طلبة نيوز-د.رحيل محمد غرايبة
من يراقب المشهد في العالم العربي، ويقف على بعض تفاصيل الأحداث والمجريات الكبيرة والصغيرة، يجد تشابهاً مدهشاً بين النظام الرسمي العربي، وبين المعارضة السياسية على وجه الإجمال والعموم، من حيث العقلية ومنهجية التفكير، ومن حيث أسلوب الإدارة، وطرق التعامل مع الذات و الآخر، وفي التعامل مع الجمهور من مؤيدين ومعارضين ومحايدين.
تقفز إلى الذهن الأحداث التي تجري على المسرح السياسي في مصر في أعقاب تقويض الديمقراطية وعزل الرئيس المنتخب، من محاولات الاستفراد بالحكم عن طريق افتعال المشاكل والأزمات، وانتهاج توتير أجواء الخصومة، واستعمال القسوة من أجل إقصاء الطرف الآخر، وإبعاده عن حلبة المنافسة، عن طريق استخدام كل الأدوات الممكنة من الجيش والأمن وكل أشكال القوة والعنف الممكنة، وكذلك اللجوء إلى القضاء والمحاكمات واستصدار الأحكام القاسية، إضافة الى الإعلام المرئي والمسموع ومواقع التواصل الاجتماعي.
وهنا يستحسن عقد مقارنة بين ما يجري أحياناً داخل أطياف المعارضة ومنها الحركة الإسلامية على الصعيد الداخلي، فهناك قدر كبير من التشابه يتجلىَّ في لجوء المتنفذين ومن هم في سدة هرم القيادة الى استخدام كل ما يملكون من أدوات ومهارات في إبعاد الخصوم والمنافسين، فهناك استخدام للإعلام الداخلي والخارجي في التشويه والاغتيال للشخصية، وهناك تلطيخ الصورة عن طريق الشائغات والأخبار المفبركة، وهنالك استخدام لأدوات التنظيم من أنظمة وتشريعات عقابية، واستخدام القضاء والمحاكم، الذي لا يخلو من التوجيه والإيحاء والتلقين، وإصدار الأحكام القاسية التي تدل على نسبة البتر والإقصاء المطلق، المصحوب بالحقد الأسود الذي لا يقبل الشراكة، واستخدام الأتباع والمصفِّقين في معارك الخصومة الداخلية.
ويظهر التشابه كذلك في موضوع فرض الهيبة، فكما تسعى بعض الحكومات والأنظمة إلى فرض هيبة الدولة عن طريق التشدد في فرض القانون واستخدام التشريعات عصاً غليظة في وجه الخصوم للتأديب، فكذلك نجد اللغة نفسها تستعمل في سياق فرض هيبة التنظيم، عن طريق الذهاب إلى الحد الأقصى في استخدام العقوبة المفرطة، ويظهر التشابه في أبهى صوره وحلله عندما يتم استخدام منطق (اجعلهم عبرة لمن يعتبر) وذلك عن طريق الذهاب إلى انتقاء بعض الشخصيات والتضحية بهم من أجل موضوع العبرة والوقاية.
ولا ننسى التشابه في موضوع اللجوء إلى الشطارة والفهلوة في الوصول إلى مراكز القيادة والتوجيه عن طريق تشكيل الشلل واستخدام «الكولسة» وحياكة المؤامرات والدسائس الليلية واستخدام المال السياسي ودفع الاشتراكات وشراء الذمم، وربط بعض الناس بالمصالح والوظائف والمنافع؛ وهذا سر الاختلاف الجوهري السابق على «جمعية المركز الإسلامي» لما تملكه من مصالح ومراكز و وظائف، يتم استخدامها كأدوات نفوذ وقوة وتأثير في الكتلة الانتخابية الفاعلة، وليس هناك تفسير آخر.
القضية الأكثر خطورة تلك المتعلقة بالإعلام والإعلاميين، حيث أن هنالك إدراكا ذكيا لأهمية الإعلام بصناعة الرأي العام الداخلي والخارجي، وأثره العظيم في القرارات وترويجها وتغطيتها، وفي هذا السياق يظهر واضحاً استخدام الأموال في رشوة بعض أصحاب المواقع، واستخدامهم لتسريب المعلومات والأخبار بطريقة فنية وموجهة، وفي هذا قدر كبير من التشابه لدى أصحاب النفوذ على الصعيد الرسمي و صعيد المعارضة، ومن هنا يجب السؤال دائماً عن العلاقة المشبوهة بين بعض الإعلاميين والترويج الدائم لبعض الشخصيات من خلال الإعطيات والوظائف والمنح والشغل الإضافي.
لقد تسلل هذا المرض إلى التنظيم بقدوم بعض الشخصيات إلى سدة القرار في الحركة الإسلامية، واتَّسم عهدها بالقدرة على التوظيف الإعلامي المدعوم مالياً بأموال التبرعات، التي خضعت للإنفاق تحت غطاء بعض الفتاوى الجاهزة التي تبيح هذا الاستخدام تحت بند ( في سبيل الله).
في الختام عندما تكون الحكومات والأنظمة والمعارضة بكل أطيافها عبارة عن أوانٍ مستطرقة، فاعلم أن التغيير والإصلاح عملية شاقة وصعبة، وطريق تكتنفها الوعورة وتحيط بها العقبات المستعصية.
اضف تعليقك