
طلبة نيوز – د. زياد أبو الرُّب – الجامعة الألمانية الأردنية
جيل ألفا (المولودون بين 2010 ومنتصف عشرينيات هذا القرن) يفتح عيون العالم على واقع تعليمي مختلف جذريًا. مليارا إنسان سيشكلون هذا الجيل بحلول 2025، أغلبهم وُلدوا وهم يلمسون الشاشة قبل الورقة، ويتواصلون مع الذكاء الاصطناعي قبل أن يتعلموا الكتابة. إنهم "مواطنون رقميون بالفطرة"، لا يكتفون بالتلقي، بل يطالبون ببيئة تعليمية مرنة، سريعة، وتفاعلية، تلبي شغفهم بالابتكار وتمنحهم الاستقلالية.
دراسات حديثة (بحسب ClassPoint، وهي منصة تعليمية رقمية، وGWI، وهي شركة أبحاث عالمية للسلوك الرقمي) تشير إلى أن أكثر من 70% من أبناء جيل ألفا يفضلون أن يكونوا رؤساء لأنفسهم أو أصحاب أعمال حرة، بدلاً من الارتباط بوظائف تقليدية طويلة الأمد. هذه النزعة نحو الريادة والاستقلال، مقرونة بشغفهم بالمسؤولية الاجتماعية والبيئية، تعني أن التعليم بالنسبة لهم لم يعد مجرد شهادة تُعلَّق على الجدار، بل تجربة حيّة لبناء المهارات والهوية في آن واحد.
لكن السؤال الجوهري يظل مطروحًا: هل ستبقى الشهادة الجامعية الخيار الأول لجيل ألفا؟
التحليلات تؤكد أن نصف هذا الجيل تقريبًا سيلتحق ببرامج جامعية تقليدية، إلا أن الشهادة الجامعية وحدها لن تكون كافية لإشباع طموحهم أو استيعاب متطلبات سوق العمل. الجامعات ستظل تحافظ على قيمتها في بناء التفكير النقدي وصقل الشخصية، غير أن المهارات العملية وسرعة التكيّف باتت هي المعيار الأهم للتوظيف.
هنا تبرز الشهادات المصغّرة (Micro-Credentials) بوصفها الجسر الذي يربط بين عمق التخصص الأكاديمي وسرعة التغيير في سوق العمل. فهي أقل تكلفة وأقصر زمنًا، وتركّز على مهارات دقيقة يحتاجها أرباب العمل. تقارير "المركز الوطني للتعليم الإلكتروني" في السعودية (2024) تصفها بأنها "المعيار التنافسي الجديد"، إذ تمنح حاملها قيمة عملية ملموسة وتفتح الباب أمام التعليم المستمر مدى الحياة. وقد بدأت جامعات عالمية وعربية بالفعل بدمج هذه الشهادات ضمن برامجها التقليدية، بما يتيح للطالب أن يجمع بين "المسار الطويل" و"المسارات السريعة" في الوقت ذاته.
أما في الأردن، حيث يبلغ معدل البطالة بين الشباب (15–24) عامًا نحو 46% بحسب تقرير دائرة الإحصاءات العامة لعام 2023، فإن إدماج الشهادات المصغّرة مع التعليم الجامعي لم يعد خيارًا تجميليًا بل ضرورة حقيقية. فالاقتصاد الوطني لا يستوعب الأعداد المتزايدة من الخريجين، وغالبًا ما يظل التوظيف في وظائف تقليدية منخفضة المهارة متفوقًا على فرص حملة الشهادات الجامعية. هنا فقط يمكن للشهادات المصغرة أن تسد الفجوة بين الخريج والسوق، وأن تمنح الطلبة الأردنيين ميزة إضافية في المنافسة المحلية والدولية.
جيل ألفا لا يبحث عن إلغاء الشهادة الجامعية، بل عن إعادة تعريفها: شهادة متينة في الأساسيات، مكمّلة بحزمة من الشهادات المصغرة المرنة التي تتيح له التحديث المستمر لمعارفه. وبقدر ما تنجح الجامعات في المزج بين النموذجين، بقدر ما تبقى في قلب المشهد التعليمي بدلاً من أن يسبقها الزمن.
في النهاية، ملامح المستقبل واضحة: جيل ألفا سيبني مساره التعليمي على "تعلّم أساسي عميق" عبر الشهادة الجامعية، و"تعلّم متجدد ومرن" عبر الشهادات المصغّرة. الجامعات الذكية التي تدمج الاثنين ستبقى جذابة وقادرة على إعداد خريجين ليسوا مجرد موظفين يبحثون عن وظيفة، بل فاعلين قادرين على قيادة التغيير في عصر السرعة الرقمية.


اضف تعليقك