TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
ظاهرة الدجل الأكاديمي*
10/08/2020 - 11:30am

الدجل- بمعنى الغش و الكذب و الخداع -من صفات البشر القبيحة، و هو سلوك مكتسب يمارسة الشخص الدجال كوسيلة لتحقيق مآرب كثيرة منها ما هو مادي و نفعي او لتحقيق اهداف اجتماعية و سياسية كمنصب او مكانة اجتماعية و غيرها. و قد تناول الأدب على مر العصور ظاهرة الدجل و سخر منها و من الدجالين و كشف زيف ادعاءاتهم في اعمال ادبية كثيرة، منها على سبيل المثال مسرحية (طرطوف) Le Tartuffe للكاتب المسرحي الفرنسي مولير Moliere الذي سخر فيها من الدجال الذي يستغل الدين و يضحك على عامة الناس من اجل تحقيق غاية شخصية قد تكون دونية لا تخرج عن كونها غريزية أو حيوانية. لا شك إن استغلال الدين كقناع لخداع الناس هو من اخطر و اسهل انواع الدجل لأن الناس بشكل عام يميلون الى التدين و بالتالي من السهل على الشخص الذي يمتهن الدجل الديني خداع العامة بلباس التدين.

و من انواع الدجل الشائعة الدجل السياسي، و ما اكثره هذه الأيام، خاصة و نحن على ابواب الانتخابات النيابة، فنجد من يتظاهر بخدمة العامة و يلبس لباس الوطنية و يدافع عن حقوق الغلابا من المجتمع، و ما ان يصل الى مقعد النيابة او المنصب السياسي الذي يسعى له حتى ينسى كل وعوده و يغير رقم موبايله و يبداء يبحث عن طبقة سياسية ينتفع منها و لا يأبه الى قاعدته الانتخابية إلا بعد مرور اربعة اعوام ليعلن نفسه مرشحا مرة اخرى مرددا نفس الشعارات و ممارسا نفس اساليب الدجل التي اوصلته الى النيابة في المرة الاولى.

و هناك فئة اخرى تمارس الدجل المالي فتدعي كذبا انها تدير مشاريع (وهمية) تدر الربح الوفير على من يساهم فيها، و ما قصة البورصات الوهمية و مصائبها على المجتمع عنا ببعيد. لقد عالج الكاتب المسرحي الانجليزي ساموئل جونسون (Samuel Jonson) هذا النوع من الدجل في رائعة المسرحية ( فولبوني او الثعلب) (Volpone or the Fox) فبين ان حب المال و الجشع يوقع الناس ضحية الدجالين.

هذه الانواع من الدجل و غيرها موجودة في المجتمعات البشرية منذ القدم، و مع معرفتنا بها و بغيرها من انواع الدجل فانها لن تختفي لأسباب لا مجال لتفصيلها هنا.

و مع اتساع رقعة التعليم في بلادنا و التوسع في التعليم العالي لحاجة المجتمع له و لأن ذلك أصبح من ضروريات الحياة المعاصرة- فلا تقدم و تطور حضاري دون التعليم و التعليم العالي و انشاء الجامعات و المعاهد العلمية- ظهر نوع جديد من الدجل تمارسه فئه من الاكاديميين و حملة الشهادات العليا يمكن تسميته بالدجل الاكاديمي. هذه الفئة قليلة و لكنها خطيرة لأنها تستغل الوسائل المتاحة للوصول الى اهدافها بغير وجهة حق، و اذا ما تمكنت من مفاصل التعليم و صنع القرار فانها حتما ستدمر التعليم و تفرغه من مضمونه و أهدافه النبيلة . ان هذا النوع من الدجل هو من اخطر انواع الدجل لأن ذلك يمس حاضر و مستقبل المجتمع و الوطن.
فكيف يحدث هذا؟

بعض الاكاديميين ممن اتيحت لهم فرصة الحصول على درجة الدكتوراة و العمل في جامعة يستغل شهادته للتسلق في السلم الإداري الاكاديمي في جامعته بدعم من نواب أو عشيرة مهيمنة او "شلة" متنفذة في قطاع التعليم العالي و ذلك
‏‎ للوصول الى اعلى مراتب الإدارات الجامعية او مؤسسات التعليم العالي، فما أن تطأ قدماه الحرم الجامعي في بداية عمله في الجامعة حتى يبدأ يستغل كل الوسائل المتاحة ليتبوأ المناصب الإدارية ابتداء من رئيس قسم الى ان يصبح ربما مسؤولًا كبيرًا في جامعة او مؤسسة تعليم عالي. لذلك نجده و منذ البداية ينافق لهذا المسؤول او ذاك النائب من أجل تحقيق مآربه.
‏‎أما في مجال عمله الأكاديمي فهو يستغل طلابه و ‏‎زملاءه في كتابة الأبحاث و اضافة اسمه على بحث هنا و بحث هناك و ما أن يحقق النقاط المطلوبة للترقية الى الأستاذية فإذا به يتقدم لها و ها هو قد أصبح استاذا على جهد غيره.

‏‎و بما أن المناصب العليا في الجامعات او غيرها لا ‏‎تعطى احيانا على أساس الكفاءة و المهنية، بل تتدخل فيها قوى كثيرة منها جهوية و مناطقيه و عشائرية و بعض النواب المتنفذين الذين يستفيدون من هذا الأكاديمي عند تعينه في منصب مؤثر، فإن هذا الاكاديمي الدجال قد يصبح صاحب قرار في جامعة أو في إحدى مؤسسات التعليم العالي. إن مثل هؤلاء موجودين بين ظهرانينا و يعرفهم زملائهم جيدا.

‏‎ و عندما يغادر هذا المسؤول الأكاديمي منصبه ‏‎الإداري فانه يترك و راءه الخراب و يحمل جامعته مديونية كبيرة . و اذا مانظرت الى الكادر الإداري للجامعة التي يديرها ستجد انه عين من تحت الطاولة و من فوقها العشرات و ربما المئات من ابناء منطقته و عشيرته و نفذ معظم طلبات النواب الذين اتوا به مما يزيد في الترهل الإداري الذي تعاني منه الجامعات. و أما اذا ما سمعته يتكلم من خلال و سائل الاعلام فستجده يتحدث بإسهاب عن عظيم انجازاته و بطولاته الوهمية.

‏‎و ما ان تنتهي مدة إدارته حتى يبداء البحث عن منصب جديد مستخدما نفس الاساليب التي اوصلته الى موقع المسؤولية اساسا، و كأنه لا يوجد مثله في البلاد و العباد و لا غنى عنه. و بما اننا لم نرى يوما محاسبة مثل هذا الشخص على الخراب الذي احدثه اثناء ادارته لهذه المؤسسة او تلك فإن ذلك يشجع على انتشار الدجل الأكاديمي فتصبح الغاية الوصول الى المنصب و الاستمرار فيه اطول مدة ممكنة على حساب جودة التعليم و البحث العلمي، مما يخلق الاحباط و الوهن في الجسم الأكاديمي،.
ما كان هذا ليحصل لولا غياب الشفافية و المحاسبة و إسناد الأمر الى غير اهله.

أ. د. محمود الشتيوي الشرعة

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)