TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
شَنْبَرْ اللُوكسْ
24/04/2019 - 3:15pm

بقلم: المهندس عامر عليوي /جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
ما دفعني لكتابة هذا المقال تعليقٌ لأحد الزملاء على أحد مقالاتي قائلاً الوضع مثل "شَنْبَرْ اللُوكسْ"، ويلفظها البعض بعد إقلاب النون الساكنة المتبوعة بالباء الى ميماً فيقول شَمْبَرْ اللُوكس...
شَنْبَر اللوكس يا اعزائي: هو كيس أبيض مخرم مثل المنخل الناعم، يتم تركيبه على اللوكس الذي كان يستخدم للإضاءة في المناسبات، فيعطي الشنبر ضوءاً أبيضاً ناصعاً، إلا أن هناك مشكلة دائمة بهذا الشنبر وهي أنه بسرعة وكما يقال بالعامية "يَكُتْ" أي يتهاوى ويسقط ويتلاشى مع أقل حركة او حتى نسمة هواء....المراقب للحالة المجتمعية التي نعيشها الان يلاحظ ويدرك انها تشبه لحد كبير شنبر اللوكس، فأخلاقنا وعند تعرضنا لأبسط المواقف تَكُتْ والعديد من القيم والمبادئ تتلاشى وتتبعثر ونبدأ بالتصرف بسلوكيات مغايرة لما ترعرعنا عليه، وللأسف الشديد اصبحنا نعيش أزمة أخلاقٍ تكاد تفتك بمجتمعنا، غِيبة ونميمة تعج بها السوشيال ميديا تنهش جسد العلاقات بين الناس وتهدم النسيج الاجتماعي، القيادة على الطرقات بعيدة كل البعد عن الفن والذوق والأخلاق، تقود سيارتك في أمان الله ويا ويلك يا سواد ليلك لو صدر منك خطأ فتنطلق سنفونية الزوامير المزعجة والسب والشتم وفي بعض الأحيان الإشارات باليد، ناهيك عن ظاهرة الذين يقومون برمي القمامة وأعقاب السجائر وعلب المشروبات الغازية الفارغة وغيرها من نوافذ سياراتهم، وظاهرة ترك المتنزهين للمخلفات في اماكن التنزه مسببةً اضرار بيئة وبصرية على حد سواء، وتنامي ظاهرة الاعتداء على المرافق العامة والممتلكات، وتفشي مظاهر العنف التي تشدها مباريات كرة القدم، ازدياد ظواهر العنف المجتمعي بالمدن والقرى والبوادي والارياف لا بل تعدتها الى المدارس والجامعات والمستشفيات، وغيرها الكثير من الظواهر التي باتت تشكل خطورة على المجتمع وتدل على اننا في مرحلة انعدامٍ لقيم الحوار، وتقبل الاخر، واضمحلال ثقافة التسامح، وعدم الامتثال للقوانين واعتداءٍ على هيبة الدولة، وأصبحت النزعة العدوانية سائدة كخطاب داخل المجتمع الأردني، فأصبحنا نشاهد ونسمع عن جرائم وسلوكيات بشعة ومستهجنة لم نكن نسمع عنها من قبل والشواهد على ذلك من حولنا كثيرة.
أنا لا أهاجم مجتمعنا، لكنني حزين على النمطية التي يسير فيها، فمن المخجل أن تكون الأردن كدولة وقد قارب عمرها من المائة عام ألا تُحدد لها منظومةً أخلاقيةً تحاربُ بها كل أشكال التخلف والفوضى والهمجية والتي باتت مؤرقة للجميع، فبقاء الدول واستمرارها مرهون بتمسكها بالأخلاق، والتزام مواطنيها بالقيم الأخلاقية في التعامل مع الآخرين، والعكس صحيح إذا تخلت هذه الدول عن السلوك الأخلاقي وآدابه، فإنها تتراجع وتنهار وذلك مصداقا للبيت الشهير الذي قاله أمير الشعراء أحمد شوقي: (إنما الأمم الأخلاق ما بقيت،،،،فان هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا)، وخير مثال في عصرنا الحالي يجسد مقولة شوقي عن الاخلاق هو ما قاله أحد اليابانيين عن بلاده في كليب صغير عنوانه "أفضل ما في اليابان".
قال: "اليابان مدهشة لعدة أسباب، ولكن السبب الأهم بالنسبة لي بوسعنا أن نُلخصه في الكلمتين الآتيتين "الوعي بالآخر". في اليابان، يتصرف الناسُ وهم يحملون الآخرين في عقولهم بدلا من التفكير فقط في أنفسهم، ولنأخذ مثالا بسيطًا على ذلك، حال الناس وهم يهبطون أو يصعدون على السلم الكهربائي في البلاد الأخرى، يمكن أن نرى علامات وإشارات على الناس أن يتبعوها حتى يحافظوا على النظام، ومع هذا ستجد من بينهم من لا يلتزم بالعلامات، أما في اليابان فستجد كلَّ إنسان يسلك السلوك الصحيح أوتوماتيكيًّا فيستطيع كل شخص الصعود والهبوط بمنتهى السهولة واليسر. كذلك يفعل الياباني في كل شيء يستخدمه خلال يومه حتى تَسهُل الحياة على كل إنسان آخر. بوسعك النوم في مترو مزدحم، لأن الآخرين هادئون لا يثرثرون أو ينثرون الضوضاء من حولك، في اليابان تستطيع أن تستمتع بالشوارع النظيفة، لأن الناس لن يلوثوا الأماكن أو يلقوا بمخلفاتهم في الطرقات، في اليابان بوسعك أن تشعر بأنك مَلِكْ، لأن الناس سيقدمون لك الخدمات مع ابتسامة وانحناءة، ثقافة الاحترام تخلق حالا غير معقولة من أجواء الأمان من حولك، تلك التي تؤدى إلى معجزات اليوم الحديثة. في مقهى مزدحم في اليابان، بوسعك أن تترك هاتفك أو حاسوبك على الطاولة، ولن تجد من يسرقه، بوسعك أن تترك دراجتك بالخارج دون جنزير يربطها أو قفل يشدّ وثاقها، وسوف تجدها في ذات المكان حين تعود إليها، فقط في اليابان سترى أشياء لن تراها في أي مكان في العالم، ستجد الدراجات النارية Motorcycle تقف على الرصيف، ومفتاح تشغيلها في مكانه والموتور شغّال جاهز للسير ولا أحد يفكر في أن يستغل الفرصة. حينما تُنشئ مجتمعًا الناس فيه تفكر بالآخرين، ستكون الحياة أفضل لكل الناس، إنه الدرس الذي يجب على كل العالم أن يتعلموه من اليابان، احترام الآخر". انتهى الاقتباس.
واختم بالسؤال لماذا اليابانُ يابان؟ الجواب في كلمة واحدة فقط: "الأخلاق"، هذا شعبٌ يتعلم الأخلاق في طفولته قبل تعلّم المشي والكلام والقراءة والكتابة، الأخلاق هي فن مراقبة الآخر، ليست مراقبة الآخر كما نفعل نحن، أن نقتحم خصوصياته فننتقد ما يلبس وندس أنوفنا في حياته الشخصية لنسأل عمن يُصاحب وكم يتقاضى من راتب، وكم ورث عن أبيه وكم أنفق في السفر، ونوع السيارة التي يركبها، ومن يجالس! إنما مراقبة الآخر تعنى في الأدبيات اليابانية العمل على راحة الآخر والاجتهاد في تكريس شعور الآخر بالأمن والراحة، هذا شعبٌ يستحق الحياة.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)