مثلا ، كما هو الحال عندما تم تقديم هذا النص الشعري إلى طالب الصف الثالث ، أي في سن التاسعة من العمر.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه القصيدة جاءت في سياق درس بعنوان (بلدي الأردن ) ، وهنا أسأل ما قيمة هذا التغيير أو ( التطوير ) ؟ لأن هذا الموضوع نفسه نجده في المنهاج السابق ، وكل ما في الأمر أن عنوان الدرس تغير من ( وطني الجميل ) إلى (بلدي الأردن ) ، وواضح أن هذا ( المطوّر ) لا يعرف الفرق بين كلمة (وطني ) وكلمة ( بلدي ) على المستويين الدلالي والنفسي، ولعل أكثر ما يتعجب منه المرء هو حذف صفة ( الجميل ) عن الوطن ، من أجل إخبار الطفل في الصف الثالث أن وطنه هو (الأردن ) ، وكأن الطالب في مناهجنا يظل يجهل اسم وطنه ولا يعرف انتماءه وتابعيته حتى يصل إلى الصف الثالث !!

 

 

3- وقد وصل الأمر إلى اختيار ما هو أدهى وأمرّ ، ففي ( ص: 31 ) نطالع ما يلي :
" أقرأ أفقيا وعموديا :
ألوم صديقي وهذا محالٌ
صديقي أحِبُّهْ كــلام يقالُ
وهـــذا كلامٌ بليغ الجمال ِ
محالٌ يقال الجمال خيالٌ "
فهذا النص يذكرنا بشعر عصور الانحطاط الأدبي ، وخاصة في أواخر العصر العثماني ، حين أصبح الشعر مجالا للعبث باللغة ، والمهارات والصناعات اللفظية التي تأتي على حساب المعنى ، بل لا تأتي إلا لتخفي ضعف الموهبة ، وخواء التجربة ، وهل هذه وظيفة اللغة التي من أسمائها " البيان " ؟
إن النص كسالفه يفتقر إلى أهم مقومات الشعر ، وهو الوزن ، فالبيت الثاني مكسور ، لأن تسكين آخر كلمة ( أحبّهْ ) ليستقيم الوزن ، تسكين غير مسوغ نحويا ، وهو يدل على عدم خبرة في هذا الفن ، ولو سأل الطالب أستاذه لماذا جاءت الكلمة ساكنة،
فإنه لا يستطيع أن يجيب إجابة علمية مقنعة ، هذا فضلا عن عيب ( الإقواء ) الذي يجده القارئ في قافية البيت الثالث . فالنص مضطرب أشد الاضطراب ، سواء من
حيث بناؤه الشعري أو من حيث المضمون الذي يريد إيصاله إلى المتلقي / الطالب .

4- وقد جاءت بعض الدروس تتناقض تناقضا تاما مع القيم والأهداف التي يفترض إيصالها إلى الطفل في هذه المرحلة العمرية ، كما نجد ذلك في درس ( الأصدقاء ) ، وهو درس مضطرب من أوله إلى آخره ، فمع أن العنوان محبب للطفل إلا أن القصة تنتهي نهاية صادمة ، وغير واقعية . فالرجل الذي تعرض له الدب في الغابة اكتشف أن جميع أصدقائه كانوا جبناء ، حيث تركوه وحيدا ، راكضين صوب شجرة عالية للنجاة من الدب .
وقد يتعلم الطفل من القصة خلقيا سيئا وهو ( الكذب ) ، وذلك حينما سئل الرجل : ماذا قال لك الدب ، فكان جوابه : " قال لي : الصديق عند الضيق ، فلا تصاحب هؤلاء الجبناء " ، وهو كلام لم يقله الدب بطبيعة الحال في سياق القصة .
كما قد يتعلم الطفل من القصة خلقا سيئا آخر ، وهو ( أن يقول ولا يفعل ) ، فالصديق الذي قال ، عندما ظهر الدب : " ابقوا معا ، نستطيع أن ننتصر عليه مجتمعين " ، كان أول الراكضين إلى الشجرة ليحتمي بها .

 

وأخيرا ، فإن القصة ربما علمت الطفل أن ينحاز إلى المواقف الغبية ، وهو موقف الرجل الذي لم يحتم بالشجرة ويبتعد عن الخطر كما صنع أصدقاؤه ، إذ إن من الضروري أن نعلم الطفل أن يكون ذكيا ، سريع البديهة ، قادرا على حماية نفسه من الأخطار المحيطة ، لا أن يكون بليدا يعتمد على غيره .
5- كما جاء الكتاب مليئا بالأخطاء المختلفة ، التي لا يصح أن تكون في كتاب مدرسي لتعليم اللغة العربية ، وهو ما يدل على أن تأليف الكتاب كان على عجل ، ودون خبرة كافية في ميدان الكتابة للأطفال وإخراج الكتب المنهجية ، وهنا أحب أن أتوقف عند درس بعنوان ( من أنا ) ، حيث نقرأ :
- " اجتمع مازن وأبناء عمَّه .. " . والصواب : عمِّه .
- " سأل مازن : وكلنا مجتمعين ، هل تعرفون من نكون ؟ " . والصواب : وكلنا مجتمعون . فهذا خطأ نحويّ فادح !! فضلا عن أن الأصوب
- أن يقال : وكلنا مجتمع .
- جاء في سياق الدرس : " رد الأطفال : أنتِ العين ، أنت العين " . هكذا جرى تكرار هذه الجملة ، وهو تكرار لا معنى له ، لأن الأصح أن يجري ، مثلا ، تكرار
: أنت الماء ، أو أنت الهواء ، في إشارة إلى أهمية الماء أو الهواء في حياة الإنسان ، إذ بهذا يعرف الطفل وظيفة أسلوب التكرار اللفظي .
وفي الدرس الرابع ( سورة الليل ) يقرأ الطالب :
" أذكُرُ شيئا حذرت الآيات الكريمة منه ؟ " . وهنا نلاحظ أن علامة الترقيم ( ؟ ) قد استخدمت استخداما خاطئا ، لأن الصواب أن تنتهي الجملة بالنقطة ( . ) . وإذا كان الأصل أن يقال ( اذكرْ ) ، فيكون الخطأ طباعيا ، ولكنه جاء مضرا من الناحية التعليمية .
وأخيرا ، فهذه ملاحظات سريعة ، سقتها للدلالة على مستوى هذا الكتاب الذي يفترض أن يأتي ( مطوّرا ) حقا ، ولكنه جاء مضرّاً بطلبتنا.. وبسمعتنا العلمية والمنهاجية ، كما جاء أقل بكثير من مستوى الكتاب السابق ، فالكتاب السابق أفضل منه وأجود من كل النواحي : مضمونا وتأليفا ورسوما وإخراجا فنيا ومناسبة للمرحلة العمرية الموجه إليه العمل ، الأمر الذي يتطلب أن نعيد النظر في معنى كلمة (التطوير ) ، إذ لا يجوز أن يكون من معانيها التراجع والركاكة وسوء الاختيار والتأليف .. إلخ . ومثل ذلك نجده في كثير من الكتب المدرسية التي تم ( تطويرها !!) مؤخرا ، وسأتناول ذلك في مقالات لاحقة ، تأتي تباعا ، غيرة على طلبتنا ومستقبلنا وسمعتنا في هذا الميدان .

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)