TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
الوزير السابق أ.د. أمين مشاقبة يكتب: مقترحات في الإصلاح
12/06/2021 - 5:45pm

طلبة نيوز - أ.د. أمين مشاقبة

لا نختلف في الأردن على وجود الملكية القائمة على بيعة شعبية وعقد اجتماعي يتمثل بالدستور، هناك متغيرات متسارعة بعد عام 2010 تتطلب التروي في التمعن والتفكير بآليات جديدة للإصلاح وعليه تكمن المشكلة في السؤال التالي: هل توجد وسيلة تضمن انتقالاً أقل تمزقاً بدل من الأكثر تمزقاً؟ وهل سيكون النظام ضحية إنجازاته وهل يمكن الإفلات من معضلة النجاح مقابل البقاء؟

إن المركزية في السلطة كانت ضرورية لتعزيز الإصلاح الاجتماعي، والسياسي والاقتصادي، وهذه جعلت من الصعوبة توسيع نطاق سلطة النظام التقليدي من أجل استيعاب القادمون الجدد الناجمة عن ارتفاع معدلات التعليم وازدياد درجات الوعي والتحديث برمته. فالأمر ينطوي على العلاقة بين سلطتي حكم التقليدية والحديثة، ويتوفر أمام النظام ثلاث استراتيجيات هي: -
السعي الى الحد من دور سلطة الحكم ويتم التوجه نحو الملكية الدستورية حيث الملك يملك ولا يحكم والسلطة بيد الشعب والأحزاب والبرلمانات والمؤسسات الدستورية،
أو المبادرة إلى الجمع بين حكم ملكية وشعبية في نظام سياسي واحد،
أو يمكنه استبقاء الملكية بوصفها المصدر الرئيس لسلطة الحكم في النظام السياسي، والحد من الآثار التدميرية التي يتمكن ان يتعرض لها النظام بسبب انتشار الوعي السياسي، وعليه فأن الوضع ينطوي على اعتماد أي من تلك الاستراتيجيات التي تتمثل بما يلي: -
أولاً: التحويل، نحو الملكيات الدستورية الحديثة حيث ان الملك يملك ولا يحكم وهذا في حالتنا الأردنية يتطلب وجود أحزاب قوية والانتخابات تجري على قاعدة حزبيه وهذا يأخذ وقتاً طويلاً للتحويل من إلى سلمياً. ويلاحظ أرسطو "كلما تقلص نطاق حق الملك، طال امد سلطة حكمه دون ان يصيبها ضعف" وهنا لا بد من النظر الى مصدر الشرعية للملك من بعدها التقليدي (ديني، تاريخي، قبلي) وتحويلها الى مصادر حديثة قانونية (أحزاب، برلمانات، دستور)، وهنا يعني الأمر التخلي عن مصدر الشرعية والتحويل لمصدر آخر من أجل الإبقاء على سلطته.
ثانياً: - التعايش، امام التحديث الذي لا مفر منه ما الذي يمكن عمله بشأن توسيع نطاق سلطة النظام السياسي لجعل التحديث امراً مقبولاً ومحتملاً.- مستحيل الجمع بين حكم ملكي وحكومة حزبية في ظل نظام يحتوي على مصدرين للسلطة السياسية، وكيف لنا التعايش مع هذه الحالة وهي ما يمكن ان يكون مناسباً للحالة الأردنية، وهي إضفاء طابع مؤسسي على التعايش بين الشرعية الملكية والشرعية الشعبية وهي تتعلق بمسؤولية مزدوجة تقع على عاتق رئيس الوزراء ومجلسه الوزاري نحو الملك والبرلمان، وهذا يدفع الى العمل على تشكيل تيار حزبي وطني يدعم حالة التعايش المطلوبة، او سعي الملك الى تنظيم حزبه السياسي الخاص به والسعي لإضفاء طابع مؤسسي على التأييد الشعبي لاستمرارية دورة الفاعل في الحكم.
ثالثاً: -الحفاظ، الى أي مدى يمكن لملكية حاكمة على التكيف والبقاء في بلد يجري تحديثه؟ من الممكن استرضاء الليبراليين واستيعابهم داخل الحكم أو استرضاء المحافظين بالتراجع عن الإصلاح أو زيادة حدة القمع (القبضة الأمنية) بحيث تقمع جدوة الليبرالية والمحافظين معاً. ان قدرة النظام على تقليل درجة الاستياء أصبحت ضعيفة امام عمليات التحديث القائمة فالاستيعاب الفردي أصبح غير مجدياً بالأردن، والتخلي عن فكرة الإصلاح أصبحت صعبة، ومن هنا فأن الحفاظ على الوضع القائم غير ممكنه والاستمرار في الحالة هذه أصبح صعباً فالحل في الحالة الأردنية هو التركيز على المحور الثاني وهو التعايش اذ ان للتحول للملكية الدستورية يتطلب وقتاً وتغيرات دستورية جذرية تقلل من سلطة الملك، ناهيك عن عدم القدرة في الاستمرار في حالة الحفاظ.

وفي ظل الوعي السياسي الناجم عن تطور وسائل الاتصال الجماهيري والتعليم فإن الأمر يتطلب النظر لإشباع حاجات ورغبات ومتطلبات الجيل الجديد الفئة العمرية 15-30 سنه واي تعبئه اجتماعية وسياسية ستزيد من مستوى المطالب والضغط على النظام ما دامت المؤسسية متدنية، فالتعبئة والتحريك اخطارها عالية إذا لم يتم التمكن من الاحتواء وهي على قاعدة سوء الأوضاع الاقتصادية ستزداد خطورة على النظام، ان حالة الانحطاط القائم في المؤسسات لا يخدم أي توجه إصلاحي ومن هنا ضرورة العمل على الإصلاح المؤسسي والإداري للدولة.

يعرف الإصلاح السياسي لغوياً بأنه "صلح الشيء يصلح صلاحاً دلالة على خلاف الفساد" إن الإصلاح ضد الفساد، والإصلاح نقيض الفساد وأصلح الشيء بعد فساده، ولغة يقال "صلحت حال الرجل أي زال عنها فسادها". وهو مفهوم يطلق على التغيرات الاجتماعية والسياسية التي تسعى لإزالة الفساد، وهو تعديل غير جذري في شكل الحكم أو العلاقات الاجتماعية دون مساس بأسسها. ويرى صموئيل هانتغتون ان الإصلاح السياسي هو "تغيير القيم وانماط السلوك التقليدية وتوسيع نطاق الولاء ليصل إلى الأمة، وعقلنة الحياة العامة وعقلنة البنى في السلطة وتعزيز التنظيمات المتخصصة واعتماد معايير الكفاءة" ويعرف كذلك بأنه "عملية تعديل جذرية في شكل الحكم أو العلاقات الاجتماعية داخل الدولة في إطار النظام السياسي القائم وبالوسائل المتاحة واسناداً لمفهوم التدرج" ونرى ان الإصلاح السياسي هو تطوير كفاءة وفاعلية النظام السياسي في بيئته المحيطة داخلياً، واقليمياً ودولياً، استناداً لمفهوم التدرج، والشفافية والسلمية والذاتية ويركز فيه على المضمون (الجوهر) وليس الشكل، وفي ضوء ذلك نتسأل ماهي مضامين الإصلاح السياسي التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في حالتنا هذه:
أولاً: الإصلاح التشريعي ويبدأ ذلك بالدستور والقوانين الناظمة للحياة السياسية في الدولة.
ثانياً: البنى والهياكل، والمؤسسات وتحديثها وتطوير تخصصاتها وإلغاء ما هو غير فاعل منها وتأسيس بنى جديدة متخصصة وفاعلة.
ثالثاً: تطوير منظومة القيم الاجتماعية بقيم جديدة محدثة تواكب عملية الإصلاح واستبدال التقليدية منها بقيم محدثة.
رابعاً: تطوير كفاءة النظام السياسي وتعزيز فاعليته لمواجهة التحديات، والأزمات والصعاب التي تواجه الدولة وإيجاد السبل الكفيلة بحلها او التخفيف من وطئتها.
خامساً: عقلنه واستنطاق قيادات وطنية ملتزمة وتجديد النخب التقليدية.
سادساً: توسيع قاعدة المشاركة السياسية.
سابعاً: اعلاْ شأن المسألة السياسية.
ثامناً: زيادة مستوى الشفافية التي تعنى الانفتاح الكامل على الناس في السياسات والممارسات، ومنها حسن الحكم الذي يعني الترميم والدقة والوعي في كل ما يتعلق بقضايا الدولة.
تاسعاً: وضع آليات جديدة للعلاقة بين الحاكم والمحكوم تكون منتجة ومفيدة بعيداً عن آلية العلاقات العامة الشكلية.

أن الديمقراطية منفردة لا تكافح الفساد ولا تقضي عليه إلاّ ان الأمر ينحصر في كونها آلية حكم أو شكل نظام سياسي توفر منظومة سياسية متكاملة، ويقصد بالمنظومة السياسية دستوراً تعاقدياً يمنح الرعية حق الولاية على نفسها، وتعددية سياسية تفضيّ إلى قيام أحزاب سياسية ذات برامج قادرة على التنافس بشكل جدّي ولديها حلول للقضايا الوطنية، وانتخابات حرة نزيهة تأتي بمجالس نيابية تمثل الأمة بأسرها، أعضاؤها من الأكفاء القادرين على التشريع واجادة مهام الرقابة بكل وعي.

ان ما يتم التحدث عنه اليوم هو النقطة الأولى المتمثلة بالإصلاح التشريعي لقانوني الانتخاب والأحزاب وهذا بند واحد لا تستقيم عملية الإصلاح به، لا بد من النظر إلى البنود الأخرى باتجاه متوازي.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)