طلبة نيوز
عندما خرجنا للشارع قبل أربع سنوات ، كان أهم أولويات الحراك الشعبي المطالبة بالإصلاح السياسي وهو نقل الدولة من الملكية المطلقة إلى الملكية المقيدة ، التي تعيد للشعب سلطته ، وبالتالي مقدراته ؛ لأن الإصلاح السياسي هو المدخل الحقيقي للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ....الخ . وكانت إحدى الشعارات الفرعية التي رفعها الحراك محاربة الفساد ، فالفساد أرَضَة الأرض التي تأكل الأخضر واليابس في الدول وتسبب انهيارها ، والشواهد التاريخية كثيرة في هذا المجال . لن تكون الإمبراطورية العثمانية أخرها كما لم تكن الإمبراطورية الرومانية أولها .
الدولة الأردنية وصلت حالة الفساد فيها حدودا أصبح السكوت عنها انتحارا ، ويجب اتخاذ إجراءات حقيقية لمحاربته بعيدا عن التنظير أو اتخاذ إجراءات تجميلية ليس لها فاعلية وإنما هدفها المماطلة والتسويف ، كما عودنا النظام بالتعامل مع مطالب الحراك ، وهو الانحناء للعاصفة لحين مرورها ، فلم يعد مقبولاً أن تحارب الدولة الفساد بذات الأشخاص الذين أداروها منذ عشرات السنين ، بل كانوا سبباً في انتشار الفساد فيها ، ولا بنفس النهج والفكر السياسي ، إن كان هناك أصلا نهجا أو فكرا سياسيا تدار به الدولة.
نقول ذلك بعد الصدمة التي تلقيناها من تصنيف الأردن في التقرير الصادر عن مجموعة البنك الدولي المعروف بتقرير " ممارسة أنشطة الأعمال" فقد جاء ترتيبها 117 من أصل 189 اقتصادا.
وتنطلق أهمية هذا التقرير الدولي السنوي من أهمية الجهة التي أصدرته ، وهو البنك الدولي ، كما تأتي أهميته أنه يقدم دراسة علمية موضوعية رصينة لرجال الأعمال والمستثمرين عن البيئات الاستثمارية من خلال دراسة (10) مجالات اقتصادية تمارسها الدولة ، فقد تقرر أن هذه البيئة جاذبة للاستثمار أو طاردة له ، أي سهولة ممارسة أشطة الأعمال من خلال : بدء النشاط التجاري ، و استخراج تراخيص البناء ، والحصول على الكهرباء ، وتسجيل الملكية ، والحصول على الائتمان ، وحماية المستثمرين الأقلية ، والتجارة عبر الحدود ، ودفع الضرائب ، وإنفاذ العقود ، وتسوية حالات الإعسار.
المتتبع لوضع الأردن في هذا التقرير يلاحظ تراجعه المستمر ، فقد كان ترتيبه في سنة 2006 (74) ، وتراجع للمرتبة (116) سنة 2014 ، ليتراجع هذا العام درجة أخرى ويصبح (117) .
ونظرة سريعة للتقرير وترتيب الدول فيه تبين أن تطور النظام السياسي لعب دوراً مهماً في تقدم البيئات الاستثمارية فيها ، فقد جاءت سنغافورة في الترتيب الأول وعلى الرغم من أن هذا البلد استقل سنة 1963 عن بريطانيا إلا انه بفضل انتهاجه نظاماً ديمقراطياً يعتبر من أقوى اقتصاديات أسيا بل العالم ، ويكفي أن نعلم أن دخله الإجمالي السنوي يبلغ أكثر من 260 مليار دولار ودخل الفرد فيها بلغ 50 ألف دولار في السنة ، علما أن مساحتها لا تتجاوز (710 ) كم مربع ، بينما يبلغ عدد سكانها خمسة ملايين ونصف نسمة، وبفضل نظامها الديمقراطي وصلت إلى ما وصلت إليه، فحسب مجلة الايكونوميست تصنف بالمرتبة الثالثة من أصل أربعة في مؤشرها عن الديمقراطية .
كما يبين التقرير تقدماً واضحاً للدول التي استقلت عن الاتحاد السوفييتي السابق بفضل انتهاجها للنظام الديمقراطي ، فقد جاءت جورجيا في المرتبة (15) ، ودول البلطيق الثلاثة استونيا ، ولاتفيا ، و لتوانيا( 17 ،23، 24 )على التوالي بينما جاءت أوكرانيا بالمرتبة (96) وعلى ما يبدو أن الاضطرابات السياسية والصراع مع روسيا كان له أكبر الأثر في تراجع تصنيفها عن نظيراتها في الاتحاد السوفييتي السابق .
وتتصدر دول العالم الإسلامي ماليزيا ، فقد صنفها التقرير في المرتبة (18) وهي دولة تنتهج النظام الديمقراطي فنظام الحكم فيها ملكي دستوري فيدرالي برلماني ، وتعتبر من نمور أسيا الاقتصادية.
أما في العالم العربي فقد حققت دولة الإمارات ترتيباً متقدماً فقد حصلت على ترتيب (22) ، وهي الأول عربيا وتبعتها السعودية (49) وعلى الرغم من أن ُنظمها السياسية ليست ديمقراطية ، إلا أن النفط وارتفاعه في السنوات القليلة الماضية جعل منها دولاً جاذبة للاستثمار ، ناهيك أن إمارة دبي تعتمد في اقتصادها على خلق بيئة استثمارية مثالية لجذب المستثمرين لها ، مما جعل دولة الإمارات تتبوأ ترتيباً متقدماً في التقرير.
ومن الأشياء الصادمة في التقرير تقدم لبنان على الأردن فقد حصل على ترتيب (104) رغم الاضطرابات السياسية وشغور منصب رئيس الدولة ، والاغتيالات والتفجيرات التي تتعرض لها ، وحرب متوقعة مع إسرائيل وحزب الله ، إلى جانب اللجوء السوري الكبير إليها، وفي اعتقادي أن نظامها السياسي الديمقراطي أهلها للتقدم على الأردن .
ومن الدول التي تتقدم الأردن في هذا التقرير الكونغو (69) ، وسري لانكا (99) ، ونيبال (108) ، وزامبيا (111) ، وبالا (112) ، والقاسم المشترك بين هذه الدول أنها تحكم بنظم ديمقراطية ، فدولة كنيبال تكاد تكون معزولة في جبال الهمالايا وليس لها منفذ بحري وذات تضاريس وعرة ، كما أنها تقع بين اقتصادين عملاقين الصين والهند ، إلا أنها أصبحت بيئة جاذبة للاستثمار بفضل تحولها من النظام الملكي إلى النظام الجمهوري الديمقراطي برئيس دستوري ، ورئيس تنفيذي للحكومة (رئيس مجلس الوزراء) منذ العام 2007م.
ودولة كزامبيا تسبق الأردن بستة نقاط ، رغم أنها دولة تعاني الأوبئة وانتشار الأمراض وتعدد الأعراق واللغات فبفضل نظامها الديمقراطي تقدمت على كثير من الدول التي لا تزال تحكم بنظم استبدادية ، فالنٌظم السياسية الديمقراطية اثبت التاريخ أنها الأكثر استقراراً .
منذ أن دخل الأردن الألفية الثالثة أخذ يعاني من تشوهات اقتصادية حقيقية من خلال ما عرف بعملية خصخصة القطاع العام ، وما رافقه من أخطاء جوهرية كان على رأسها شبهات الفساد التي رافقت هذه العملية ، وهذا التراجع الاقتصادي أدى وسيؤدي إلى تحولات اجتماعية خطيرة ، فقد شهد الأردن في العقدين الماضيين عنف مجتمعي غير مسبوق يكاد يعصف بكل مجالات الحياة ، من الأسرة التي أخذت بالتفكك ؛ فنسب الطلاق وصلت إلى أرقام مرعبة ، كما امتد العنف إلى الجامعات التي يفترض أن تقدم دراسات علمية وحلولاً لمثل هذه الظواهر ، بل إن العنف الجامعي أخذ يمتد إلى الشارع ، كل ذلك يجعل من الإصلاحات السياسية مطلباً ملحاً لتجنيب البلاد الفوضى ، والعبور بها إلى بر الأمان
إن التراجع المستمر للأردن في هذا التقرير يجب أن يدق ناقوس الخطر لصانع القرار ، والإسراع في إجراء إصلاحات سياسية ، تفضي إلى قيام نظام سياسي ديمقراطي تتحول فيه الدولة من الملكية المطلقة إلى ملكية مقيدة (دستورية) ، تنتخب فيها السلطة التنفيذية مباشرة من الشعب أو من مجلس النواب ، وهذا لا يتأتى إلا من خلال تعديلات دستورية على المواد 34 ،35،36 من الدستور الأردني والتي تمنح الملك صلاحيات مطلقة ، إن هذه الإصلاحات إن طبقت ستجعل من الأردن بيئة جاذبة للاستثمار ، فالاستقرار السياسي هو الحاضن الحقيقي لبيئة اجتماعية واقتصادية سليمة، بغير ذلك اعتقد أن الأردن سيقبل على تحولات اجتماعية واقتصادية خطيرة ؛ فتراجع الاستثمار وانسحاب كثير من المستثمرين سيفاقم من ارتفاع نسبة البطالة ، هذا إذا علمنا أن القطاع العام يستوعب اقل من 5% من القوى العاملة في الأردن ، ومع التزايد المضطرد للخريجين في كل عام ، أضف إلى ذلك أن العمالة الأردنية في الخليج العربي قد تتعرض لهزات نتيجة تراجع أسعار النفط .
في الختام النظام السياسي الذكي هو الذي يجعل المواطن شريكاً في إدارة الدولة وقاعدته الصلبة ، وهذا لا يتحقق إلا من خلال إطلاق الحريات السياسية وتشريعات تضمن استمرارها وتطويرها ، بحيث تصل إلى نظام ديمقراطي يضمن استقرارها ، وتجعل منه بيئة جاذبة للاستثمار والمستثمرين.
د. معن علي المقابلة
موبايل /0772103092
Maen1964@hotmail.com
.
التعليقات
majed sanad (.) الجمعة, 02/06/2015 - 17:05
Government should sak universities presidents and start higher education reform
اضف تعليقك