TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
بوادر تشكيل محور إقليمي جديد (أردني – مصري – عراقي)
24/03/2019 - 3:45pm

بقلم الدكتور عارف بني حمد 
مع إقتراب موعد إعلان صفقة القرن والإستعداد لنتائجها ،عقدت في القاهرة اليوم (24/3) قمة ثلاثية مفاجئة (أردنية – مصرية – عراقية)، سبقها إجتماع لوزراء الخارجية ومدراء مخابرات الدول الثلاث ، والهدف المعلن للقمة هو تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدان الثلاثة، وتعزيز التعاون الثلاثي وتبادل المعلومات الأمنية ومواجهة التطرف والارهاب، إضافة إلى بحث آخر المستجدات التي تشهدها المنطقة.
ولا يمكن قراءاة وتحليل هذه القمة الثلاثية وحصرها في إطار التعاون الإقتصادي والتجاري فقط ، ولا التنسيق في مكافحة الإرهاب لأن الدول الثلاث مشاركة في التحالف الدولي ضد الإرهاب. وإنما لها أبعاد إستراتيجية وأمنية وسياسية على ضوء طبيعة المشاركين فيها ( قادة ، وزراء خارجية ومدراء مخابرات )، وربما تؤشر لولادة محور عربي جديد على غرار مجلس التعاون العربي الذي تأسس عام 1989 في بغداد وضم الأردن ومصر والعراق واليمن ، وكان من أهدافه المعلنة تعزير وتطوير العلاقات الإقتصادية والتجارية بين الدول الأعضاء ، وإنهار المجلس بعد إحتلال العراق للكويت عام 1990.
كما لا يمكن فصل هذ القمة الثلاثية عن التطورات الإقليمية وقرب الإعلان عما يسمى صفقة القرن ومشاريع التسوية الإقليمية ، وفي هذا الإطار لا بد من الإشارة الى عدد من المعطيات والملاحظات : 
أولا : ما يجمع الدول الثلاث (مصر والأردن والعراق ) هو تحفظها وعدم رضاها عن السياسات السعودية الإقليمية، ويلاحظ غياب السعودية والإمارات حليفتا مصر عن هذه القمة .
ثانيا : لن تسمح مصر لأي دولة عربية منافستها على الدور الإقليمي القائد في المنطقة العربية وخاصة تجاه القضية الفلسطينيية . ولوحظ محاولة الإدارة الأمريكية الحالية إعطاء المملكة العربية السعودية دورا إقليميا قائدا في الإقليم على حساب الدور المصري التقليدي ، خاصة في تنفيذ صفقة القرن وإيجاد حل نهائي للقضية الفلسطينية ، للتفرغ لمواجهة إيران . وتسعى الإدارة الأمريكية لتشكيل تحالف الشرق الأوسط ( الناتو العربي ) ، والذي من المقرر أن يضم دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن وربما إسرائيل لاحقا .
وتشعر مصر بأن هناك تنسيقا أمنيا خليجيا سريا مع إسرائيل حول ملفات إقليمية ( إيران وسوريا وفلسطين ) دون التنسيق مع مصر ، وبالتالي ستتعزز العلاقات الخليجية مع إسرائيل وسيتم الإستغناء عن الدور المصري ، علما بأن مصر تريد أن تمر العلاقات الإسرائيلية – الخليجية من خلال البوابة المصرية . لذلك ربما جاءت هذه القمة كإشارة عن عدم رضا مصر عن السياسة السعودية ، ومحاولة مصرية لإضعاف الدور السعودي الإقليمي المرتقب .
ثالثا : يسعى الأردن للإستفادة من أي فرصة إقتصادية لمعالجة الأزمة الإقتصادية الخانقة التي يعاني منها ، وقد وقع الاردن (15) اتفاقية تجارية وحدودية جديدة بين الاردن والعراق. ويراهن الاردن على لعب دور في تقريب العلاقة بين مصر والعراق في إطار مصلحي ثلاثي قبل اعلان صفقة القرن وعلى أساس إحياء مشاريع السلام الاقتصادي . 
وكان الاردن والعراق وقعا في التاسع من نيسان/أبريل 2013 اتفاقا لمد انبوب يبلغ طوله (1700) كلم لنقل النفط العراقي الخام من البصرة الى مرافئ التصدير بالعقبة، بكلفة تقارب (18 ) مليار دولار وسعة مليون برميل يوميا. ووفق المشروع الذي لم يبدأ تنفيذه بعد، يفترض ان ينقل الانبوب النفط الخام من حقل الرميلة العملاق في البصرة (545 كلم جنوب بغداد) الى مرافئ التصدير في ميناء العقبة (325 كلم جنوب عمان). ويأمل الأردن الذي يستورد (98 %) من حاجاته من الطاقة في ان يؤمن الأنبوب احتياجاته من النفط الخام التي تبلغ نحو مئة الف برميل يوميا.
رابعا : تعترف القيادة الأردنية بوجود ضغوط كبيرة على الأردن، ويشعر الأردن بأنه مستهدفا من صفقة القرن ، وأن مصالحه العليا في خطر، وأن حلفائه في الخليج تركوه وحيدا ومكشوفا ، وأنه لا يتلقى الدعم السياسي والإقتصادي الكافي من دول الخليج (خاصة السعودية) ، وخاصة دعم موقفه من الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة في القدس ، بينما تلقى الأردن دعما بهذا الخصوص من دول محور الممانعة ( إيران وسوريا والعراق وقيادات لبنانية موالية لإيران ) وتركيا .
خامسا : العراق حليف لإيران وموجود في محور مناهض للسياسة السعودية وعلاقاته بدول الخليج لا تزال مترددة خصوصا مع السعودية ، ويحكمها العامل والتأثير الإيراني الكبير في السياسة العراقية .
وأما مستقبل هذا التجمع الثلاثي أو المحور الجديد، فإنه سيكون محكوما بعدد من العوامل أبرزها : 
أولا : العلاقة بين الأطراف الثلاثة تكتيكية ومصلحية وليست إستراتيجية ولكل دولة مصلحة ذاتية خاصة بها ، وكل طرف سيحصل على مكاسب من أطراف أخرى سيخرج من هذا المحور .
ثانيا : نجاح هذا المحور مرتبط بطبيعة ردود فعل كل من الولايات المتحدة وإيران والسعودية واسرائيل وتركيا .
ثالثا : من المرجح أن مصر ستستخدم هذا المحور كورقة تفاوضية في وجه الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل لتحقيق أكبر قدر من المكاسب في الترتيبات الإقليمية القادمة ، وكذلك تحقيق المزيد من المكاسب المالية من دول الخليج .
رابعا : لجأ الأردن لهذا المحور لتخفيف الضغوط عليه ومحاولة حماية مصالحه العليا ، إلا أن الأردن لن يستفيد من سياسة المحاور الإقليمية ، ولنا من تجربة مجلس التعاون العربي درسا وعبرة ، عندما باعت مصر آنذاك الدول الأعضاء وإختارت مصالحها الذاتية فقط ، وتعرذ الأردن لأشد العقوبات .
خامسا: نجاح العلاقات التجارية والاقتصادية الأردنية مع العراق محكوم بطبيعة العلاقة مع إيران التي تلعب دورا مؤثرا في القرار العراقي . وتواجه الإتفاقيات الإقتصادية التي وقعها الأردن مع العراق مماطلة في التنفيذ ، وكانت الحكومة العراقیة شكلت لجنة لإعادة النظر في آلیة تمویل مشروع خط النفط العراقي الأردني، بعد أن قررت إعادة النظر في طریقة تمویل مشروع خط النفط مع الأردن. كما تشير التسريبات الى أن الحكومة العراقية تدرس إعادة النظر بدراسة الجدوى لمشروع خط النفط مع الأردن بشكل كامل. كما تدرس تطویر المشروع بحیث یتم إیصال الخط إلى مصر، بدلا من انتھائه في العقبة، وأن الجانب العراقي یتواصل مع مصر في ھذا الخصوص.
ويواجه المشروع الاستراتيجي (إنبوب النفط العراقي ) الذي يراهن عليه الاقتصاد الاردني معارضة شرسة من اللوبي المناصر لطهران في البرلمان العراقي والواقع السياسي العراقي بسبب سوء العلاقات بين الاردن وايران سياسيا ودبلوماسيا. وأكد السفير الإيراني في الأردن عدم الرهان كثيرا على مضي مشروع إنبوب النفط في حال إستمرار الاردن في مقاطعة ايران ، وأنه لن ينفذ بدون موافقة إيران .
سادسا : من المتوقع أن تقوم السعودية والإمارات بخطوة لإفشال هذا المحور ، من خلال التوجه لمصر بمبادرة دعم مالي وإقتصادي .

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)