طلبة نيوز - نشرت المجلة الدولية ملخص دراسات الشرق الاوسط دراسة علمية مهمة أعدها الباحثون ا د محمد تركي بني سلامة من جامعة اليرموك بالأردن، ومعاذ العكيلة وواشاد امامبوكوس من جامعة دي مونتفورت بالمملكة المتحدة، تحت عنوان "عملية الإصلاح التي لا تنتهي: حقائق وراء جهود تحديث النظام السياسي في الأردن." تسلط الدراسة الضوء على مخرجات لجنة التحديث السياسي في الأردن، التي تم إنشاؤها بهدف دفع عجلة الإصلاحات السياسية في المملكة، وتقييم تأثير هذه المخرجات على عملية الإصلاح السياسي التي طالما كانت محل جدل في البلاد ووفق ما جاء في الدراسة .
أنشئت اللجنة الملكية لتحديث النظام السياسي في يونيو 2021 برئاسة سمير الرفاعي، بتوجيه من الملك عبد الله الثاني. وتهدف هذه اللجنة إلى وضع إطار قانوني وسياسي جديد للأحزاب السياسية والانتخابات، في محاولة لتحفيز مشاركة أوسع للشباب والنساء في العملية السياسية، مما يعكس تحولاً نحو نظام سياسي أكثر تمثيلاً وشمولاً. كما وضعت اللجنة خارطة طريق للتحول الديمقراطي التدريجي على مدى عشر سنوات، تسعى من خلالها إلى بناء برلمانات تسيطر عليها أحزاب قوية قادرة على تشكيل الحكومات، بما يحقق تغييراً نوعياً في المشهد السياسي الأردني .
ورغم ما يبدو من أهداف طموحة لهذه اللجنة، فإن الدراسة تشير إلى أن هذه المبادرات قد جاءت متأثرة بقيود مؤسسية وتاريخية عميقة. فقد سلط الباحثون الضوء على الفجوة الواضحة بين ما يتم الترويج له من إصلاحات وما يتم تنفيذه على أرض الواقع، حيث تبين أن هذه الإصلاحات غالبًا ما تكون تجميلية وتفتقر إلى الإرادة الحقيقية لتحقيق تغيير جوهري في النظام السياسي. وبحسب الدراسة، فإنه يتم التلاعب بمبادرات الإصلاح لخدمة أهداف الخاصة، بدلاً من أن تكون هذه المبادرات استجابة حقيقية لمطالب الإصلاح السياسي التي يطالب بها الشعب الأردني منذ عقود .
وتقدم الدراسة تحليلاً معمقًا لمخرجات لجنة التحديث، مشيرة إلى أن القوانين الجديدة المتعلقة بالانتخابات والأحزاب السياسية التي اقترحتها اللجنة تهدف إلى إعادة تشكيل الحياة السياسية في الأردن. لكن على الرغم من هذه الإصلاحات، فإن الدراسة تذهب إلى أن القوانين المقترحة لا تعدو كونها تغييرات شكلية تسعى إلى الحفاظ على الوضع القائم، بدلاً من تفكيك الهياكل الاستبدادية التي تسيطر على المشهد السياسي. فعلى سبيل المثال، رغم التعديلات الدستورية التي تم اقتراحها لتعزيز الآليات البرلمانية، لا تزال السلطة التنفيذية تحتفظ بسلطات واسعة تتناقض مع مبدأ الحكم الدستوري الذي تقوم عليه الديمقراطية التمثيلية .
من أبرز النقاط التي تناولتها الدراسة هي الفجوة العميقة بين الخطاب الإصلاحي الرسمي والممارسات السياسية الفعلية. فبينما يتم الترويج لإصلاحات تهدف إلى تعزيز دور الأحزاب السياسية وتمكينها من لعب دور أكبر في الحياة العامة، يظهر أن الأحزاب السياسية لا تزال تواجه تحديات كبيرة تمنعها من الوصول إلى السلطة. فضلاً عن ذلك، فإن نظام الانتخابات الحالي يُفضل الولاءات القبلية والاجتماعية على العمل الحزبي المنظم، مما يُبقي الأحزاب السياسية ضعيفة وغير قادرة على التأثير في القرارات السياسية الكبرى .
كما تتطرق الدراسة إلى دور مجلس الأمن الوطني الذي تم إنشاؤه حديثاً ضمن الإصلاحات الأخيرة، مشيرة إلى أن هذا المجلس يتمتع بصلاحيات واسعة في مجالات الدفاع والأمن والسياسة الخارجية، مما يجعله قوة إضافية تعزز من هيمنة السلطة التنفيذية وتقلص من دور البرلمان. وتعتبر الدراسة أن إنشاء هذا المجلس يمثل تقويضاً لمبدأ فصل السلطات، ويمنح النظام مزيدًا من السيطرة على الحياة السياسية في البلاد، ما يثير تساؤلات حول مدى جدية الإصلاحات المطروحة .
في ختام الدراسة، توصل الباحثون إلى أن مخرجات لجنة التحديث الأخيرة لم تسهم في إحداث تغيير جذري في المشهد السياسي الأردني، وأن الإصلاحات المقترحة تظل في حدودها الدنيا دون أن تحقق تقدماً ملموساً نحو ديمقراطية حقيقية. بل على العكس، فإن هذه الإصلاحات تعزز من سلطة النظام وتستمر في تقييد الحريات الأساسية .
ويجدر بالذكر أن هذه الدراسة تعد أول دراسة علمية تتناول بشكل شامل تأثير مخرجات لجنة التحديث السياسي على الإصلاحات في الأردن، مما يجعلها مرجعاً هاماً في تحليل السياق السياسي الراهن في المملكة، ويوفر قراءة نقدية لسرديات الإصلاح التي تروج لها الحكومة .
اضف تعليقك