د. محمد ابو رمان
لم يصل الموقف الأردني إلى طرد السفير السوري بهجت سليمان، من عمّان، وإبلاغ الحكومة السورية بأنّه "شخص غير مرغوب فيه"، إلاّ بعدما "طفح الكيل" من تصرفاته، وتجاوزه للأعراف الدبلوماسية والسياسية، فضلاً عن اجتماعاته ولقاءاته المريبة مع المؤيدين للنظام السوري في عمّان، وعدم استجابته للإنذارات والتحذيرات المتكرّرة من وزير الخارجية، بل واستهزائه بها أكثر من مرّة!
القرار الأردني لا يتجاوز، في اللحظة الراهنة، حدود الاستياء من السفير شخصياً، ولا يحمل "نوايا" جديدة في الموقف من سورية، كما ذهبت تحليلات متعددة بالغت في ربط التصريحات والتطورات المختلفة؛ بل كان مطبخ القرار حريصاً منذ بداية الثورة السورية على الإبقاء على شعرة معاوية مع دمشق، بالرغم من المسافة الشاسعة بشأن الرهانات بين الطرفين، وبالرغم من استفزاز السفير السوري المستمر.
بالتأكيد، الأردن ليس مثل حكومة نوري المالكي ولا
حزب الله ولا إيران. لكنّه، في الوقت نفسه، لم يكن تركيا أردوغان. فهو ليس مع النظام السوري سياسياً ودبلوماسياً، لكنّه في الوقت ذاته لم يفتح أبواب جهنّم عليه عسكرياً.
خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وبالرغم من كل الضغوط الدولية والإقليمية، وحتى المحلية، حرص مطبخ القرار الأردني على عدم قطع "شعرة معاوية" مع النظام السوري، في ذروة الضغوط العربية والغربية؛ ولم تُفتح الجبهة الجنوبية على سورية، كما وقع في الشمالية، ولو حدث ذلك لما طال عمر النظام في دمشق إلى هذه اللحظة، أو لو سمح بإدخال الأسلحة النوعية من مضادات دبابات ودروع لتغيرت وقائع المعركة ومعطياتها.
إذا كان الأمر كذلك، فما هي القطرة التي أفاضت الكأس، ودفعت الحكومة إلى اتخاذ قرار طرد السفير؟
وفقاً لما يتسرّب من أخبار ومعطيات، فمن الواضح أنّ الأمور مرتبطة بدور السفير سليمان. وربما لاحظ كثيرٌ من المراقبين (قبل يوم من طرد السفير) ما حدث بعد سلامه على الملك في حفل الاستقبال؛ إذ تمّ استدعاء وزير الخارجية ناصر جودة، بعدما كان قد غادر موقع الاحتفال، ما فسّرته التسريبات بوجود تقارير ومعلومات مزعجة عن اجتماعات السفير الأخيرة، أدت إلى غضب "المرجعيات العليا"، ثم اتخاذ القرار.
لم يلغ الأردن الانتخابات السورية الرئاسية، بالرغم من عدم شرعيتها، في السفارة هنا، بالرغم مما يحمله ذلك من موقف لا يرضي حلفاء المملكة، كما لم يقطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، بل طالب وزير الخارجية بتسمية سفير جديد "يراعي الأعراف الدبلوماسية". إلاّ أنّ التصعيد والاتهام جاء عبر أبواق النظام السوري في دمشق وعمان، وقد استمعت أمس لشريف شحادة، النائب في مجلس الشعب السوري وهو يتحدث على الـ"بي. بي. سي" صباحاً عن الأردن بقوله "ذلك الكيان الذي نعرف لماذا تم تأسيسه"!
من المبكّر القول إنّ الأردن قطع الشعرة مع نظام الأسد؛ فالمبالغة في تقدير هذه الخطوة وتداعياتها وأبعادها ليس صحيحاً. لكن في الوقت نفسه فإنّها بالضرورة ستؤزّم العلاقة بين الطرفين، في هذه اللحظة التاريخية التي يتوهّم فيها النظام السوري أنّ تحقيقه لتقدم على أرض الواقع وإجراء انتخابات رئاسية يعني خطّاً فاصلاً في الأزمة السورية!
الموقف الرسمي الأردني مبني على قناعة بأنّ الحل العسكري غير ممكن في الأزمة السورية، وأنّ الحل الوحيد هو السياسي، وهو الذي أصبح متعذّراً مع إصرار الأسد على الاستمرار في الحكم. ما يعني أنّ صانع القرار هنا يرسم ملامح العلاقة مع سورية في المرحلة المقبلة على قاعدة استمرار الأزمة وتطوّرها، مع ضرورة التعامل مع الأطراف المختلفة فيها، بما يتناسب مع المصالح الوطنية والأمنية الأردنية.
اضف تعليقك